• عدد المراجعات :
  • 11358
  • 3/11/2013
  • تاريخ :

مبدأ التعايش السلمي في الإسلام

 التعايش السلمي

ان مبدأ (التعايش السلمي) و(التعامل الانساني) الذي اقرّه وتبنّاه الاسلام ربما يبدو انه سيصطدم بثلاث مشاكل:

1ـ مشكلة العالمية الإسلامية.

2- مشكلة التصادم الفكري.

3- مشكلة المواقف الفقهية الحادة.

مشكلة العالمية الإّسلامية

تعني هذه المشكلة ان الاسلام يۆمن بمبدأ العالمية للاسلام (ويكون الدين كله لله) (الانفال/8) وضرورة اخضاع العالم الانساني كله لهذه الرسالة الالهية وقيادتها على الارض، وهذا هو الذي يفسر الفتوحات الإسلامية، وفرض الجزية علىابناء الاديان الأخرى، كيف يجتمع هذا المبدأ مع مبدأ التعايش الانساني الذي لخصّة الامام علي(ع) بقوله المعروف عنه: (والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت اهل الانجيل بانجيلهم واهل التوراة بتوراتهم).

قد يبدو للوهلة الاولى ان هناك تصادم بين المبدأين فكيف نعالج الامر؟

بهذا الصدد - وعلى سبيل الايجاز والاكتفاء بالاشارة للخطوط العريضة -يمكن ان نشير الى عدة حقائق.

الاولى: ان (العالمية السياسية للاسلام) بما تعنيه من العمل على اخضاع العالم سياسياً للحكم الاسلامي هي مشروع يشترطه الفقهاء حسب الاتجاه السائد لديهم بظروف بلوغ التجربة الإسلامية مستوى العصمة، وذلك حينما يكون على رأس قيادة التجربة نبي او امام معصوم وفي غير هذا الحال فان نظرية (العالمية السياسية للاسلام) تبقى موقوفة التنفيذ وهذا هو معنى المنع من الجهاد الابتدائي دون اذن المعصوم.

الثانية: ان (الحاكمية السياسية للاسلام) تحتفظ بالتعايش السلمي والتعامل الانساني مع الشعوب على ان تكون الحاكمية السياسية للاسلام وتحت هذه الحاكمة تعيش كل الاتجاهات في جو من الوئام والمحبة حيث العلاقات الاجتماعية والثقافية المتبادلة والحوار الحر القائم على اساس المنطق: (لا اكراه في الدين)، (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن).

الثالثة: ان (العالمية الاسلامية) تفتح الباب للدخول مع الشعوب الاخرى في معاهدات سياسية تحتفظ فيها لهم باستقلالهم السياسي وحرية ممارستهم الثقافية والدينية وفي هذا المجال اقرت الشريعة الإسلامية باباً واسعاً باسم (المعاهدات) كما حدثت له عدة نماذج على عهد الرسول الاكرم(ص). وقضية دفع الجزية يمكن تفسيرها على اساس الاستحقاقات المالية التي تقابل حق الحماية وتوفير الخدمات العامة لمن يعيش منهم داخل البلاد الإسلامية، كما هي بالنسبة للمسلمين انفسهم ولكن باسلوب الخمس والزكاة.

مشكلة التصادم الفكري

والمشكلة الثانية التي تواجهها نظرية (التعايش السلمي) و(التعامل الانساني) في الاسلام هي مشكلة التصادم الفكري مع الاتجاهات الفكرية الاخرى خارج دائرة الاسلام.

حيث يرى الفكر الاسلامي ان أي فكر فلسفي وعقيدي آخر خارج اطار الاسلام هو فكر باطل وهذه هي نظرية (وحدة الحق) في مقابل (تعدد الحق).

وحينما يقرر الاسلام ان الفكر الآخر هو فكر باطل فهو يدعو بطبيعة الحال الى حذفِهِ او تصحيحه ولا يقبل بالسكوت عنه وهذا هو الذي اعطته الشريعة الإسلامية عنوان (الدعوة للاسلام) و(الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) و(احقاق الحق وإبطال الباطل).

هذه المفاهيم كيف تجتمع مع مفهوم (التعايش السلمي) انها ربما تكون اقرب الى مفهوم (الصراع الحضاري).

كيف نعالج هذا الواقع في النظرية الإسلامية؟

يمكننا بهذا الصدد ان نقرر الحقائق التالية:

1ـ موقع نظرية (وحدة الحق):

إن نظرية (وحدة الحق) هي في موقع الاصول العقيدية في الاسلام تجاه ما يقابلها من أفكار وعقائد واما في داخل الاطار الاسلامي فان الاسلام يۆمن بنظرية (تعدد الاجتهاد) ومعنى هذا انه لا يوجد ثمة مشكلة في داخل الاطار الاسلامي وفي دائرة الاتجاهات الإسلامية الفكرية والمذهبية وان كان ثمة مشكلة فهي مع الاديان والفلسفات الاخرى خارج دائرة الاسلام.

2- حرية المعتقد:

ورغم التزام الفكر الديني بنظرية (وحدة الحق) الا انه الى جانب ذلك يلتزم بمبدأ (حرية المعتقد) وان كان هناك جزاء على الانحراف الفكري فانما هو في عالم الآخرة لا في عالم الدنيا، كما يشير اليه قوله تعالى: (ومن يبتغِ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).

فلا مشكلة اذن في ان تكون عقائد شتى في حدود الايمان بالله تعالى كخط آخر لايمكن تجاوزه - وهذه نقطة أخرى في الموقف الإسلامي تحتاج الى بحث وتنظير علمي - وحينما يۆمن الاسلام بحرية المعتقد فانه يدعو لإخضاعه

للجدل والحوار العلمي الموضوعي ويفتح الباب واسعاً لهذا الحوار والجدل ضمن آدابه واصوله العلمية والاخلاقية ويعتبر الاسلام بحق رائداً ومۆسساً في هذا المجال.

3- إيجاد الحصانة الفكرية:

وفي سياق حرية المعتقد ومبدأ الجدل والحوار العلمي تأتي دعوة الاسلام وايمانه بضرورة ايجاد وتكوين الحصانة الفكرية لدى اتباعه عبر غلق منافذ الضلال ووضع مصدّات للرياح الفكرية الباطلة ويأتي في هذا الاتجاه رسم كل الانشطة الاعلامية والأدبية والفنية والعبادية التي يدعو الاسلام الى تفعيلها بغية ايجاد تلك الحصانة كما يأتي في هذا الاتجاه أيضا مبدأ تحريم كتب الضلال الذي يستوعب في عصرنا هذا تحريم كل القنوات الاعلامية والبرامج الاخلاقية الفاسدة التي تستهدف الهيمنة على الاجواء الثقافية والاخلاقية للمسلمين وايقاع المسلمين في مصائد الفكر المنحرف.

4- تحديد الممارسة العملية:

واذا كان الاسلام يقر مبدأ (حرية المعتقد) باعتباره حالةً تخص الفرد وفي اطاره خاصة فانه لا يطلق الباب مفتوحاً للحرية في مجال الممارسة العملية لأبناء المعتقدات والاديان الاخرى الا بالحدود التي لا تخرج عن دائرة ابناء ذلك المعتقد ولا تحتك مع الواقع الاجتماعي للمسلمين. والحقيقة ان المسألة هنا ليست مسألة تحديد الحريات الآخرين بمقدار ماهي مسألة المحافظة على البيئة الإسلامية وهذا حق طبيعي للمسلمين، على ان الاسلام لا يحدد تلك الممارسة العملية ولا يمنع منها في داخل الأجواء الخاصة بإتباع تلك المعتقدات بل ولا يسمح بالتجاوز عليهم والتعدي على حقوقهم أو الضغط عليهم بأي صورة من الصور.

مشكلة المواقف الفقهية الحادة:

والمشكلة الثالثة التي تواجهها نظرية التعايش السلمي ومبدأ التعامل الانساني في الاسلام هي صعوبة تفسير بعض المواقف الفقهية الحادة التي قد يبدو انها على الضد من روح التعايش واخلاقية التعامل الانساني.

مثال ذلك الحكم الشرعي بحرمة التزاوج مع اتباع الاديان الاخرى غير الإسلامية. ومثال ذلك الحكم الشرعي بنجاسة الانسان الكافر الذي لا يۆمن بالله تعالى ونجاسة اهل الكتاب ايضاً - حسب بعض الآراء الفقهية - قد توصف هذه المواقف بأنها حادة، وانها لا تنسجم مع روح التعايش واخلاقية التعامل الانساني مع الآخرين، كما تدعو له النظرية الإسلامية فكيف نفسر ذلك.

الحقيقة أن الاسلام لا يمنع من العمل المشترك مع الآخرين من ابناء الاديان والاعتقادات الاخرى وعلى مختلف المستويات، الشيء الذي يمنعه الاسلام هو ما يمكن ان نسمية بحالة (التداخل في الحياة الشخصية) على مستوى المأكل والملبس والمنام وما شاكل ذلك، بهدف تحقيق الحصانة الذاتية للمسلمين من ناحية، واشعار الآخرين بانهم على غير الاتجاه الصحيح من ناحية اخرى.


أهم المصادر لدراسة القيادة في الإسلام

القيادة السياسية وأثر السلوك

الطاغوت السياسي واستغلال الدين

ظهر الفساد

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)