اردوغان والي عثماني جديد
بدى رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب اردوغان من خلال نهجه السياسي كوالي عثماني يرتدي جلباب السلطان الكبير، دون ان يدرك انه يفوق مقاسه بكثير.
اذ تنعكس في نهج اردوغان العديد من الطموحات الا منتهية، التي لم ولن لها على ارض الواقع مكانا للهبوط، سيما مع معطيات السياسة الدولية الجديدة، والمتغيرات الجذرية بين الحقبة العثمانية والفترة الحاضرة.
وهذا الشعور بات يرهق اردوغان نفسه، وتركيا الدولة ايضا، مما يمهد قريبا لعواقب كارثية تطيح البحبوحة التي تمتعت بها الاخيرة خلال السنوات القليلة الماضية، كما يرى اغلب المراقبين للشأن التركي.
واهم القضايا قضية يمكن ان تۆثر على المسار السياسي لتركيا لعقود قادمة هي مسعى اردوغان الى تشكيل رئاسة جديدو ذات صلاحيات تنفيذية تنتقص من سلطات البرلمان، عبر استبدال دستور تركيا الحالي الذي ولد من رحم انقلاب عام 1980 والذي مازال يحمل بصمة الجيش رغم تعديله أكثر من مرة.
ولم يخف رجب طيب أردوغان عزمه على الترشح للرئاسة في الانتخابات المقررة العام المقبل وحرصه على ان يكسب منصب الرئيس - وهو حاليا شرفي بدرجة كبيرة - المزيد من النفوذ.
وجل ما يخشاه المعارضون، ان يسلم النظام الجديد المقترح الكثير من الصلاحيات لرجل تتزايد بواعث القلق حول قدرته على تقبل الاختلاف معه في الرأي سواء في تركيا او في الخارج.
ويرى منتقدو أدروغان ان غايته النهائية ليس كتابة دستور جديد للبلاد بل تنصيب نفسه سلطانا في العصر الحديث.
وقال سويهل باطوم وهو خبير دستوري من حزب الشعب الجمهوري "أردوغان يريد دكتاتورية. يريد نظاما رئاسيا يحتفظ بموجبه بسلطته على حزبه ويختار رئيس وزرائه."
وهيمن أردوغان الذي لا يحق له ان يبقى رئيسا للوزراء لفترة أخرى على المشهد السياسي في تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية الاسلامي الجذور الى السلطة عام 2002 وقاد صعود تركيا كقوة اقليمية في منطقة الشرق الاوسط وتحقيقها الرخاء بشكل غير مسبوق.
ولجم أردوغان الجيش التركي القوي الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960 وفاز في معركة مع النخبة العلمانية القديمة التي ظهرت حين أسس اتاتورك جمهورية تركيا الحديثة على أطلال الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى.
لكن هذا التحول كان له ثمن. وحكم بالسجن على مئات من ضباط الجيش بتهمة التخطيط للقيام بانقلاب ضد أردوغان بينما يواجه آخرون من بينهم أكاديميون وصحفيون وسياسيون محاكمات بتهم مماثلة.
والوصول الى رئاسة ذات صلاحيات تنفيذية سيعزز موقف أردوغان كأهم زعيم تركي منذ اتاتورك لكنه سيتطلب مناورة سياسية ماهرة لكسب تأييد نواب من المعارضة سواء كانوا أكرادا او قوميين.
وقال احسان يلمظ استاذ العلوم السياسية في جامعة الفاتح في اسطنبول "الجاذبية الشخصية لاردوغان هي ميزة وعيب في آن واحد. ميزة لانه يمكلك قوة الاقناع وهي عيب لثقته الزائدة في نفسه وكراهيته للانتقاد."
وانخرط أردوغان فيما يبدو في حملة بدأها مۆخرا مستعرضا مزايا النظام الرئاسي قائلا انه سينهي هيكل الحكم الحالي "ذا الرأسين" الذي يرى انه يعطل التقدم والاصلاحات.
ويتفق السياسيون من كل الاطياف على ضرورة تغيير الدستور التركي. لكن اصرار أردوغان على صلاحيات تنفيذية للرئاسة قد يعني التعجيل بتغييرات ستضر بالديمقراطية التركية بدلا من ان تدفعها قدما.
وفي السياق ذاته أدخلت تركيا تعديلات على قانون العقوبات التركي تضيق من تعريف الدعاية الارهابية في خطوة لدعم حرية التعبير في إطار مطالب الاتحاد الاوروبي وفي محاولة لدعم عملية السلام الدائرة مع زعيم كردي مسجون. واستخدمت تركيا تشريعات مكافحة الارهاب بشكل موسع لمحاكمة آلاف السياسيين والنشطاء والصحفيين في الأغلب بسبب أشياء قالوها أو كتبوها.
وفي العادة تتصدر تركيا قائمة الدول التي تنتهك المعاهدة الاوروبية لحقوق الانسان وكانت المفوضية الاوروبية قد دعت أنقرة إلى تعديل قوانينها لتفرق بين التحريض على العنف والتعبير عن الافكار غير العنيفة.
ووفقا لقانون مكافحة الارهاب وقانون العقوبات الحاليين من الممكن ان تۆدي كتابة مقال أو إلقاء خطاب إلى السجن لفترة طويلة بتهمة الانتماء إلى جماعة ارهابية.
وحوكم الاف من السياسيين والنشطاء الاكراد منذ عام 2009 لعلاقات مزعومة مع حزب العمال الكردستاني الذي يعتبره كل من الاتحاد الاوروبي وواشنطن وتركيا منظمة ارهابية.
ويتزامن الاصلاح التشريعي مع محاولة الحكومة انهاء تمرد حزب العمال الكردستاني المستمر منذ 28 عاما حيث قتل ما يزيد على 40 الف شخص وذلك عبر محادثات سلام مع زعيم الحزب عبد الله اوجلان المسجون في جزيرة ايمرالي بالقرب من اسطنبول منذ القبض عليه عام 1999.
وتسعى عملية السلام إلى وقف اطلاق النار من جانب حزب العمال الكردستاني وانسحاب قواته من الاراضي التركية إلى قواعدها في شمال العراق ونزع سلاحه في النهاية في مقابل إصلاحات تدعم حقوق الاقلية الكردية التي يبلغ تعدادها نحو 15 مليونا.
وأوشكت عملية السلام على التوقف خلال الشهر المنصرم بسبب خلاف يتعلق بوفد كردي من المقرر ان يزور اوجلان في محبسه.