السنة السابعة من الهجرة الميمونة
ساد الهدوء النسبي على المسلمين ، فآل الأمر إلى أن ينشر النبيّ دين الله في أرضه ، فبعث إلى الرۆساء في العالم سفرائه ليدعوهم إلى الإسلام ، لا سيّما الامبراطوريتين ـ إيران والروم ـ والحبشة ومصر واليمامة والحيرة ( الأردن ) وقد جمع المۆرّخون رسائل النبيّ ووثائقه السياسية فبلغت ( 185 ) وثيقة.
نذر قيصر ملك الروم لو انتصر على إيران أن يحجّ إلى بيت المقدس ماشياً ، فوفى بنذره وكان في البصرى من بلاد الشام ، فدخل عليه دحية الكلبي سفير النبيّ ليدعوه إلى الإسلام ، ومن أجل أن يتعرّف قيصر على حالات النبيّ سأل أبا سفيان ـ وكان آنذاك في الشام للتجارة ـ عن ذلك.
مزّق خسرو پرويز شاه إيران رسالة النبيّ وأهان سفيره ، فتفأّل النبيّ حينما اُخبر بما فعله الشاه بتمزيق دولته وقال : « اللّهم مزّق ملكه » ، فقتل خسرو بيد ولده شيرويه في عشرة جمادى الاُولى سنة ( 7 ) هجرية.
بعث النبيّ حاطب بن بلتعة إلى المقوقس عظيم القبط في مصر فقال للسفير : لماذا لا يدعو النبيّ على قومه أهل مكّة لو كان على حقّ ، فهم الذين أخرجوه من دياره ؟ فأجابه : ولماذا عيسى لم يدعو على بني إسرائيل الذين صلبوه ، فبهت الذي كفر من قوله وقال : أحسنت أنت حكيم ، جاء من عند حكيم.
بعث النبيّ عمرو بن اُميّة إلى النجاشي ملك الحبشة الذي لا زال بعض المسلمين المهاجرين في رعايته ، فآمن بالنبيّ على يد جعفر بن أبي طالب.
بعث النبيّ شجاع بن وهب إلى اليمن ليدعو الغسّانيّين إلى الإسلام ، وسلّم رسالة النبيّ إلى رئيسهم حارث بن أبي شمر في بعوظة ، ومات حارث في السنة الثامنة من الهجرة.
بعث النبيّ إلى سليط بن عمرو أبي هوذة أمير اليمامة ـ بين نجد والبحرين ـ سفيراً فدعاه إلى الإسلام ، فقبل ذلك على شرط أن تكون الخلافة له من بعد الرسول ، فأنكر النبيّ عليه ذلك ، فلم يۆمن بالإسلام.
غزوة خيبر : حينما زادت عداوة اليهود وبغضهم للنبيّ والإسلام تحصّنوا في قلاعهم السبعة في خيبر ، وبلغ عددهم عشرين ألف نفر ، واليهود من العوامل الرئيسية في إشعال نار الحرب والفتن والغزوات ، ممّـا أدّى ذلك إلى أن يحاصرهم النبيّ في قلاعهم.
في المسير نحو قلاع اليهود أجاز النبيّ لعامر بن أكوع أن يحدو للإبل فأنشد قائلا :
والله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدّقنا ولا صلّينا
إنّا إذا قوم بغوا علينا *** وإن أرادوا فتنةً أبينا
فأنزلن سكينة علينا *** وثبّت الأقدام إن لاقينا
فدعا له النبيّ ، واستشهد في غزوة خيبر.
طالت المحاصرة لمدّة شهر وفتحت القلعة الاُولى ( ناعم ) بيد المسلمين ثمّ قلعة ( قموص ) واُسرت صفيّة بنت حيي بن أخطب ، فتزوّجها النبيّ (صلى الله عليه وآله) وحسن إسلامها ، ثمّ فتحت قلعة ( وطيح ) و ( سلالم ) بعد أن طالت الحرب عشرة أيام ، ولم تفتح على يد أبي بكر وعمر ، فقال النبيّ : « لاُعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرّار » وفي اليوم الثاني أعطى الراية بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وكان بعينه رمد ، فمسح النبيّ يده على عينه فبرء من وجع العين إلى آخر حياته ، ثمّ أمر النبيّ علياً أن يدعوهم إلى الإسلام ، وقال : « لئن يهدي الله بك رجلا واحداً خيرٌ من أن يكون لك حمر النِعَم ».
تقدّم بطل الإسلام وفارس الميادين أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، متقلّداً سيفه ( ذو الفقار ) نحو القلاع ، فقتل حارث ، ثمّ في براز قلّ مثيله قتل أخاه مرحب بعد أن رجز قائلا :
قد علمت خيبر أنّي مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرّب
إن غلب الدهر فإنّي اُغلب *** والقرن عندي بالدماء مخضّب
فأجابه أبو الحسن روحي فداه :
أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة *** ضرغام آجام وليث قسورة
عبل الذراعين غليظ القصرة *** كليث غابات كريه المنظرة
وفي أثناء المبارزة سقط الدرع من يد عليّ (عليه السلام) ، فقبض بباب خيبر وجعلها درعاً إلى آخر الحرب ، وقد عجز عن حملها ثمان رجال ، وقيل أربعون ( كان الباب من حجر طوله أربعة أذرع وسُمكه ذراعان ) ثمّ جعل الباب على الخندق فعبر الجيش الإسلامي زاحفاً نحو القلاع ، ففتحت بيد علي (عليه السلام) المباركة ، وقتل على يديه كبار وشجعان يهود خيبر ، وذلك بكرامة ربانية.
أخذ النبيّ الجزية من يهود خيبر بعد أن عفى عنهم.
رجع المهاجرون مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة بعد فتح خيبر ، فاستقبله النبيّ بـ ( 16 قدماً ) وقبّل جبهته وقال : « بأ يّهما أشدّ سروراً ؟ بقدومك يا جعفر ، أم بفتح الله على يد أخيك خيبر » ، ثمّ أهدى إليه صلاة ، عرفت بصلاة جعفر الطيّار.
زينب من نساء اليهود جعلت السمّ في ذراع الشاة لقتل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فأنجاه الله من ذلك ، ولم يعاقبها وعفى عنها ، لما يحمل النبيّ من الأخلاق السامية.
قتل عبد الله بن سهل على يد اليهود غيلة ، فاجتمع بني عمامه مع النبيّ ، معهم أخ عبد الله ، وكان أصغرهم سنّاً ، فأراد أن يتكلّم فقال له النبيّ : « كبّر كبّر » أي ليتكلّم الكبار أوّلا احتراماً لهم ، ثمّ آل الأمر إلى أن يدفع النبيّ ديته من عنده ، ليعلم أ نّه رحمة للعالمين.
أسلم حجاج بن علاط ، وكان من تجّار خيبر ، وله ديون في ذمّة أهل مكّة ، فدخل عليهم ، فسألوه عن النبيّ وقصّة خيبر فموّه عليهم ، على أنّ اليهود انتصروا وقصدهم تسليم النبيّ إلى قريش ليفعلوا به ما يشاۆون ، والآن لهذا الخبر المفرح اُريد ديوني حتّى أشتري بها اُسراء المسلمين ، فجمع ديونه ، وأخبر العباس عمّ النبيّ إنّما فعل ذلك من أجل وصول مطالباته ، وإلاّ فإنّ النبيّ انتصر ، وليخبر الناس بذلك بعد ثلاثة أيام من خروجه من مكّة ، وبعد الأيام الثلاثة تطيّب العباس وطاف بالكعبة وأخبر المشركين بانتصار المسلمين في خيبر.
بعد الانتصار بعث النبيّ سفيراً يسمّى محيط إلى يوشع بن نون مختار قرية فدك ـ تبعد عن المدينة 140 كيلومتراً ـ وتصالح معهم على أن يبعثوا نصف المحصول من فدك الزاهية بالبساتين والزرع إلى النبيّ الأكرم ، ومثل هذه الأراضي التي تۆخذ إنّما هي فيء ، أمرها بيد النبيّ والإمام المعصوم من بعده ، فالنبيّ أعطى فدك نحلة وهدية لبنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) واغتُصب منها بعد رحلة أبيها ، وإنّما نحل النبيّ الفدك بعد نزول الآية الشريفة ( وَآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ وَالمِسْكينَ وَابْنَ السَّبيلِ )[1] كما قال ذلك أبو سعيد الخدري من صحابة النبيّ.
من بنود معاهدة صلح الحديبية أن يحقّ للمسلمين أن يحجّوا بيت الله الحرام في العام المقبل ، فتجهّز المسلمون والأنصار لأداء العمرة قضاءً عن السنة الفائتة ، فأحرموا من مسجد الشجرة ( 2000 نفر في ركاب النبيّ ) وكانت حركتهم دعوة تبليغية ، لتجلّي ورفع معنويات الإسلام وروحانيّته ، وبعث بسرية تحمل السلاح ( 200 نفراً ) بقيادة محمد بن مسلمة واستقرّوا في ( مر الظهران ) قريب الحرم حفاظاً على المسلمين من حملة المشركين.
دخل النبيّ مع أصحابه مكّة المكرّمة ملبّياً ( لبّيك اللّهم لبّيك ) وكان زمام ناقة النبيّ بيد عبد الله بن رواحة وهو يترنّم بأبيات منها :
خلّوا بني الكفّار عن سبيله *** خلّوا فكلّ الخير في قبوله
يا ربّ إنّي مۆمن بقيله *** أعرف حقّ الله في قبوله
ثمّ علّمه النبيّ أن يقرأ هذا الدعاء مع نغمة مع الصحابة « لا إله إلاّ الله وحده وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وهزم الأحزاب وحده ».
عند الظهر أراد النبيّ أن يصلّي مع قومه ، فأمر بلال الحبشي أن يۆذّن ، فصعد بلال الكعبة وأذّن ، وبعد أداء المناسك وذبح الهدي أمر النبيّ أن يذهب ( 200 نفر ) إلى ( مرّ الظهران ) بدلا عن اُولئك المقاتلين حتّى يۆدّوا عمرتهم ، وبعد ثلاثة أيام رجع النبيّ مع أصحابه إلى المدينة.
أعلنت ميمونة اُخت اُمّ الفضل زوجة العباس عمّ النبيّ عن رغبتها بالزواج مع النبيّ ، فتزوّجها ليحكم أواصر العلاقة مع قريش . وأخيراً تحقّق وعد النبيّ وصدق الله رۆياه ونزلت الآية الشريفة ( لَقَدْ صَدَقَ اللهِ رَسولَهُ الرُّۆْيا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ شاءَ اللهُ آمِنينَ مَحَلِّقينَ رُۆوسَكُمْ وَمُقَصِّرينَ لا تَخافونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَموا فَجَعَلَ مِنْ دونِ ذلِكَ فَتْحاً قَريباً )[2].
اعداد: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي : تبيان
-----------
السيرة النبوية في السطور العلوية
[1]الاسراء : 26 .
[2]الفتح : 27.
السنة الثامنة من الهجرة الشريفة
السنة التاسعة من الهجرة الكريمة
السنة العاشرة من الهجرة الخالدة