تساوي الكتاب السماوي مع المبعوث به او خلفاءه
تساوي الكتاب السماوي مع الذي جاء به او خلفاءه المعصومين لا يختص بالقرآن والعترة، بل كل انسان كامل وفق الى الاطلاع على الوحي فعبد صالح كهذا يكون قرينا ومساويا للكتاب السماوي الذي بعث به، ولا يفترق عنه ابداً، ويجب الحفاظ على احقيتهما وقدسيتهما دائماً. (1)
فانه وان نسخت شريعة النبي الخاتم (ص) بعض احكام تلك المناهج والشرائع. الا ان الخطوط الكلية للاديان لا تختلف عن الاسلام، والمقاصد الاصلية للاخلاق والحقوق والفقه محفوظة ايضا.
وعليه فمعنى تصديق القرآن لما جاء به الانبياء السالفون (عليهم السلام) لا يعني الاعتراف بصدقها واحقيتها في وقت نزولها وعصر حجيتها فحسب، بل ان تصديق القرآن لها هو الاذعان بصدقها واحقيتها دائما فهي حجة على طول التاريخ.
فان ما نسخ ليس الا بعض الاحكام الجزئية المرتبطة بمنهاج الشريعة السابقة (... لكلٍ جَعَلْنا منكم شِرْعَةً ومِنْهاجاً)(2) اذن فالمحاور الاصلية للكتب السماوية السالفة سالمة عن النسخ والفسخ والمسخ.
ان المقام الولائي للانسان الكامل المتفق مع حق وصدق تلك الصفحات الذهبية الخارقة للطبيعة، محفوظ من التغيير والاختلاف ايضا.
ولذا يۆمن كل مسلم باحقيتهم على طول التاريخ ويعظمهم ويحترمهم بجميع مراتب التعظيم والاحترام ايضا، وحيث ان تلك الذوات النورانية هي وسائل الرحمة الالهية فهي مۆثرة في استجابة النداء والنجوى والتوسل والتبرك.
فيرث كل سالك ـ في دائرة وراثة اهل المعرفة ـ شاناً من شۆونهم ايضا، وطبعا سيكون جميع اولاءك تحت مجموعة خاتمهم ايضاً. والشعار الخالد "العلماءُ ورثةُ الأنبياء"، له في كل عصر شكله الخاص.
وحيث اثبتنا الى الان ان جميع الكتب السماوية معتبرة وغير محرفة فهي حق ولا زالت حق وستبقى حق وان جميع انبياء الله محقون وصادقون ولا زالوا كذلك وسيبقون على ذلك (الا الاحكام المنسوخة) فحينئذ يتضح معنى قوله تعالى: (... لا نُفَرِّقُ بين أحدٍ من رُسُله...) (3)
الا انه من اللازم ان نتامل في آيتين احدهما: (تلك الرُسُلُ فضَّلْنا بعضَهم على بعضٍ منهم من كلّم اللهُ...) (4) والاخرى: (ولقد فَضَّلْنا بعضَ النبيّين على بعضٍ وآتينا داودَ زبوراً) (5)
ونرى أي كمال وجودي سيكون هو الميزان والمعيار في هذا التفاضل. وما هو الطريق لاثبات ذلك الكمال الوجودي بعد الفراغ عن امكان ثبوته؟
من جملة طرق اثبات أفضلية الانسان الكامل على انسان متكامل آخر هو أن يثبت أن كتابه السماوي أرجح من كتاب الاخر. لانه اذا اتضح الميزان في تقييم الصحف فسيعلم حينئذ منزلة اصحاب تلك الصحف وحملة تلك الكتب ايضا.
تساوي الدرجة الوجودية لكل نبي مع كتابه السماوي. من جملة طرق اثبات أفضلية الانسان الكامل على انسان متكامل آخر هو أن يثبت أن كتابه السماوي أرجح من كتاب الاخر.
لانه اذا اتضح الميزان في تقييم الصحف فسيعلم حينئذ منزلة اصحاب تلك الصحف وحملة تلك الكتب ايضا.
وذلك لانه قد بينا سابقا ان كل نبي يدعو امته بمستوى معين وبخصوصيات كتابه المعينة لا اكثر من ذلك، وتكون منزلة هذا النبي مساوية لعلو درجة ذلك الكتاب لا اعمق من ذلك ولا اعلى منه، اذن فدرجة كل انسان كامل مساوية لدرجة كمال الكتاب السماوي الخاص به.
وطبقا للاية الكريمة( وأنزلنا إليك الكتابَ بالحقّ مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب ومُهَيْمِناً عليه...)(6) يكون القرآن الكريم مهيمناً وناظراً ومسيطراً على الصحف السالفة، ويكون النبي الاكرم الذي هو عدل القرآن الكريم مهيمنا على الانبياء السالفين الذين هم اقران صحفهم السماوية.
فان المقدمة الخارجية -التي يكون صدق القياس منوطاً بصدقها- صادقة في قياس المساواة.
اذن فبشهادة الاية 48 من سورة المائدة يمكن استنباط المصداق البارز للآيتين السابقتين فإنهما تحكيان الأفضلية الاجمالية لبعض المرسلين والانبياء على المرسلين والانبياء الاخرين.
وبعد هذا تصل النوبة الى الائمة المعصومين (عليهم السلام) فان هذه الذوات كان نورها متحدا مع نور النبي الاكرم (ص) في بعض مراحله الوجودية وهي متحدة فعلا أيضاً، ومن جانب اخر ان جميع الائمة عدل القرآن الكريم، ولا يمكن ان يفترقوا عن القرآن الكريم في أي مرحلة من مراحل كمالهم الوجودي.
وذلك لان افتراقهم عن القرآن الكريم في بعض المراتب مخالف لاطلاق حديث الثقلين الصريح في عدم افتراقهما.
وذلك لان لو كان اهل بيت العصمة (عليهم السلام) عدلا لدرجات القرآن المتوسطة او البدائية دون درجاته العليا ومراحله العالية لما كان ذلك لائقاً بهم (عليهم السلام) وعلى حد تعبير الامام امير المۆمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) حيث قال: «أنْزِلُوهم بأحْسن منازل القرآن» ومن الممكن في المستقبل ان نستأنف الحديث حول هذا الموضوع.
طبعا ان الحصول على هذا المقام المنيع يختص باهل بيت الطهارة (عليهم السلام) وذلك لان الاتصال الباطني والادراك الحقيقي للقرآن الكريم الذي هو الارتباط القلبي بكتاب الله يحتاج الى الطهارة الكبرى.
وهذا هو مضمون الاية الكريمة (لا يَمَسُّه إلّا المُطهَّرون)(7) واصحاب الطهارة العظمى هم المعصومون (عليهم السلام) فحسب لا غيرهم.
وهذا هو ايضا مضمون الاية الكريمة: (إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرّجسَ أهلَ البيت و يُطَهِّركم تطهيراً)(8) أي يستظهر من مجموع هذين الحصرين تساوي اهل بيت الطهارة (عليهم السلام) للقرآن الكريم وهيمنتهم على سائر الناس الكمل طبقاً للايات المتقدمة.
وهذه النتيجة هي احد مصاديق الامتثال لامر الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) حيث يقول: نزلوا اهل البيت افضل منازل القرآن الكريم.
المصادر:
1- مقتبس من سلسلة أبحاث القرآن والعترة، آية الله جوادي آملي، مۆسسة الاسراء للعلوم الوحيانية.
2- المائدة / 48.
3- البقرة / 285.
4- البقرة / 253.
5- الإسراء / 55.
6- المائدة / 47.
7- الواقعة / 79.
8- الأحزاب / 33.
لقد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة
أهل البيت عليهم السلام هل يعلموا علم الغيب ؟