الثابتون على الولاية
حدثتنا الروايات الواردة عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار(عليهم السلام) عن مستوى أنصار الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف)، لجهة تمسكهم بالولاية، وثباتهم على نهجها، وتحملهم للدفاع عنها، ومواجهتهم لأعدائها.
إنَّهم يمثلون الثلة المۆمنة المجاهدة في بحر الكفر المتلاطم بأنواع الانحراف والطغيان، وهم الذين بلغ عشقهم وشوقهم إلى الإمام(عجل الله فرجه الشريف) مبلغاً عظيماً، جعلهم يتألقون في مواقفهم الجريئة لنصرة الحق، ويتمسكون بقيادتهم الغائبة عنهم كما لو كانت بين ظهرانيهم، وهذا ما أوصلهم إلى الرضى بكل أبعاده، الذي يۆدي إلى رضى أهل البيت(عليهم السلام) عن شيعتهم وأنصارهم. هۆلاء هم:
1ـ الثابتون على الولاية: عن الإمام الكاظم(عليه السلام): «طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة»[1].
إنَّ الثبات على ولاية أهل البيت(عليهم السلام) يُبقي الخطَّ متّقداً ومنيراً، بحيث يستمر هذا النهج الأصيل من خلال أنصاره، الذين يحملون صفاته الخيِّرة، ويصمدون أمام المتغيرات الكثيرة، ويساهمون في تهيئة أرضية الانتظار ما يعجّل الفرج لصاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
فعن الإمام العسكري(عليه السلام) يمثِّل الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) بالخضر وذي القرنين، قوله: «مثله في هذه الأمة كالخضر وذي القرنين، ليغيبنَّ غيبةً لا ينجو من الهلكة فيها إلاَّ من ثبَّتهُ الله على القول بإمامته، ووفَّقه الدعاء بتعجيل الفرج»[2].
2ـ لا يرتابون: يستخدم الكفر كل أسلحته، ويستثير الأهواء، ويحرك الغرائز، ويسخِّر مغريات الحياة الدنيا لترويج الانحراف، ويسيطر على البلاد والعباد، ويمارس ضغوطاً نفسية هائلة، كل ذلك لزرع الشك في نفوس المۆمنين وأصحاب الفطرة السليمة، ومتى اهتزَّ الإيمان، دخل الشيطان إلى القلب والنفس والعقل من كل مجال. لكنَّ أنصار الحجة لا يرتابون، وهم متمسكون بالحجة ابن الحسن(عجل الله فرجه الشريف)، لم يروه بأعينهم، لكنَّهم آمنوا به وكأنَّه معهم.
قال الإمام الصادق(عليه السلام): «أقرب ما يكون العبادُ من الله جلَّ ذكره، وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حجة الله عزَّ وجل، ولم يظهر لهم، ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنَّه لم تبطل حجةُ الله جلَّ ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحاً ومساءاً. فإنَّ أشدَّ ما يكون غضبُ الله على أعدائه إذا افتقدوا حجته ولم يظهر لهم، وقد علم أنَّ أولياءه لا يرتابون ولو علم أنَّهم يرتابون ما غيَّب حجته عنهم طرفة عين»[3].
3ـ أقوياء اليقين: إنَّ يقين أنصار الحجة(عجل الله فرجه الشريف) ناشئ عن ثباتهم على الولاية، وعدم ريبتهم، إلى درجة الوضوح الكامل، فلا وجود لأي نكتة سلبية في العقل أو القلب، بل اطمئنان كامل ويقين حقيقي بإمامهم وحجتهم وسبب خلاصهم الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف). وفي تفسير اليقين، «جاء جبرائيل إلى النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، إنَّ الله تبارك وتعالى أرسلني إليك بهدية، ولم يُعْطَها أحدٌ من قبلك.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): قلت: وما هي؟ قال: الصبر وأحسن منه.
قلت: وما هو؟ قال: الرضا وأحسن منه.
قلت: وما هو؟ قال: الزهد وأحسن منه.
قلت: وما هو؟ قال: الإخلاص وأحسن منه.
قلت: وما هو؟ قال: اليقين وأحسن منه.
قلت وما هو: قال جبرائيل: إنَّ مدرجة ذلك التوكل على الله عزَّ وجل...إلى أن سأله النبي(صلى الله عليه وآله): فما تفسير اليقين؟
قال: الموقن يعمل لله كأنَّه يراه، فإن لم يكن يرى الله فإن الله يراه، وأن يعلم يقيناً أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا كله أغصان التوكل ومدرجة الزهد»[4].
الثابتون على ولاية أهل البيت(عليهم السلام) يعيشون اليقين بالظهور، ولولا ذلك لما اعتُبروا من أصحاب الإمام(عجل الله فرجه الشريف). فعن الإمام زين العابدين(عليه السلام): «فلا يثبت عليه إلاَّ من قوي يقينه، وصحَّت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجاً ممَّا قضينا، وسلَّم لنا أهل البيت»[5].
4ـ أصحاء المعرفة: المعرفة الصحيحة هي التي تنطلق من الإيمان بالله تعالى، واتِّباع قرآنه والاقتداء بنبيه الأكرم(صلى الله عليه وآله) وأئمته الأطهار(عليهم السلام). أصحَّاء المعرفة لا تزيغ عقولهم ولا قلوبهم، عرفوا الحق فاطمأنوا إليه وسلكوا طريقه، تعلموا من نهج الإسلام فانقشعت بصيرتهم على الهداية. إنَّ أنصار الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) هم الذين عقدوا قلوبهم على معرفة ثابتة، وانسجم فعلهم مع قولهم بسبب هذه المعرفة، ووافق سرهم علانيتهم بسببها أيضاً. عن الإمام الكاظم(عليه السلام): «يا هشام، إنَّ الله عزَّ وجل حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا:رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، حين علموا أنَّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها (هلاكها). إنَّه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه»[6].
الشيخ نعيم قاسم
_________________
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 361.
[2] العاملي، علي بن يونس، الصراط المستقيم، ج2، ص: 232.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص333.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص21.
[5] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 323.
[6] ابن شعبة الحرَّاني، تحف العقول، ص388.
الصداقة مع الولي المطلق
القيادة في الاسلام
الولاية في کلام الامام الخميني (قدس)