قطبي العلاقة الزوجية
إنّ قضية الزوجية في حياة الإنسان لا تنفصل عنها في حياة الحيوان كما لا تنفصل عنها في الكون.
وكل واحد من طرفي التفاعل الزوجي يقوم بدور خاص يختلف عن الدور الذي يقوم به الطرف الآخر، وقد هيأ الله تعالى لكل من الطرفين في العلاقة الزوجية ما يهيۆه للقيام بدوره الخاص في ذلك.*
فتختلف إذن وظيفة كل من الزوجين في العلاقة الزوجية في الطبيعة تبعاً لاختلافهما في التكوين.
وهذه المسألة هي الجانب الوظيفي من العلاقة الزوجية التي نحاول أن نتحدث عنها بإيجاز: ولا تختلف نوعية العلاقة الزوجية في عالم الحيوان عنه في الكون والمقاييس التي استعملناها لمعرفة الطرف الفاعل والمنفعل على الصعيد الكوني يجري هنا في عالم الحيوان لمعرفة الجنس الذكر عن الأنثى كما يجري في عالم الإنسان.
فالأنثى تحب أن تنضوي تحت سلطة الذكور، والذكور تحب أن تحف الاناث من جنسها بعنايتها وسلطتها.
فالاحتجاز الجنسي والتمنع مثلا وترقب الذكر وبعد ذلك الاستسلام هو موقف الانثى في عالم الحيوان من الذكر، والجري والاندفاع والحرص والولع الجنسي هو موقف الذكور من الحيوان نحو الاناث منها.
وليس ذلك شيء عارض في طبيعة الحيوان، كما ليس ذلك مما نضيفه نحن إلى تكوين كل منهما، وانما ينبعث ذلك من أعماق تكوين الذكر والأنثى من الحيوان.
فالأنثى تحب أن تنضوي تحت سلطة الذكور، والذكور تحب أن تحف الاناث من جنسها بعنايتها وسلطتها.
وهذه حقيقة مقتبسة من أعماق الكينونة الحيوانية وقد أوتي كل من جنس الذكر والأنثى عُدة ذلك في تكوينه، فأوتي جنس الذكر من الحيوان في الغالب من القوة والشدة والصلابة والميل نحو الجنس الآخر مالم يۆت الأنثى، كما اوتي جنس الأنثى من الرقة والجمال في الجسم والاحتجاز الجنسي والتمانع والعطف والحنان الأمومي ما لم يۆتِ الذكر.
وليس الإنسان سوى امتداد عن العلاقة الزوجية في الكون وفي عالم الحيوان يجري في عالم الإنسان من غير فرق.
وليس الإنسان سوى امتداد طبيعي للكون وجزء من عالم الحيوان الكبير فالرجل دائماً يسعى إلى المرأة ويطلبها، والمرأة تتخذ موقف الترقب والاحتجاز الجنسي، وإذا أردنا أن نترجم كلمة الاحتجاز الجنسي إلى كلمة أخرى تصلح للتعبير عن الحالة في انثى الإنسان فكلمة (الحياء) قد تكون أوفى من غيرها في أداء هذا المعني.
ولا يعني ذلك انّ المرأة لا تميل إلى الرجل، فقد تكون هي أشد ميلاً إلى الرجل منها إليها. ولكن الله أودع في تكوينها حالة الاحتجاب عن الرجل والاحتجاز الجنسي وفي ذلك حكمه الهية بالغة.
فإذا كانت المرأة تستقبل الرجل كما يقبل عليها هو وكما تدفعهما معاً حاجة الجنس لاختلفت حياة الإنسان في المرحلة الأولى من التاريخ.
ويحف الرجل المرأة بعنايته ويحيطها بحمايته وعطفه، ولا يجد أي حرج في ذلك فهو قد يجهد نفسه طويلاً ليوفر لها الغذاء والكساء أو ليحميها ويعتني بها، ولا يشعر في دخيلة نفسه انّه يخسر جهداً في غير طائل وانما يشعر شعوراً قوياً انّ ذلك من استحقاقات الرجولة.
وتحب المرأة أن يحفها الرجل بعنايته ويحميها ويتلقفها ويظللها بعطفه وحمايته، وتجد نفسها سعيدة بذلك ولا تجد في ذلك حرجاً عليها.
ولا يسعى الرجل نحو المرأة ولا يطلبها اعتباطاً وعفواً، فقد أودع الله في تكوين الرجل ميلاً قوياً للمرأة، كما ركب في تكوين المرأة النفسي والعضوي جمالاً وحناناً وفيضاً من العطف والدلال يجذب الرجل إلى المرأة.
فالرجل بطبيعة دوره في الحياة من السعي نحو الأنثى والعناية بها، وحمايتها والاجتهاد في سبيلها يحب أن تتوفر لديه المۆهلات النفسية والعقلية والعضلية التي تۆهله بدوره الخاص في الحياة.
والمرأة بطبيعة دورها في الحياة الزوجية من ترقب الرجل، والاحتجاز عنه ثمّ الاستسلام والركون إلى حمايته ينبغي ان تتوفر لديها المۆهلات النفسية التي تۆهلها للقيام بدورها هذا في الحياة.
وقد ركب الله تعالى في تكوين المرأة والرجل المۆهلات التي يحتاج إليها كل من الذكر والأنثى على خطين متقابلين.
لقد اعد الله الرجل ليخوض غمار الحياة، فزوده بما يعينه في هذا المجال، واعد الله المرأة لتكون سكناً للحياة العائلية وللرجل، ولتحمل، ولترضع، ولتحنو على أطفالها، وتحدب عليهم، فزودها الله بما يعينها في ذلك.
ويسعد المرأة أن يعطف عليها الرجل ويرعاها ويحميها وتعيش في كنفه وتحت حمايته، ويسعد الرجل أن يحمي المرأة ويحنو عليها ويبقيها تحت حمايته وسيطرته.
وليس أدل على ذلك من أنّ الرجل كان منذ أسبق عهود التاريخ يفضل أن يواجه العدو في ميدان الحرب بنفسه دون أن يستعين بالنساء في شأن من شۆونها، وليس لأنّه يستهين بمكانتها فقد كان يستهين بمكانة العبيد ويستخدمهم في نفس الوقت في الحروب والغارات ويمتنع من توجيه النساء إلى ساحات الحروب.
والحياة العملية التي يقوم بأعبائها الرجل تتطلب منه مزيداً من الحزم والقدرة على التنفيذ، بينما تتطلب حياة الأنوثة التي تعيشها المرأة مزيداً من اللين، ورقة في العاطفة، وفيضاً من الحب والحنان.
في كل ما تقدم تقع المرأة في القطب المخالف للرجل ويقع الرجل في القطب المخالف للمرأة.
في صلابة الرجل وخشونته ولين المرأة وجمالها.
في حماية الرجل والمرأة واحتماء المرأة بالرجل.
في إرادة الرجل وعزمه.
وعاطفة المرأة وحنانها.
فالحياة الزوجية ذات قطبين متقابلين. يشعر الرجل القطب الموجب منهما وتشغل المرأة القطب السالب منهما.
والقطبان المتخالفان يتجاذبان دائماً، بينما القطبان المتحدان يتنافران، فإذا اجتمعت امرأة برجل توافقا واطمأن كل منهما إلى الآخر في مودة ورحمة، كما يقول القرآن الكريم فتطمئن صلابة الرجل وخشونته إلى لين المرأة وجمالها، ويطمئن هو إلى عاطفتها، وتطمئن المرأة إلى حماية الرجل، ويفيض الرجل عليها حمايته فيتلائمان في يسر وسهولة.
ولذلك تجد انّ العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وتكوين كل من الرجل والمرأة تضمن استقرار الحياة الزوجية بين الزوجين، ولو كانت الحياة الزوجية تسير على خط الفطرة على العكس من العلاقة بين رجل ورجل أو امرأة وامرأة.
وبعد أن ألممنا إلمامة سريعة بتكوين كل من الرجل والمرأة النفسي والبيولوجي نستطيع أن نحدد موقف كل منهما من الحياة ومن العلاقة الجنسية.
المصدر:
*مقتبس من مقال للشيخ محمد مهدي الآصفي
اعداد: سيد مرتضى محمدي