• عدد المراجعات :
  • 6069
  • 1/9/2013
  • تاريخ :

يا ضامن الغزالة!(آهو)٣

امام الرضا

يا ضامن الغزالة!(آهو)١

يا ضامن الغزالة!(هو) ٢

كان الخُشُوف الصغار قد اضطربوا من تأخُّر الأُمّ. بحثوا عنها فيما حولهم من الأجَمَة.. وربّما بَكَوا دونما اختيار؛ خَشيَةَ أن يكون حادث قد وقع لأُمّهم.

قال أحدُهم بقلق:

ـ لابُدّ أنّ أمّنا قد حَدَثَت لها مشكلة مع صياد.

قال خِشْف آخَر.

ـ لا سمح الله.. اسكُتْ!

قال الثالث، وهو أصغرهم:

ـ إذاً لماذا تأخّرت أُمُّنا إلى الآن ؟!

قال الأوّل:

ـ إنّه تقصيرنا، لَم نستيقظ من النوم مُبكِّرين.

بكى ثالثهم قائلاً:

ـ أُريد أُّمي...

أشفَقَ قلبُ المَرج على بكاء الخِشف وقال له بحنان:

ـ ماذا جرى يا صغيري ؟! لماذا تبكي ؟!

قال الخِشف وقد انتحب باكياً:

ـ أمّنا.. ما جاءت، لابُدّ أنّها قد ضاعت!

قال الثاني:

ـ ربّما حدث لها شيء.

قال المرج بنبرة حميمة:

ـ لا.. أمُّكُم ما ضاعت، ولا حدث لها شيء.

قال الخِشف الأوّل الذي هو أكبر من الثاني.. قال على عَجَل:

ضامن آهو

ـ إذاً لماذا لم تَرجِع إلى الأجَمَة حتّى الآن ؟!

قال المرج:

ـ اشكُروا الله على أنّها قد تجاوزت مرحلة الخطر. اصبروا قليلاً وستأتي إليكم عن قريب.

فاجأ الخُشُوفَ هذا الخبر، فسيطر عليهم الانفعال، قال الخِشف الثالث للمرج بقلق:

ـ ربّما تقول لنا هذا لتُطَمئنَ قلوبَنا.

وقال الخِشفان الآخَران بتَردُّد:

ـ أصحيح ما تقول ؟!

قال المرج:

ـ أنا لا أكذِب أبداً.

عندئذ هتف الصغار بمرح:

ـ لِتَحيا أُمُّنا.. لتَحيا!

ثمّ تَصايَحُوا بأصوات رخيمة وراحُوا يتقافَزُون ويَقضِمون العشب. كان الفرح طافحاً في قلوبهم الصغيرة وهم يَعُدُّون اللحظات بانتظار عودة الأمّ.

قال لهم المرج:

ـ لماذا لم تُفِيقوا من النوم صباحاً لمّا نادتكم؟

قال الخِشف الثاني بخجل:

ـ نوم الصباح لذيذ، لم نُحبّ أن نقعد!

ثمّ مَضَوا وهم يتحادثون فيما بينهم، وراحوا يركضون بين الأعشاب.

فَرِح المرج وهو يرى الخُشوف الصغار يلعبون مَرِحِين. وقد عَبَروا على الفور لحظات القلق والبكاء، وأخذ يفكّر في المصير المجهول الذي ينتظرهم.

قال لهم المرج:

ـ الحياة لا تَخلُو أبداً من المَخاطر. في كلّ لحظة يمكن أن يَحدُث أيّ شيء ويتغيّر الحال. ليس المهمّ أنّ الحادثة تَقلِب لحظات الحياة، المهمّ أن نكون في الحوادث الصعبة ثابتِين مُقاوِمين. واذكروا أنّ النجاح يكون دائماً من نصيب الخُشُوف الذين يَثبُتون أمام حوادث الحياة.

لم يفهم الخُشوف جيّداً ما قاله المرج من كلام غريب، ولم يدركوا لماذا قال لهم هذا الكلام أصلاً!

ودون أن يفكّروا في كلام المرج راحُوا يتقلّبون على الأعشاب الناعمة التي كانت تهتزّ برِقّة مع النسيم، وهم يضحكون. لا شيءَ أطيَب من أن تكون أمّهم إلى جانبهم، فيُحوِّل حنانُها ليلَهم المظلم إلى صبح رائق بهيج.

عندما تكون أُمُّهم إلى جانبهم مُتّكئة على الأزهار والأعشاب.. تحكي لهم عن أنواع الألعاب. وحين ترعى الحشائش في الأجَمَة باطمئنان وتُنشِد لهم ترنيمة جميلة اللحن.. يشعرون بالنَّشوَة في صوتها الدافئ الحبيب.

في الليالي المُقمِرة تحت السماء العالية المُنقَّطة بالنجوم... يَتَطلّعون في جوار أمِّهم إلى اسِتدارة القمر الأبيض كأنّه كاسَة من الحليب. تقول لهم الأُمّ إنّها تُحبّ الليالي المُضيئة، ولا تشبع من النظر إلى القمر الخَلاّب.

وتحت المطر.. يَغسِلون ـ قُربَ أمِّهم ـ رۆوسهم وأجسامهم، أو يَنزِلون في الصباحات إلى بِركة الماء الصافي، وأُمُّهم تُنَظِّفهم.. كما هي عادتُها في كَثرة اهتمامها بالنظافة. إنّهم لا يُبَدّلون هذه اللحظات الطيّبة، اللحظات التي لا تُنسى، اللحظات الطافحة بالمحبّة.. لا يُبَدّلونها بالدنيا كلّها. وهم يسألون الله دائماً أن يَحفَظ أمَّهم العَطُوفة من كلّ الأخطار.

ما أصعَبَ أن تُفارق الأُمّهاتُ صغارَها! وفكّرت الغزالة: « كيف تتحمّل فِراق صغارها وتبقى على قيد الحياة ؟! أيُمكن لغزالة أن تُطيق البُعد عن صغارها ؟! لا بُورِك مثل ذلك اليوم ». تأوّهت من الألم: « لا كان صباح اليوم الذي أُفارق فيه أطفالي ». أخَذَها البكاء، بكت بكلّ وجودها: « ما أفعَلُ يا زماني.. أطفالي من ناحية، ومن ناحية أخرى ذلك الرجل ذو المُروءة الرۆوف الذي تَكَرّم علَيّ فضَمِنَني لدى الصياد! إن رجعتُ إليهم فقدتُ حُريّتي وفقدتُ أطفالي. وإن بَقِيتُ مع أطفالي صار الرجل الرۆوف خادماً للصياد كما تَعَهّد هو بذلك، وهذا ما لا أُريد. ماذا أفعل إذاً ؟! وماذا أقَرِّر ؟! يا لَهُ من اختيار صعب! ».

وكان صوت الغزالة يُفَتِّت الصخر، ويَهُزّ قلب المرج.

استَدارَت الريح لتصل إلى الغزالة:

ـ أهذا وقت البكاء ؟! لا تَجزَعي. عليكِ أن تُفَكّري بعملٍ ما بدل البكاء. لن تصنعي شيئاً بالبكاء.

هَبّت الريح مع مَجرى سِيقان الغزالة، وقالت:

ـ ما الآن وقت بكاء، ولا وقت شكوى. لقد حدث ما حدث. ومن الخير أن لا يَراكِ صغارُكِ وأنتِ باكية العين مَوجُوعة القلب. لكلّ لحظة شأنُها. أنتِ غزالة مُجرّبة، ذُقتِ حُلو الزمان ومُرّه، وتعلمين أنّ تحت كلّ حادثة حكمة ربّما لا نفهمها نحن.

هدأ قلبُ الغزالة بكلام الريح، ولانَ. قالت:

ـ أنتِ صديقة طيّبة، صديقة تشارك صديقتها دائماً الأحزان والأفراح. الحقّ معك. البكاء لا يصنع شيئاً. علَيَّ أن أفكّر في طريقةٍ ما. لابدّ أن أعمل شيئاً وأن أقَرّر ما هو الأصحّ. لا شكّ أنّ كلماتك كلّها حِكم.. كلّها ثمينة. لكن قلب الغزالة ليس من صخر.. فكيف لي أن أختار أحد الطريقَين ؟!

قالت الريح:

ـ كلّ شيء مرتبط بعَزمِكِ أنت. الضمير والوِجدان من جهة، والعاطفة من جهة ثانية. استشيري في هذا قلبك، أنظُري ما يقول لك قلبُك.

قالت الغزالة:

لا تَعرِفين كم هو قلبي مُشتاق إلى أطفالي!

كان قلبُها يَدُقّ في قفص صدرها بصوت مسموع. إنّه صوت الحياة الذي يَطِنّ في أُذن المرج.

 

تأليف حسين زاهدي

المصدر: شبکة الامام الرضا عليه السلام


طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)