نبذة عن حياة البروفيسور محمود حسابي
ولد محمود حسابي في طهران عام 1902. توجه مع أسرته الى بيروت وهو في الرابعة من عمره، عندما عين والده معز السلطنة سفيراً لإيران في لبنان.
لم يلبث عاماً حتى عاد والده الى ايران وطلق زوجته غوهرشاد وترك أسرته في بيروت دون إعالة . هذا الحادث جعل محمود وأخاه محمداً ووالدتهما يعانون من الفقر في حياتهم.
تعلّم محمود من أمّه العزف على الناي كما تمكن برعايتها من حفظ القرآن الكريم وديوان الشاعر حافظ الشيرازي، ناهيك عن تعلمه دواوين فحول الشعراء الايرانيين مثل غلستان وبوستان والشاهنامة (سير الملوك) والمثنوي للشاعر مولانا، والقصار من كلماتهم وأشعارهم.
بدأ محمود دراسته الابتدائية في المدرسة الفرنسية ببيروت، وهو يبلغ من العمر سبع سنوات بيد أنّ دراسته الثانوية تزامنت مع بدء الحرب العالمية الأولى؛ ما تسبب باغلاق المدرسة الفرنسية في بيروت، فدرس محمود مرغماً في منزله، ومن ثمّ دخل المعهد الاميركي ببيروت واستأنف دراساته هناك.
حصل الاستاذ على شهادة البكالوريس في الأدب العربي في السابعة عشرة من عمره، وشهادة البكالوريس في علم الأحياء في التاسعة عشرة من عمره، ومن ثم الشهادة في فرع هندسة الطرق والبناء، حتى يساعد بذلك أهله على المعيشة. وتخرج من الجامعة الاميركية في بيروت في فروع اكاديمية اخرى كالطب والرياضيات وعلم النجوم، وكان ذلك في وقت يشتغل فيه بمهنة رسم الخرائط.
وكان محمود يعمل لمدة في شركة "كارفرمايش" لإنشاء الطرق، حيث بعثت به هذه الشركة الى فرنسا لمواصلة دراساته الجامعية، فنال الشهادة الجامعية من كلية الكهرباء في باريس. وبدأ يعمل في شركة سكك الحديد الكهربائية الفرنسية، وذلك بالتزامن مع دراسته في فرع المناجم بالمعهد العالي للمناجم بباريس، واخيراً دخل جامعة سوربون الباريسية ونال شهادة الدكتوراه بدرجة ممتاز في فرع الفيزياء من هذه الجامعة على اطروحته بعنوان حساسية الخلايا الفوتو إلكترونية، وحاز بها وسامين من أعلى الأوسمة الفرنسية.
كان الاستاذ حسابي يتميز بخصوصيات خلقية بارزة، فكان خلوقاً متواضعاً وقوراً، يتحدّث قليلاً ويفكر كثيراً.
ولما تقدم الدكتور محمود حسابي بنظريته المعروفة الى الوسط العلمي الفرنسي، والتي تسمى بـ "نظرية لا نهائية الذرات"، عبّر العلماء الفرنسيون عن عجزهم عن فهم هذه النظرية، وطالبوه بأن يعرض نظريته هذه على العالم آلبرت أنيشتاين. فشارك هو ومعه خمسة آلاف آخرين في امتحان خاص للتتلمذ على يد أنيشتاين، فنجح واختير ضمن الخمسة الأوائل. بعد ذلك عمل في التدريس على كرسي أنيشتاين. وأخيراً عاد الاستاذ حسابي الى ايران لخدمة أبناء وطنه، إلا أنه ظلّ عاطلاً عن العمل لمدة ستة أشهر حتى حصل على وظيفة في وزارة الطرق من خلال أحد أقربائه. وأثناء محاضراته وكلامه، كان الدكتور يستشهد دوماً ويبداً بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ويعتقد بأن الطبيعة منهمكة في الابتهال والتسبيح لله سبحانه وتعالى. وكان يربط"نظرية لا نهائية الذرات" بوحدة الوجود. وكان يقول: "ربّما يدرس عشرون طالباً ممتازاً ويتخرجون من الجامعات، لكن يتعين على كل من يدعي منهم بأنّ لديه وجهة نظر جديدة، أن يتحلّى بالتقوى والورع أيضاً. فهكذا يمكنه أن يحقق تفوقاً بارزاً قياساً بالآخرين".
تزوج الدكتور حسابي من إبنة عالم الدين الشيخ الحائري، رغم مقترحات وعروض عدّة مقدّمة اليه من عوائل وشخصيات بارزة كانت تسمى حينذاك بالمتجددة. الى ذلك، كان الاستاذ يولي أهمية خاصة لتربية اولاده وفق المنهج التربوي الاسلامي القويم. إذ كان يبذل قصارى جهده لتعليمهم الواجبات الدينية والعمل بها، فضلاً عن أنه كان يحثهم على قراءة القرآن الكريم باللهجة العربية الفصحى والفهم الكامل لآيات المصحف الشريف.
عندما عين مديراً لأوّل مستشفىً خصوصي بايران، وهو "مستشفى غوهرشاد"، ألزم الدكتور حسابي الموظفات والعاملات في المستشفى بارتداء الحجاب الاسلامي الكامل؛ رغم شيوع ظاهرة السفور آنذاك، ما يدلّ على التزام الاستاذ الكامل بالمعتقدات والمبادئ الدينية.
تضم مكتبة البروفيسور حسابي الشخصية 27400 كتاباً في شتى الحقول العلمية، مثل الطب والرياضيات وعلم البيئة وعلم الفلك والنجوم والفلسفة والفيزياء والأدب والدين والهندسة وبمختلف فروعها كالهندسة الالكترونية والكهربائية، والهندسة المعمارية والطرق، والهندسة الكيماوية والمكانيك، إضافة الى موسوعات عالمية معروفة مثل لاروس والبريطانيكا وبورداس وامريكانا، وكتب ومۆلفات حول التماثيل ولوحات الرسم والمتاحف العالمية المعروفة. كما كان البروفيسور من قراء جرائد ومنشورات دولية مثل: النيوزويك والاشبيغل ولوبوان وساينتينيك أمريكن وفيزيكس تودي وفيزيكس ورد ومجلة معهد سزن العلمي السويسري ومجلة المعهد العلمي الاميركي ومجلة معهد نيويورك للعلوم وغيرها من الاصدارات والصحف.
كان الاستاذ مولعاً بالموسيقي الايرانية التقليدية وقال بهذا الشأن: "الموسيقي الايرانية هي عبارة عن منهج فكري، هي فلسفة في حد ذاتها وتعبر عن أمنية واحدة". وعليه بادر وبمساعدة عدد من طلابه في كلية العلوم بطهران وفي مقدمتهم الدكتور بركشلي، إلى تحديد السلم الموسيقي الايراني والقياس الدقيق لفواصله ونغماته، ناهيك عن أنه وبمساعدة الدكتور ناجي أجرى عملية تحديث وتصليح على الآلة الموسيقية الايرانية القديمة "التار"، وذلك بواسطة تغيير أجراه على بطن هذه الآلة. يذكر أن الاستاذ حسابي كان على معرفة تامة بالموسيقي التقليدية الغربية ويعزف على البيانو والكمان بمهارة، الى درجة نال الجائزة الأولى لمدرسة الموسيقي (كنسرواتور) في باريس عام 1927. كان حسابي يحبّ الموسيقار باخ اكثر من الموسيقيين الآخرين. وفي نفس الوقت كان معجباً بموسيقي بتهوفن وشوبرت وشوبن وموتسارت وويوالري ويشيد بهم.
وفي الشأن الرياضي ايضاً، كان البروفسور حسابي معجباً بممارسة رياضة تسلق الجبال والمشي على الأقدام. ومنحت له في فرع رياضة السباحة، شهادة انقاذ الغريق. هذا ومن الألعاب الرياضية التي نالت استحسان الدكتور، هي على سبيل المثال، كرة القدم وركوب الدراجات الهوائية والعدو وتسلق الحقول.
كان البروفسور محمود حسابي يتقن اللغات الاربع العالمية الحية وهي الفرنسية والانجليزية والألمانية والعربية، ويستخدمها في أبحاثه ودراساته، وكذلك أثناء التحدث بها. كما كان يجيد لغات أخرى مثل السانسكريتية واللاتينية واليونانية والتركية والايطالية واللغتين الايرانيتين القديمتين أي الفهلوية والأوستائية، وكان يستخدم هذه اللغات في طيات أبحاثه العلمية وخاصة فيما يتعلق باختيار المفردات في اللغة الفارسية.
كما كان البروفسور محمود حسابي معجباً بأعمال فحول الكتاب والشعراء من الايرانيين والأجانب، منهم الشاعران الشيرازيان حافظ وسعدي وابوالقاسم الفردوسي ومولانا جلال الدين محمد الرومي ونظامي الكنجوي وبابا طاهر وكذلك آندره جيد ووليم شكسبير وفالكنر وآناتول فرانس وولتر وهكسلي وارنست همينغوي وراسل وبودلر وراسين ورامبو وورلن وغيرهم من الأدباء والشعراء.
ومن الوجوه والشخصيات البارزة التي كان الدكتور حسابي يرتبط بهم، يمكن الاشارة الى كل من البروفسور آلبرت أنيشتاين وبرغمان وبلاكت وديراك وشرودينغر وبور وتلر وبورن وفرمي وفون نويمن وغودال وويتسكر وبرتران راسل وآندره جيد والاستاذ الفيلسوف الشهيد مرتضى المطهري والمرحوم العلامة محمد تقي جعفري والاستاذ ابي القاسم حالت والاستاذ شيخ الملك (اورنغ).
وعلى مدى خميسن عاماً، كان الدكتور محمود حسابي يستضيف في ايام الجمعة عدداً من العلماء والفقهاء والشعراء والادباء والكتاب واساتذة الجامعات وحتى الناس العاديين. كما كان يلتقي بخريجي كلية العلوم التقنية بجامعة طهران مرة كل اسبوعين وفي ايام الاثنين تحديداً.
كان الاستاذ حسابي يتميز بخصوصيات خلقية بارزة، فكان خلوقاً متواضعاً وقوراً، يتحدّث قليلاً ويفكر كثيراً. كما كان يتبع القناعة في حياته، ويعتبر كل شيء توفر له في الحياة، من نعم الله سبحانه وتعالى.
لم يترك حسابي العلم جانباً أبداً، وطوال السنين ال 38 المتبقية من عمره، كان يخصص ساعة في كل ليلة لتعلّم اللغة الألمانية. وفي بيته ايضاً، كان يتفرغ الى الدراسة والتحقيق في موضوعات مختلفة واجراء محاسبات بشأن نظريته (لا نهائية الذرات) والاصغاء الى النشرات الإخبارية المحلية والاجنبية والبستنه والحدادة والنجارة والابداعات العلمية والصناعية في ورشة عمل صغيرة في البيت. وكان يحب زوجته وأولاده حباً جماً ويكن لهم احتراماً كثيراً. ورغم انشغالاته المتعددة، الا انه كان يستغل كل فرصة تسنح له لتبادل الآراء والجلوس معهم.
كان الدكتور حسابي يخصص في ساعتين كل ليلتين للإجابة عن تساۆلات أبنائه الدراسية وتعليمهم مواضيع منوعة فضلاً عن تخصيصه ساعة لتعليم أبناء الجيران.
أرغم البروفسور محمود حسابي وبفضل محاولاته المتواصلة، البرلمان الايراني آنذاك على المصادقة على مشروع تأسيس جامعة طهران. وفي عام 1934 وعندما كان مصدق وزير المعارف في الحكومة البهلوية، قام الاستاذ حسابي بانشاء اول مدرسة عشائرية في البلاد.
وبسبب جهوده المضنية الحثيثة، لقب الدكتور حسابي بـ "أب علم الفيزياء والهندسة الحديثة في ايران". تجدر الاشارة الى أن البروفسور نال أعلى وسام علمي بفرنسا وهو "لجيون دونور"، ناهيك عن أنه أختبر عام 1990 "الرجل الاول للعلم في العالم".
وأخيراً توفي البروفسور محمود حسابي في ايلول سبتمبر سنة 1992 في مستشفى جامعة جنيف.
شيخ الاشراق شهاب الدين السُّهْرَوَرْدي (ح.545 هـ - 586 هـ)
الرازي الطبيب العالم
ابن سينا: الطبيب الفيلسوف والعالم الوسوعي