هل يلزم وجود مرشد للأخلاق
هل يلزم وجود المُرشد في كلّ مرحلة من السير والسلوك ؟
يعتقد كثير من أرباب السّير والسّلوك، أنّ السّائرين في طريق الكمال والفضيلة، والتقوى والأخلاق، والقرب إلى الله تعالى، يجب أن يكونوا تحت إشراف الاُستاذ والمرشد، كما ذكر في رسالة السّير والسلوك للعلاّمة بحر العلوم، ورسالة لبّ الألباب للمرحوم العلاّمة الطّباطبائي، في الفصل الحادي والعشرون من وظائف السّائر إلى الله، هوالتّعليم والتعلم تحت نظر وإشراف الاُستاذ، سواء كان الاُستاذ عالِم كالعلماء الذين مشوا في هذا الطريق، أم الأساتذة الخصوصيين، وهم الأنبياء الأئمة والمعصومين عليهم السلام.
ولكن المطّلعين من أهل الفن، يُحذّرون السّائرين على طريق التّقوى والتّهذيب، من عدم الإلتجاء بسهولة لأيٍّ كان، وإذا لم يطمئنّوا إطمئناناً كافياً، ولم يختبروا صلاحيتهم العلميّة والدينية، فلا يسلّموهم أنفسهم، ولا يكتفوا حتى بإخبارهم للمستقبليات، ولا أعمالهم غير الطبيعيّة، ولا حتى مرورهم على الماء والنار، لأنّ صدور هذه الأعمال ممكن من المرتاضين غير المهذّبين أيضاً.
وقال البعض الآخر: إنّ الرّجوع للاُستاذ لازم في المراحل الأوليّة، وأمّا بعد السّير وعبور عدّة مراحل، فلا يحتاج إلى الاُستاذ، والرّجوع للاُستاذ الخصوصي وهو الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام، حتّى نهاية المراحل، يكون لازماً وضرورياً.
وقد إستدلوا على لزوم الرّجوع للاُستاذ تارةً، بهذه الآية الشّريفة، التي تقول: "فَاسْئلُوا أَهلَ الذِّكْرِ إن كُنتُم لا تَعلَمُونَ"(الأنبياء:7).
فرغم أنّها تتناول التعليم لا التربية، ولكن الحقيقة أنّ التربية تعتمد على التّعليم في كثير من الموارد، فلذلك يجب الرّجوع للمطلعين في مثل هذه الموارد، وهذا المعنى يختلف إختلافاً واضحاً عن إختيار شخص خاص ليكون ناظراً على أعمال وأخلاق الإنسان.
ويستشهد القائلون بضرورةِ المرشد تارةً اُخرى بحكاية موسى مع الخضر عليهما السلام، فقد كان موسى عليه السلام بحاجة للخضر، مع ما أنّه كان من الأنبياء وأولي العزم، وقطع قسماً من الطّريق بمساعدته عليه السلام.
ولكن وبإلقاء نظرة فاحصة على قصّة موسى والخضر عليهما السلام، نرى أنّ موسى عليه السلام عندما تعلم من الخضر عليه السلام، إنّما كان بأمر من الله تعالى لأجل الاطّلاع على أسرار الحكمة الإلهيّة بالنسبة للحوادث التي تحدث في هذا العالم، والاُخرى أنّ علم موسى عليه السلام كان عملا ظاهرياً، "ويتعلّق بدائرة التّكليف"، وعلم الخضر عليه السلام علماً باطنياً، (خارج عن دائرة التكليف)1، وهذا الأمر يختلف عن مسألة إختيار الاُستاذ والمرشد، في كل مراحل التّهذيب للنفس والسيّر في طريق التّقوى، وإن كان يشير ولوبالإجمال إلى أهميّة كسب الفضيلة، في محضر الاُستاذ في خط التّكامل المعنوي.
وقد يستشهد لذلك أيضاً بحكاية لقمان الحكيم وإبنه، فهواُستاذ إلهي أخذ بيد إبنه وساعده في سلوك ذلك الطريق2.
ونقل العلاّمة المجلسي في بحار الانوار، عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال: "هَلَكَ مَنْ لَيسَ لَهُ حَكِيمٌ يَرشدُهُ"3.
ولكن ومن مجموع ما ذُكر، لا يمكن إستفادة لزوم المرشد في دائرة السّلوك الأخلاقي وتهذيب النفس، بحيث إذا لم يكن تحرك الإنسان في خطّ التّهذيب النّفسي والتّزكية الأخلاقية، تحت إشراف المرشد، فسوف يختل برنامج التربية والأخلاق والتّقوى، ويتعطل السّير والسّلوك في حركة الواقع النفسي والمعنوي لدى الفرد، لأنّ الكثير من الأشخاص إلتزموا بالرّوايات والآيات والأحاديث الإسلامية، وعملوا بها، ووصلوا إلى مقامات عالية ودرجات كبيرة دون الإستعانة بمرشد ومعلّم خاص على مستوى التّربية الأخلاقيّة، وطبعاً لا يمكن إنكار فائدة الأساتذة والمرشدين وتوجيهاتهم القيّمة، فهم عناصر جيّدة للوصول إلى المقصود من أقرب الطرّق، ومعدّات فاعلةٌ لمواجهة المشاكل الأخلاقيّة لتحديات الواقع، وحلّها وفق مستجدّات الواقع ومستلزمات العقيدة.
وجاء في نهج البلاغة أيضاً: "أيُّها النّاسُ استَصبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصبَاح، وَاعظٌ مُتَّعِظٌ"4.
ولكن وللأسف نجد في كثير من الموارد، أنّ النّتيجة كانت عكسيّة، فكثير من الأشخاص عرّفوا أنفسهم بأنّهم مرشدون للناس في سلوك سبيل التّربية والتّهذيب، ولكن اتّضح بأنّهم قطّاع طُرق، وكمْ من الأشخاص الطّاهرين الطالبين للحقّ إنخدعوا بهم، وساروا في طريق التّصوف والإنحراف، وسقطوا في منحدر الرّذيلة، وارتكبوا مفاسد أخلاقية كبيرة وعليه فنحن بدورنا نحذّر السّائرين على هذا الطّريق، إذا ما أرادوا الإستفادة من الحضور، عند اُستاذ ومرشد في المسائل الأخلاقيّة، فيجب أن يتوخّوا جانب الحذر والإحتياط، وليتأكدوا من حقيقة الأمر، ولا يغترّوا بالمظاهر الخادعة، بل ليتفحّصوا عن سوابقهم، وليشاوروا أصحاب الفنّ في هذا المجال، كي يصلوا إلى غايتهم المنشودة.
دور الواعظ الداخلي (الباطني)
تكلّمنا عن دور الواعظ الخارجي بصورة كافية، والآن جاء دور الواعظ الداخلي حيث يستفاد من بعض الأخبار والروايات الإسلامية أنّ الضّمير الحيّ هوالواعظ الداخلي والباطني للإنسان، وله دور مهم في السّير على طريقِ التّكامل الأخلاقي والتّقوى، وبالأحرى لا يمكن السّير بدونه، في مواجهة التحديات الصّعبة وقوى الإنحراف.
فقد جاء في حديث عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، أنّه قال: "يا إبنَ آدمَ إِنَّكَ لاتَزَالُ بِخَير ما كانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ، وَما كانَتِ الُمحاسَبَةُ مِن هَمِّكَ"5.
ونُقل أيضاً عنه عليه السلام، مشابهٌ لهذا المعنى، مع قليل من الإختلاف6.
وجاء في نهج البلاغة أيضاً: "وَاعَلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ حتّى يَكُونَ لَهُ مِنْها وَاعِظٌ وَزَاجرٌ، لَم يَكُن لَهُ مِنْ غَيرِها لا زَاجرٌ وَلا واعِظٌ"7.
ومن البديهي أنّ الإنسان في هذا الطّريق يحتاج إلى واعظ قبل كلّ شيء، ليكون معه في كلّ حال،: ويعلم أسراره الداخلية، ويكون رقيباً عليه ومعه دائماً، وأيّ عامل أفضل من الواعظ الداخلي وهوالوجدان، يتولي القيام بهذا الدّور، وينبّه الإنسان إلى منزلقات الطّريق، وتعقيدات المسير، ويصدّه عن الإنحراف والسّقوط في الهاوية.
ونقرأ في حديث عن الإمام عليّ عليه السلام: "إِجْعَلْ مِنْ نَفْسِكَ عَلى نَفْسِكَ رَقِيب"8.
وجاء في حديث آخر عنه عليه السلام: "يَنبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُهَيمِناً عَلى نَفْسِهِ مُراقِباً قَلْبَهُ، حافِظاً لِسانَهُ"9.
المصادر:
1- يرجى مراجعة تفسير الأمثل، ذيل الآية 60 إلى 82 من سورة الكهف.
2- يرجى الرجوع لتفسير الأمثل، في تفسير سورة لقمان.
3- بحار الانوار، ج75، ص159.
4- نهج البلاغة، الخطبة 105.
5- بحارالأنوار، ح75، ص137.
6- المصدر السابق.
7- نهج البلاغة، الخطبة 90.
8- غرر الحكم.
9- المصدر السابق.
*الأخلاق في القرآن،آية الله مكارم الشيرازي،مدرسة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-قم،ط2،ج1،ص125-128
مناقشة نظرية نسبية الأخلاق
تهذيب النفس، نوع من الجهاد
تاثير اخلاق الفرد في المجتمع