الثقافة من التبجّح الى الانتاج!
التبجح تعني الادّعاء والتباهي والمغالاة، ومنح الذات صفات أكبر من حجمها وقدراتها ومواهبها، استنادا الى ما تنتجه في الواقع، بمعنى أن انتاجك وطبيعته ومواصفاته يدل على قدراتك ومواهبك، هذا لا ينطبق على الانسان فقط، بل يشمل كل موجودات الحياة المنتِجة، كالشركات والمصانع والماركات وما شابه.
علينا أن نغادر حلبة الترقب والانتظار والركون الى أفكار ونظريات الآخر، والكف عن اعتمادها كمصدر وحيد لتنمية الوعي الفردي او العام، لهذا نحن بحاجة الى تدعيم ثقافة منتجة غير متبجحة
إذاً بإمكانك أن تدّعي وتتبجح، ولكن منتجك في الواقع سيكشف من أنت، وما هي قدراتك ومواهبك ومزاياك، هذا الامر ينطبق على المثقف والثقافة، هناك مثقف متبجح غير منتج، تفرزه ثقافة غي منتجة، مثلما هناك إنسان منتِج وآخر مستهلِك، الأول يدعم ديمومة الحياة على نحو أفضل، والثاني يشكّل عبءاً عليها، وهناك ثقافة ذات نزعة استهلاكية، يديمها وينتمي إليها المثقف العبء، في حين توجد غيرها ثقافة منتِجة، يدعمها وينتمي إليها المثقف المنتِج، ثقافتان متشابهتان بالاسم فقط، لأن التناقض بينهما في الاهداف والمضامين والافكار والنتائج كبير جدا، فالثقافة المنتِجة تمنح الحياة مدادها، أما الثقافة المستهلِكة، فإنها تأكل من جرف الحياة وتُسهم في تدميرها.
كثير من الأدلة تشير الى وجود وفرة في المثقفين المستهلكين لدينا، فالمثقف لدينا ينحو الى الاجترار، ويفضل القوالب الجاهزة في الافكار والانشطة الاخرى التي تتداخل مع المنتج الثقافي أيا كان نوعه، نحن نفتقر في الغالب الى المثقف المنتِج المجدد الذي يُبعد نفسه عن الاتكال على الافكار والنظريات الوافدة، هذه ليست دعوة للانغلاق، لكنها في الوقت نفسه دعوة لاحترام الذات، وتحريك مكامن الابداع والاكتشاف والتجديد الذي تنطوي عليه جذورنا الثقافية حتما، وكذلك هي دعوة لمغادرة منطق التبجح الثقافي الى منطقة الانتاج، ويمكن هنا أن تتحول المشاريع الثقافية الى الربحية وانتاج الريع والدخول في التنافس الاقتصادي.
في المرحلة الجديدة التي نجتازها ، ظهرت بوادر اختلاف وتضارب وتحريك لبرك الثقافة الساكنة والمستهلكة في آن، وظهر مثقفون يطرحون افكارهم عبر منافذ التوصيل الإلكترونية او الندوات والدوريات وسواها، لكن العبء لا يزال ثقيلا، بسبب الفصل النمطي الموروث بين الادب والثقافة والفكر من جهة، وبين التنامي الافقي في الوعي، والعجز عن الوصول الى أكبر عدد من العقول، لذا مطلوب تدعيم ثقافة الانتاج الفكري المتجدد، ومطلوب حضور المثقف المجدد والجريء في الوقت نفسه.
وعلينا أن نغادر حلبة الترقب والانتظار والركون الى أفكار ونظريات الآخر، والكف عن اعتمادها كمصدر وحيد لتنمية الوعي الفردي او العام، لهذا نحن بحاجة الى تدعيم ثقافة منتجة غير متبجحة.
علي حسين عبيد
مثقفون دون ثقافة
المهندس الثقافي في المجتمع
كيفية بناء الأوطان على أساس الثقافة الإسلاميّة
لكي توفِّر لنفسك أُسساً للثفافة الإسلامية