كيف ينمّي الإنسان الحياء في نفسه؟
إذا نشأ الحياء مع المرء كان ذلك يُسراً وتوفيقاً له، وإن لم ينشأ عليه فإنّه يمكنه أن يكتسبه. ومجاهدة النفس في اكتساب الفضائل وترك الرذائل من المجاهدات التي يكسب المرء ثوابها.
وأول خطوات الحياء:
العلم: العلم بالله تبارك وتعالى، والعلم بصفات كماله وجماله وجلاله، والتعرف على أسمائه الحسنى، والتمعن في مظاهر قدرته وعلمه بهذا الكون الواسع الرحيب.
ثمّ العلم بأحكام الشرع مما أمر الله تعالى به، وما نهى عنه، ومعرفة ما يُعدّ ممدوحاً، وما يُعدّ مذموماً سواء كان ذلك في جانب العبادات أو المعاملات أو الأخلاق.
المراقبة: وهي مراقبة تصرفاته ورعايته جوارحه بحيث لا يتصرف تصرفاً إلا إذا كان على وفق الشرع مهما كان هذا التصرف ضرورياً لازماً له في حياته كالأكل والشرب بحيث لا يدخل فمه إلا طيب ولا يلبس إلا حلالاً ولا يتمتع إلا بمباح.
الاستعداد للموت: وذلك يكون بصرف النفس عن كثير من شهواتها التي لا ضرورة لها إليها وردها إلى القليل مما تحتاجه والتزوُّد للآخرة بالعمل الصالح بقدر الوسع.
عن عبدالله بن مسعود – أن نبي الله (ص) قال: "استَحيْيوا من الله حَقَّ الحَياء، فقلنا: يا نبيَّ اللهِ، إنّا لَنَستَحِيْيِ. قال: "ليسَ ذلك، ولكن من استحيَى من الله تعالى حقَّ الحياءِ فَلْيَحفَظِ الرأسَ وما حَوَى، والبَطْنَ وما وَعَى، وليذكُر الموتَ والبِلى، ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، ومن فعل ذلك فقد استحْيَى مِنَ الله حَقَّ الحَيَاء".
- أفضل الحياء:
أفضل الحياء وأكرمه وأعظمه أجراً هو الحياء من الله تعالى.
والحياء من الله تعالى هو أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك. وهذا السلوك يكون بعد معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة صفاته وأوامره ونواهيه ثمّ مراقبة المرء لنفسه بحيث يضع في قلبه دائماً أنّ الله تبارك وتعالى ناظرٌ إليه، مستمعٌ لما يقول، مطّلعٌ على كل كبيرة وصغيرة من أمره؛ وهو المراد بقوله (ص): "أن تَعْبُدَ الله كأنّك تَراهُ فإن لم تَكُنْ تَراهُ فإنّه يَرَاك"، فإذا وضع المرءُ المراقبةَ نُصْب عينيه توقى أن يفعل فعلاً ينهى الله تعالى عنه أو أن يقصّر في واجب أمر بأدائه فإنّه يبذل أقصى جهده في هذا السبيل فلا يكتفي مثلا في ترك ما نهي عنه بل يتوقى أن يتواجد في أماكن لا يُفعل فيها ما يُرضي الله عزّ وجلّ.
ولذا كان لابدّ للمرء من التعرف على الحياء المحمود الذي رغّب فيه الشرع، ثمّ يأتي بعد التعرف عليه اكتسابه والتخلق به، ثمّ ينوي بذلك مرضاة الله تبارك وتعالى؛ فإذا فعل المرء ذلك كان حياۆه من الإيمان كما أشار إليه الحديث النبوي.
- أثر اكتساب خلق الحياء في السلوك الفردي:
إذا تخلّق المرء بخلق الحياء على حسب ما أراد الشرع اندفع لأداء حقوق الآخرين على الوجه الأكمل والقيام بما عليه من طاعات وأعباء والتزامات وكف عن المحرمات وعما يثلم المروءات وينقص المكرمات من النقائص والعيوب.
وقد يصل المرء إلى حالةٍ من الحياء يفي بكل واجباته والتزاماته ثمّ تراه يمتنع عن المطالبة بحقوقه وقد يناله ضرر من جراء هذا الامتناع فهل يكون الحياء في هذه الحال محمودا؟.
- علاقة الإيمان بالحياء:
- يرى البعض أنّ الحياء خصلة من خصال الإيمان فكأنّ الإيمان شجرة وارفة الظلال يمثل الحياء غصناً نضراً منها فإذا لم يوجد هذا الغصن فقد نقصت هذه الشجرة عن حد الكمال حتى تستكمل هذا الغضن الناقص يۆيد هذا الاتجاه لفظ الحديث الشريف: "والحياء شعبة من الإيمان".
- بينما يرى آخرون أنّ العلاقة بين الإيمان والحياء هي علاقة التشابه من حيث الأثر الذي يخلِّفه كل منهما في نفس صاحبه فكما أنّ الإيمان يمنع صاحبه عن ارتكاب المعاصي فكذا الحياء.
قال ابن قتيبة : إنّ الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان فسُمّي إيماناً كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه.
وإيضاح ذلك أنّ المرء يمتنع عن القيام بالمعاصي بدوافع:
1- فقد يكون راغباً في ثواب الله تعالى طامعاً في جنته فيشغله الشوق إليها عن المعصية.
2- وقد يكون خائفاً من عقاب الله تعالى وَجِلاً من عذابه فيشغله خوفه عن المعصية.
3- وقد يمتنع عن هذه المعصية حياءً من الله تعالى أن يطلع عليه وهو على هذه الحال ولا شك أن من يمتنع عن المعصية رغباً أو رهباً مأجور عند الله تعالى. لكن من يمتنع عنها حياءً من الله تعالى أجره أعظم لأنّ امتناع الأوّل بسبب الطمع وامتناع الثاني بسبب الخوف وامتناع الثالث بسبب الحياء من الخالق.
- ويرى آخرون أنّ الحياء أثر من آثار الإيمان فالإيمان هو القوة الدافعة إلى تكوين خلق الحياء ونتيجة لذلك فإذا أردنا تكوين خلق الحياء أو تعزيزه في نفوس الناشئة فلابدّ من تقوية الإيمان الذي يدفع المۆمن إلى التمسك بهذا الخلق الكريم.
ولئن كان الحياء خصلةً من خصال الإيمان أو مشابهاً له أو أثراً من آثاره في تكوين وتعزيز الفضائل الخلقية فإن ديننا الحنيف أمر به، وحثَّ عليه، وبيّن أنّه من مكارم الأخلاق التي ينبغي على كل مسلم أن يتخلّق بها ويحافظ عليها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حياءً يمنعنا عما لا ينبغي للمسلم، وأن يوفقنا للأخذ بمكارم الأخلاق إنّه سميع مجيب.
ما هو الحياء؟
هل الحياء محبذ أم مذموم؟
ما الفرق بين الحياء والرياء..؟؟
مَنْ هو النجيب برأيكم يا شباب ؟