مفهوم الحرية في الإسلام
تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات بأنه حر، وأراده الله أن يعيش كذلك، وورد عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) أنه قال: ((لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)). وحرية الإنسان ليست حقاً له بل هي واجب عليه، ولا شك في أن الإسلام أراد للبشر وللمسلمين أن يعيشوا خارج نطاق الاستعباد والأسر لبعض الحكام والدول والقبائل.. وأراد لنا أن نعيش أعزاء أحرار. ولا شك بأنه لو كان المسلمون سائرين على تعاليم الدين الإسلامي لما وصل الأمر بنا لأن تحتلنا وتتحكم بنا أمريكا وإسرائيل وفرنسا.
وسعياً لأن يكون الإنسان عزيزاً حراً فقد وضع الله سبحانه وتعالى شريعة كاملة، حددت طبيعة العلاقة بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والطبيعة وباقي المخلوقات. فطلب الإسلام من الإنسان عبادة الخالق العظيم ما لا يتنافى مع حريته، بل على العكس، فإن الإنسان يۆكد حريته بعبادته لله، وذلك حينما يخرج من العبودية للبشر، ومن الأسر لجميع المخلوقات، ومن الانجرار وراء الشهوات والملذات والماديات... فإنه يسمو فوق جميع ذلك، متوجهاً إلى مَنْ مَنَّ عليه بالحياة ووهبه إياها، ولمن يفيض عليه نعمة وجوده واستمراره، وبذلك يكون قد حصر العبادة بالله دون سواه.
وهناك فرق بين عبادة الله والعبودية للبشر، بأن البشر هم مخلوقون ضعفاء محتاجون لرحمة الله، بخلاف الله عز وجل الذي هو الغني والقادر على كل شيء، مضافاً لكونه خالقنا وبارئنا، ما يجعل أبسط واجباتنا اتجاهه الخضوع له وعبادته.
فالدعوة للدين هي دعوة لتحرير الإنسان من العبودية، وشعار الدين الإسلامي ((لا إله إلا الله)) بمعنى أننا نرفض عبادة غير الله. وقد قال الله تعالى{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (سورة الجاثية، الآية: 23).
فعلى الإنسان أن يحدد، إما عبادة الله تعالى، أو عبودية الهوى والشهوة والباطل... وبذلك نعرف حالة هذا الإنسان، فإما أن يكون حراً بحالة توجهه للخالق القوي القادر الصانع... الذي بعبادتنا له نكون قد رفضنا العبودية لالهة الأرض، ولجميع من يشعر الإنسان أنه مأسور له ومقيد به، وحينها يكون الإنسان قد وضع حجر الزاوية في تحرره واستقلاله وعزته...
وفي هذا المجال، فقد سمح الإسلام بحرية إبداء الرأي، وبالحرية السياسية وحرية التعاطي في الشأن العام، وبالحرية الاقتصادية، وبحرية المعارضة، وبحرية الإنسان في السكن حيث يشاء، وبالعمل في أي مهنة شاء... ولكن كل ذلك ضمن ضوابط، وبشرط أن لا تناقض الحرية حقوق الآخرين.
وبالنسبة لحرية المعارضة، فقد سمح الإمام علي(ع) لجميع خصومه ممارسة هذا الحق، فعندما ظهر الخوارج، وكفَّروا الإمام علي (ع) واعترضوا عليه... فلم يتعرض لهم الإمام (ع) بسوء وبقي يعطيهم حقوقهم من بيت مال المسلمين، وعندما أراد أصحاب الإمام علي (ع) أن يقتلوا الخوارج لتكفيرهم الإمام، رفض عليه السلام ذلك، وقال لهم: ((إن سكتوا تركناهم، وإن تكلموا حاججناهم، وإن أفسدوا قاتلناهم)). فبمقتضى هذا الحديث يتبين أن المعارضة بالكلمة مسموح بها، حتى للحاكم الإسلامي، ولكن المحذور يكمن في إفساد المجتمع، كما يقول الإمام علي (ع) وقد شُرّع الجهاد أيضاً، من أجل حماية حرية المسلمين، وعدم السماح لأحد التعدي على كرامتنا وحريتنا واستقلالنا.
قضية الرساليين: الحرية
حافل تاريخ البشرية، وتاريخ الإسلام بأروع الأحداث والوقائع البطولية في مواجهة أعداء الحرية، وكل من يعمل لاستعباد الأمم والشعوب.. وقد ورد ذكر عدد من الأنبياء الذين قاموا بهذا الدور، منهم نبي الله إبراهيم(ع) الذي وقف في وجه النمرود، كذلك فقد كسر الأصنام داعياً للتحرر من العبودية. كما وحدثنا القران الكريم عن النبي موسى(ع)، الذي وقف في مواجهة فرعون وحلفائه، وذلك بهدف وقف استعباد الناس، وتأمين حريتهم وكرامته. ونفس الشيء فعل السيد المسيح(ع) الذي واجه أعداء كثيرين، وقد كان ظرف السيد المسيح(ع) في فترة استشراء عبودية المادة والشهوات.
وكذلك فعل رسول الله (ص) الذي كسر الأصنام ورفض الانصياع للطواغيت، وطالب الناس بالتخلص من عبودية زعمائهم ووجهائهم... الذين تحولوا لطواغيت استعبدوا الناس. وأبرز حادثة تجلّت فيها البطولة بأبهى صورها هي واقعة كربلاء، حيث إن رفض الاستعباد وسلب الحريات كلّف بذل الأرواح والدماء.
فهذا الحسين(ع) رفض الحياة في ظل نظام لا يُۆَمِّنُ حداً أدنى من الحرية، لذلك قال(ع):((ألا وإن الدعي قد ركز بين اثنين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة)). وقال في مورد آخر: ((لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد)).
ذاتية الحرية