• عدد المراجعات :
  • 7049
  • 1/22/2013
  • تاريخ :

خير المعجزات ما شابه أرقى فنون العصر      

القران الکریم

المعجز هو ما يخرق نواميس الطبيعة، ويعجز عنه سائر أفراد البشر إذا أتى به المدعي شاهدا على سفارة إلهية. ومما لا يرتاب فيه أن معرفة ذلك تختص بعلماء الصنعة التي يشابهها ذلك المعجز، فإن علماء أي صنعة أعرف بخصوصياتها، وأكثر إحاطة بمزاياها، فهم يميزون بين ما يعجز البشر عن الاتيان بمثله وبين ما يمكنهم. ولذلك فالعلماء أسرع تصديقا بالمعجز. أما الجاهل فباب الشك عنده مفتوح على مصراعيه ما دام جاهلا بمبادئ الصنعة، وما دام يحتمل أن المدعي قد اعتمد على مبادئ معلومة عند الخاصة من أهل تلك الصنعة، فيكون متباطئا عن الاذعان. ولذلك اقتضت الحكمة الالهية أن يخص كل نبي بمعجزة تشابه الصنعة المعروفة في زمانه، والتي يكثر العلماء بها من أهل عصره، فإنه أسرع للتصديق وأقوم للحجة، فكان من الحكمة أن يخص موسى عليه السلام بالعصا واليد البيضاء لما شاع السحر في زمانه وكثر الساحرون. ولذلك كانت السحرة أسرع الناس إلى تصديق ذلك البرهان والاذعان به، حين رأوا العصا تنقلب ثعبانا، وتلقف ما يأفكون ثم ترجع إلى حالتها الاولى. رأى علماء السحر ذلك فعلموا أنه خارج عن حدود السحر وآمنوا بأنه معجزة إلهية. وأعلنوا إيمانهم في مجلس فرعون ولم يعبأوا بسخط فرعون ولا بوعيده.

وشاع الطب اليوناني في عصر المسيح عليه السلام وأتى الاطباء في زمانه بالعجب العجاب، وكان للطب رواج باهر في سوريا وفلسطين، لانهما كانتا مستعمرتين لليونان، وحين بعث الله نبيه المسيح في هذين القطرين شاءت الحكمة أن تجعل برهانه شيئا يشبه الطب، فكان من معجزاته أن يحيي الموتى، وأن يبرئ الاكمه والابرص. ليعلم أهل زمانه أن ذلك شئ خارج عن قدرة البشر، وغير مرتبط بمبادئ الطب، وأنه ناشئ عما وراء الطبيعة.

وأما العرب فقد برعت في البلاغة، وامتازت بالفصاحة، وبلغت الذروة في فنون الادب، حتى عقدت النوادي وأقامت الاسواق للمباراة في الشعر والخطابة. فكان المرء يقدر على ما يحسنه من الكلام، وبلغ من تقدير هم للشعر أن عمدوا لسبع قصائد من خيرة الشعر القديم، وكتبوها بماء الذهب في القباطي، وعلقت على الكعبة، فكان يقال هذه مذهبة فلان إذا كانت أجود شعره1. واهتمت بشأن الادب رجال العرب ونساۆهم، وكان النابغة الذبياني هو الحكم في شعر الشعراء. يأتي سوق عكاظ في الموسم فتضرب له قبة حمراء من الادم، فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها ليحكم فيها2 ولذلك اقتضت الحكمة أن يخص نبي الاسلام بمعجزة البيان، وبلاغة القرآن فعلم كل عربي أن هذا من كلام الله، وأنه خارج ببلاغته عن طوق البشر، واعترف بذلك كل عربي غير معاند.

ويدل على هذه الحقيقة ما روي عن ابن السكيت أنه قال لابي الحسن الرضا عليه السلام:

" لماذا بعث الله موسى بن عمران عليه السلام بالعصا، ويده البيضاء، وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمدا صلى الله عليه واله وسلم وعلى جميع الانبياء بالكلاموالخطب؟.

فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الله لما بعث موسى عليه السلام كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله، وما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم. وإن الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيى لهم الموتى، وأبرأ الاكمه والابرص بإذن الله، وأثبت به الحجة عليهم.

وإن الله بعث محمدا صلى الله عليه واله وسلم في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال: الشعر - فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم، وأثبت به الحجة عليهم"3.

وقد كانت للنبي معجزات اخرى غير القرآن، كشق القمر، وتكلم الثعبان، وتسبيح الحصى، ولكن القرآن أعظم هذه المعجزات شأنا، وأقومها بالحجة، لان العربي الجاهل بعلوم الطبيعة وأسرار التكوين، قد يشك في هذه المعجزات، وينسبها إلى أسباب علمية يجهلها. وأقرب هذه الاسباب إلى ذهنه هو السحر فهو ينسبها اليه، ولكنه لا يشك في بلاغة القرآن وإعجازه، لانه يحيط بفنون البلاغة، ويدرك أسرارها. على أن تلك المعجزات الاخرى موقتة لا يمكن لها البقاء فسرعان ما تعود خبرا من الاخبار ينقله السابق للاحق، وينفتح فيه باب التشكيك. أما القرآن فهو باق إلى الابد، وإعجازه مستمر مع الاجيال. وسنضع بحثا خاصا عن معجزات النبي غير القرآن، ونتفرغ فيه لمحاسبة من أنكر هذه المعجزات من الكتاب المعاصرين وغيرهم.

القرآن معجزة إلهية

قد علم كل عاقل بلغته الدعوة الاسلامية، أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بشر جميع الامم بدعوتهم إلى الاسلام، وأقام الحجة عليهم بالقرآن، وتحداهم بإعجازه، وطلب منهم أن يأتوا بمثله وإن كان بعضهم لبعض ظهيرا، ثم تنزل عن ذلك فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، ثم تحداهم إلى الاتيان بسورة واحدة.

وكان من الجدير بالعرب - وفيهم الفصحاء النابغون في الفصاحة - أن يجيبوه إلى ما يريد، ويسقطوا حجته بالمعارضة، لو كان ذلك ممكنا غير مستحيل. نعم كان من الجدير بهم أن يعارضوا سورة واحدة من سور القرآن، ويأتوا بنظيرها في البلاغة، فيسقطوا حجة هذا المدعي الذي تحداهم في أبرع كمالاتهم، وأظهر ميزاتهم، ويسجلوا لانفسهم ظهور الغلبة وخلود الذكر، وسمو الشرف والمكانة، ويستريحوا بهذه المعارضة البسيطة من حروب طاحنة، وبذلأموال، ومفارقة أوطان، وتحمل شدائد ومكاره.

ولكن العرب فكرت في بلاغة القرآن فأذعنت لاعجازه، وعلمت أنها مهزومة إذا أرادت المعارضة، فصدق منها قوم داعي الحق، وخضعوا لدعوة القرآن، وفازوا بشرف الاسلام، وركب آخرون جادة العناد، فاختاروا المقابلة بالسيوف على المقاومة بالحروف، وآثروا المبارزة بالسنان على المعارضة في البيان، فكان هذا العجز والمقاومة أعظم حجة على أن القرآن وحي إلهي خارج عن طوق البشر.

وقد يدعي جاهل من غير المسلمين: أن العرب قد أتت بمثل القرآن وعارضته بالحجة، وقد اختفت علينا هذه المعارضة لطول الزمان. وجواب ذلك: أن هذه المعارضة لو كانت حاصلة لاعلنتها العرب في أنديتها، وشهرتها في مواسمها وأسواقها. ولاخذ منه أعداء الاسلام نشيدا يوقعونه في كل مجلس، وذكرا يرددونه في كل مناسبة، وللقنه السلف للخلف، وتحفظوا عليه تحفظ المدعي

على حجته، وكان ذلك أقر لعيونهم من الاحتفاظ بتاريخ السلف، وأشعار الجاهلية التي ملات كتب التاريخ، وجوامع الادب، مع أنا لا نرى أثرا لهذه المعارضة، ولا نسمع لها بذكر. على أن القرآن الكريم قد تحدى جميع البشر بذلك، بل جميع الانس والجن، ولم يحصر ذلك بجماعة خاصة. فقال عز من قائل:(قل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ  هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)4.

ونحن نرى النصارى وأعداء الاسلام، يبذلون الاموال الطائلة في الحط من كرامة هذا الدين، والنيل من نبيه الاعظم، وكتابه المقدس، ويتكرر هذا العمل منهم في كل عام بل في كل شهر. فلو كان من الميسور لهم أن يعارضوا القرآن، ولو بمقدار سورة منه، لكان هذا أعظم لهم في الحجة، وأقرب لحصول الامنية، ولما احتاجوا إلى صرف هذه الاموال، وإتعاب النفوس.

(يرِيدُونَ لِيُطْفِۆُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)5 .

على أن من مارس كلاما بليغا، وبالغ في ممارسته زمانا، أمكنه أن يأتي بمثله أو بما يقاربه في الاسلوب، وهذا مشاهد في العادة، ولا يجري مثل هذا في القرآن، فإن كثرة ممارسته ودراسته، لا تمكن الانسان من مشابهته في قليل ولا كثير، وهذا يكشف لنا أن للقرآن اسلوبا خارجا عن حدود التعليم والتعلم، ولو كان القرآن من كلام الرسول وإنشائه، لوجدنا في بعض خطبه وكلماته ما يشبه القرآن في اسلوبه، ويضارعه في بلاغته. وكلمات الرسول - ص - وخطبه محفوظة مدونة تختص باسلوب آخر. ولو كان في كلماته ما يشبه القران لشاع نقله وتدوينه، وخصوصا من أعدائه الذين يريدون كيد الاسلام بكل وسيلة وذريعة. مع أن للبلاغة المألوفة حدودا لا تتعداها في الاغلب، فإنا نرى البليغ العربي الشاعر أو الناثر تختص بلاغته في جهة واحدة، أو جهتين أو ثلاث جهات، فيجيد في الحماسة مثلا دون المديح، أو في الرثاء دون النسيب، والقرآن قد استطرد مواضيع عديدة، وتعرض لفنون من  الكلام كثيرة، وأتى في جميع ذلك بما يعجز عنه غيره، وهذا ممتنع على البشر في العادة.

*البيان في تفسير القرآن

 

1- العمدة: لابن رشيق ج 1 ص 78.

2- شعراء النصرانية ج 2 ص 640 طبع بيروت.

3- اصول الكافي " كتاب العقل والجهل " الرواية 20.

4- الإسراء:88.

5- الصف:8.


معجزة القرآن والاستقامة في البيان

معجزة رياضية في القرآن أذهلت الجميع

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)