تاريخ نشآة المجالس والمأتم الحسيني؟
يذكر التاريخ أن أول مأتم أقيم بعد واقعة الطف مباشرةً تكوّن من السيدات والفتيات والعلويات وهن زوجات وأخوات وبنات الإمام الحسين (ع) والهاشميين الذين استشهدوا معه.. وقد عقد ذلك المأتم في العراء فوق ساحة المعركة .
كما أقيمت مآتم أخرى في وسط الطريق عندما سيقت النساء أسارى إلى الشام، فعلى طول الطريق كانت النساء يندبن قتلاهن وينشرن مظلومية أهل البيت(ع).
وانتقلت المآتم الحسينية إلى المدينة المنورة (وكانت أول صارخة فيها على الحسين (ع) عندما قتل بكربلاء أم سلمة زوج النبي (ص) .
وأقامت أم سلمة أول مأتم للحسين (ع) في المدينة المنورة، وكان الموالون والمحبون يأتون جماعات وفرادى ويحضرون المأتم ويقدمون تعازيهم ومواساتهم لأهل بيت النبوة.
استمرت المآتم ومجالس العزاء بالانعقاد، وتعاظم صداها على طول البلاد وعرضها لتعبر عن حالة الهيجان الشعبي، ورغم كل الصعاب واصلت مسيرتها على مر الأيام والسنين بقوة أحياناً وضعف أحياناً أخرى حسب ما كانت تسمح به الظروف..
وكانت كلمات العقيلة زينب (ع) في الكوفة ودمشق بمثابة الزيت الذي أضاء سراج ثورة الحسين والمنار الهادي لكل الخطباء الذين اعتلوا منابر الدعوة لإحياء نهج الحسين، والنور الذي شعّ على الدنيا لفضح سيرة بني أمية الدموية.
خاطبت السيدة زينب (ع) أهل الكوفة قائلة: (يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر والخذل.. أنى ترضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ حربكم، ومعاذ حزبكم، ومقرّ سلمكم، وأس كلمكم، ومفزع نازلتكم، والمرجع إليه عند مقاتلتكم، ومدرة حججكم، ومنار محجتكم) (ويلكم؛ أتدرون أي كبد لمحمد (ص) فريتم؟ وأي عهد هتكتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي حرمة له هتكتم؟ وأي دم له سفكتم؟)، (إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً أو كمرعى على دمنة)، (ملق الإماء وغمز الأعداء).
بدايات العزاء على الإمام الحسين (ع)
تروي كتب التاريخ أن أول زائر لقبر الحسين(ع) هو عبد الله بن الحر الجعفي لقرب موضعه منه، قصد الطف ووقف على الأجداث ونظر إلى مصارع القوم فاستعبر باكياً، ورثى الحسين وجاء في بحار الأنوار أن أول من قرأ الشعر على مصيبة سيد الشهداء الإمام الحسين(ع) غير عبد الله بن الحر الجعفي هو الشاعر عقبة بن عمرو السهمي من قبيلة بني سهم:
مررت على قبر الحسين بكربلاء ففاض عليه من دموعي غزيرها
فما زلت أرثيه وأبكي لشجوه ويسعد عيني دمعها وزفيرها
وذكر الشيخ الطوسي في رجاله: (إن أول زائر لقبر الحسين (ع) في كربلاء هو جابر بن عبد الله الأنصاري السلمي الخزرجي، ويظهر من استقراء الروايات الواردة في هذا الباب أن جابر بن عبد الله هو أول زائر للقبر في يوم الأربعين)
وبعد هذا كله وغيره نشطت وبصورة ملحوظة دعوات الثأر للحسين وصحبه، وكثرت المجالس التأبينية والمآتم.. وتجمع كتب التاريخ على أن أهل البيت وشيعتهم، كانوا يجتمعون يوم عاشوراء في كل عام في بيت من بيوت الأئمة من أهل البيت ويقيمون (النياحة)، حيث يستحضر أحد الشعراء مأساة الطف.. وكان هناك شعر غزير مملوء بالعواطف، ملتهب الوجدان، لم يسمح للشعراء آنذاك الجهر به سمي بشعر (المكتمات) الذي منع من التداول.
في ربيع الأول من عام 65هـ وفي عهد عبد الملك بن مروان قصد كربلاء جماعة من التوابين من أهل الكوفة يقارب عددهم الأربعة آلاف نسمة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي
يقول ابن الأثير عن التوابين: (ثم ساروا فانتهوا إلى قبر الحسين، فلما وصلوا صاحوا صيحة واحدة، فما رۆي أكثر باكياً من ذلك اليوم، فترحموا عليه وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه، وأقاموا عنده يوماً وليلة يبكون ويتضرعون عليه وعلى أصحابه)
ولقد كونت تلك الحركة النواة الرئيسية لتجديد ذكرى الطف (حينما كان التوابون يجتمعون في بيت من بيوت أهل البيت (ع) في الكوفة ثم يذهبون إلى كربلاء للتجمع حول قبر الإمام الحسين وبصورة خاصة يوم عاشوراء للبكاء وطلب المغفرة، لتقاعسهم عن نصرته في واقعة كربلاء).
ولقد شجع ذلك أنصار ومحبي آل البيت على إقامة المآتم في بيوتهم واستمرت حركة الدعوة لإحياء ثورة الحسين دون توقف وغدت أكثر تنظيماً وفعالية بمرور الأيام، وأصبح الكميت بن زيد الأسدي أبرز الدعاة وكان خطيبا وشاعراً وعالماً بمختلف علوم عصره فأنتج أدب دعوة جديد، يعدّه الباحثون المحرض الأول على التجديد الشعري الثوري، الذي عرف فيما بعد باسم الشعراء المحدثين، وهكذا كان الكميت شاعراً محرضاً على ثورة سياسية واجتماعية وأدبية..
وقد عرفت قصائد الكميت الداعية إلى الثورة باسم (الهاشميات)
وقال الإمام الصادق (ع) للفضيل: (بلغني أن قوماً يأتون قبر جدي الحسين (ع) من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ... فقلت: نعم جعلت فداك... فقال: الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا)
لقد عدّ بعض الباحثين والمتخصصين في المنبر الحسيني قول الإمام الصادق بدايات نشوء المأتم وبروز دور البعض في إدارة ما يشبه مجالس العزاء الحالية من حيث الشكل والاشتراك،
وفي عهد الإمام الصادق (ع) أيضاً (انتشرت حالات تجمع الشيعة للحديث عما جرى من مصائب في كربلاء وسرد ما وقع وآخر يندب الإمام بالرقة ليثير العواطف حسب طلب الإمام من أبي هارون المكفوف حين ورد على الإمام الصادق (ع) وأنشده بعض الأبيات في رثاء الحسين (ع) فقال له: أنشدني كما تنشدون في الرقة.
قال: فأنشدته (أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية) فبكى)
وهي قصيدة الشاعر المعروف السيد الحميري الذي هجا بها زياد بن أبيه وبنيه، وبسببها حبسه عبيد الله بن زياد وعذبه.
ومرت على المآتم الحسينية فترات ضعف وقوة تبعاً للظروف ففي العهد العباسي كانت المآتم تمنع تارة ويسمح بإقامتها تارة أخرى، وإن هذه المجالس كانت تقام علناً أيام المأمون)
غير أن (النياحة) التي كان يقيمها أهل البيت لم تصبح شعائر ثابتة إلا في القرن الثالث للهجرة
وقد تطورت النياحة إلى قراءة (مقتل الحسين) لابن نمائم ابن طاووس وهي أول كتب المقاتل، ومن ذلك الحين أطلق على من يقرأ النياحة في عاشوراء اسم (قارئ المقتل) أو (القارئ
ثم ألفت عدة كتب خاصة كانت بمثابة المادة التي يلقيها الخطباء، ولعل من النماذج التي تذكر في هذا الباب كتاب ابن نما الحلي (ت645هـ) المعروف ب(مثير الأحزان) وكتاب (اللهوف في قتلى الطفوف) لابن طاووس الحلي (ت664هـ).
وتدريجياً، أصبحت كربلاء مزاراً يۆمه الكثير من المسلمين بالرغم من محاولات المنع والتقييد والاضطهاد ولهذا السبب عمل المتوكل العباسي على منع إقامة المآتم الحسينية ومنع زيارة قبر الحسين (ع) ويذكر ابن الأثير في حوادث سنة (236هـ = 850م) فقال: (في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي(ع) وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره)
علماً(بأن المنصور الدوانيقي هو أول من هدم قبر الحسين، وجاء من بعده هارون الرشيد سنة (193ه) فهدم القبر وحرث الأرض وقطع شجرة السدر التي كانت قرب القبر ليمحوا نهائياً آثار القبر الشريف) والثالث كان المتوكل
لم يمنع إرهاب المتوكل الشيعة من المضي في إقامة العزاء أو القيام بمراسيم زيارة قبر الحسين (ع) بل استمروا في ذلك بتحدٍ مباشر أو بصورة غير علنية..
وبعد انهيار الدولة العباسية وصعود البويهيين إلى السلطة في القرن العاشر الميلادي
(963م = 352هـ) ولأول مرة في التاريخ احتفالات رسمية وفريدة في يوم عاشوراء
(وأول من جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعة كربلاء بصفة رسمية هو معز الدولة البويهي)
وإثر ذلك تنفس الشيعة الصعداء، وأصبح الإعلان عن شعائرهم بذكرى عاشوراء الدم أمراً متاحاً. وأخذوا يمارسون طقوسهم بحرية تامة وبصورة علنية
وينقل المقريزي أيضاً: (جرت شعائر الحزن والعزاء يوم عاشوراء أيضاً أيام الإخشيديين في مصر واتسع نطاقها أيام الفاطميين، حيث توقف البيع والشراء وتعطلت الأسواق وذهب الناس إلى مشاهد أم كلثوم ونفيسة في القاهرة وهم باكون نائحون)
وذهب الفاطميون إلى إظهار الحزن على الإمام الحسين (ع) في عاشوراء بصورة ملحمية مۆثرة في النفوس (فكانت مصر في دولتهم في اليوم العاشر من المحرم تبطل البيع والشراء وتعطل فيقرأ مقتل الحسين (ع) ثم ينشد الشعراء ما قالوه في الحسين وأهل البيت (ع) إلى أن ينتصف النهار فيدعى الناس إلى مائدة الخليفة،
وعلى أثر مجيء الصفويين إلى الحكم في إيران في بداية القرن السادس عشر الميلادي وإعلان المذهب الشيعي الإثني عشري مذهباً رسمياً للبلاد (قامت الاحتفالات بيوم عاشوراء في كل عام ثم تطورت مراسم العزاء خلال القرن التاسع عشر وانتشرت في جميع أنحاء إيران)
وبعد إيران التي تأثرت مجالسها بمراسم العزاء في العراق انتشرت مجالس العزاء الحسيني وبكثافة وامتدت إلى الهند وآذربيجان التركية والأناضول وواجه المنبر الحسيني عراقيل وصعابا ليس في البلاد البعيدة فحسب، بل في العراق أيضاً (خلال حكم السلاجقة والعثمانيين حيث أصدر الولاة في العراق مراسم لمنع أو تحريم أو التضييق على مراسم العزاء الحسيني مما أجبر شيعة بغداد على أن يقيموا مجالس التعزية في بيوتهم ولكن بصورة سرية، خوفاً من السلطات العثمانية خصوصاً في بغداد والكاظمية)
وكردّ فعل مباشر على كل تلك المضايقات قام الشيخ فخر الدين الطريحي (ت1085هـ) بتأليف كتاب (المنتخب) متبعاً أسلوباً جديداً من أجل تطوير المنبر الحسيني وتحديد مهامه وتوزيع المجالس حسب الليالي.. إذ أورد في كل ليلة أو مجلس قصيدة شعرية تناسب المقام وتتناول مصيبة تلك الليلة، وما يزال الخطباء يرجعون إلى ذلك الكتاب حتى يومنا هذا.
اعداد:سيد مرتضي محمدي
حب الحسين عليه السلام , اهم من لقمة العيش
كيف نكون مهاجرين مع الحسين(ع)؟
العزاء لسيد الشهداءعليه السلام ، لماذا؟