البيئة صنع الله
خلق الله سبحانه وتعالى البيئة وأحكم صنعها بدقة بالغة من حيث الكم والنوع والخصائص والوظيفة . يقول الحق تبارك وتعالى :{صنع الله الذي أتقن كل شيء} (النمل 88 ). فكل شيء عنده بمقدار معلوم بحسب علمه سبحانه وتعالى الذي يعلم وحده بأن كل عنصر من عناصر البيئة بهذا القدر وبهذه الصفات كما حددها الله سبحانه وتعالى يكفل لهذه العناصر أن تۆدي دورها المحدد والمرسوم لها من قبل الخالق القدير ، فى المشاركة البناءة فى مصفوفة إعالة الحياة فى توافقية وانسجامية غاية فى الدقة والتوازن مع بعضها البعض . يقول عز من قائل :{ إنا كل شيء خلقناه بقدر} ( القمر 49 ) {وخلق كل شيء فقدره تقديراً } ( الفرقان : 2 ) {وكل شيء عنده بمقدار} ( الرعد : 8 ) { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} ( الحجر : 19 ).
وتشير كتب التفسير أن قدرة تعني إيجاد كل شيء على قدر مخصوص وتقدير معين فى ذاته وخصائصه ، والقدر تحديد كل محدود بحده الذي يوجد به . هذاتقدير بالغ الدقة الذى هو من صنع لدن حكيم خبير هو الذي يعطي لكل عنصر أو مكون من مكونات البيئة طبيعته الكمية والنوعية ووظيفته وعلاقته بالمكونات الأخري ، ومنهجه ودوره فى الوجود ، كما يعطي للبيئة ككل توازنها وقدراتها على إعالة الحياة ، وهي المهمة الأساسية التى خلقت من أجلها البيئة .{ ربنا ما خلقت هذا بطالا سبحانك} ( آل عمران : 191 ).
وليس أدل على دقة خلق البيئة وتوازنها ، أن مكوناتها أو عناصرها كلها مفيدة ومتوازنة بعضها مع بعض حسب ما قدر لها الله سبحانه وتعالى طالما ظلت هذه المكونات أو العناصر محتفظة بخصائصها الكمية والنوعية كما خلقت دون تغيير جوهري يذكر . ولكن إذا ما تدخل الإنسان فى البيئة سواء متعمدا أو جاهلا وأحدث فيها تغييرات كبيرة سواء على مستوى الكم أو الخصائص يختل توازنها وتنقلب عناصرها من عناصر مفيدة إلى عناصر ضارة مسببة الكثير من المخاطر التى تهدد الحياة ، ومن ثم تبدأ المشكلات البيئية في الظهور .
وليس ثمة شك أن قضية المحافظة على عناصر البيئة دون تغيير جوهري ، تعتبر قضية بالغة الأهمية والخطورة فى عصرنا الحاضر يجب أن نعي أبعادها جيداً عندما نتعامل مع بيئتنا حتي نحافظ على استمرارية بقاء مكوناتها وعناصرها كما خلقها الله سبحانه وتعالى لتۆدي دورها فى خدمة البشرية دون مشكلات لاطاقة لنا بها و نتفادي انتقام البيئة التى لاترحم إذا ما أساء الإنسان استخدامها بالإسراف أو الإفساد أو التخريب . فإذا أخذنا الهواء ، وهو أحد مكونات البيئة ، كنموذج نشرح من خلاله دقة الخلق وبديع الصنع ، نجد أنه يتكون من عدد كبير من الغازات ، قدر كل منها تقديراً بالغ الدقة إذ يشكل غازي النيتروجين " الازوت " ( N2 ) ، والاكسجين ( O2 ) النسبة الأعظم ( 99 % تقريباً ) ويعتبر غاز النيتروجين صاحب النصيب الأوفر من هذه النسبة حيث يخصه (7 ر.78 % ) وهو غاز خامل لايساعد على الاشتعال وغير قابل للذوبان فى الماء . أما الأكسجين فيخصه ( 95 ر.20 % ) وهو غاز نشيط يساعد على الاشتعال وقابل للذوبان فى الماء من أجل الأحياء المائية التي تعتمد فى حياتها على الأكسجين المذاب فى الماء ، والذي يتجدد من خلاله قدرة الماء على امتصاصه واحتوائه . أما النسبة الباقية ( 1% ) فيمثلها عدد كبير من الغازات منها غاز الأورجون ( 94 ر0 % ) وثاني أكسيد الكربون ( 30ر0% ) والهيدروجين ( 1 0ر0% ) إضافة إلى أول أكسيد الكربون ، وثاني أكسيد الكبريت والهيليوم والميثان والأوزون والكربيتون والنيون والزينون وغيرها .
ومن آيات الله سبحانه وتعالى أن نسبة غاز النيتروجين العالية ( 78 % ) وهو الغاز الخامل غير المساعد على الاشتعال مقدره تقديراً دقيقاً من قبل الخالق العليم الخبير .إذ لو كانت نسبته أقل من هذه النسبة المقدرة وحدث أن سقطت شراره كهربائية من الفضاء الخارجي نحو الأرض ( يحدث أحياناً ) لاحترق كل شيء على سطح الأرض . إذ أن هذه النسبة هي التى تضبط وتقنن طبيعة الأكسجين وهو الغاز القابل للاشتعال ، حيث يتحول إلى غاز يساعد على الاشتعال ولكنه لايشتعل حتي يظل الأكسجين مۆدياً لوظيفته فى إعالة الحياة . كما قال سبحانه وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق (الحجر :85 )
وإذا أخذنا مثلاً ثاني أكسيد الكربون الذي يشكل 3 0ر% من حجم الهواء كما قدره الله سبحانه وتعالى ، والذي تدور من حوله فى الوقت الحاضر المۆتمرات وتتعالى الصيحات من أخطاره ، نجد ان هذه الغاز بهذه النسبة المقدرة تقديراً دقيقاً يلعب دوراً مهماً جداً فى إعالة الحياة على سطح الأرض . فالبيئة بهذه النسبة الضئيلة جداً من ثاني أكسيد الكربون المقدرة تقديراً هادفاً استطاعت أن تحتفظ فى غلافها الجوي القريب من سطح الأرض حيث يتركز معظم ثاني أكسيد الكربون ( 80 % ) بدرجة حرارة مناسبة تسمح بوجود الحياة على سطحها إذا يعتبر هذا الغاز بمثابة صوبه الأرض (Greenhouse of the Earth) حيث أودع الله فيه خاصية امتصاص الموجات الحرارية الأرضية (الأشعة تحت الحمراء) والاحتفاظ بها فى الغلاف الجوي بما يعطي لهذا الغلاف هذه الدرجة المناسبة من الحرارة التى تسمح بوجود الحياة ومعني هذا أن الاخلال بنسبة هذا الغاز زيادة أو نقصاناً تعني فى حد ذاتها زيادة أو نقصاناً فى درجة حرارة الغلاف الجوي وما يحمل هذا الأمر من مخاطر كثيرة ويفسر لنا هذا الوضع القلق الذي بات يسيطر على البشرية نتيجة الزيادة المطردة فى نسبة ثاني أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي منذ الخمسينات من هذا القرن ( زادت النسبة من 31 0% عام 1322 إلى 325 .ر% عام 1342 إلى 345 .ر% عام 1352 ) وما يصاحب هذه الزيادة من ارتفاع فى درجة حرارة الغلاف الجوي .
وتكمن خطورة هذا الأمر فى انصهار كميات كبيرة من الثلوج فى مناطق القطبين والجبال وتحرك هذه المياه لتسهم فى رفع منسوب مياه البحار والمحيطات واحتمالات تعرض مدن ساحلية كثيرة للغرق وتشير سجلات المد والجزر فى مناطق كثيرة من العالم أن منسوب مياه البحار قد ارتفع بمقدار 45 ملليمتراً فى الفترة من 1313 - 1360 ، وأخذ المنسوب في الارتفاع بمعدل 3 ملليمترات سنوياً حتي عام 1390 ، ثم ازداد المعدل ليصل إلى 14 ملليمتراً فى الوقت الحاضر(1422 ).
وقد تبين للعلماء أن تزايد نسبة ثاني أكسيد الكربون لاترجع فقط إلى تزايد استهلاك مصادر الوقود الأحفوري ( الفحم ـ النفط ـ الغاز الطبيعي ) ، وإنما جاءت أيضاً نتيجة التدهور الذى أصاب الغطاء النباتي المستهلك الرئيسي لثاني أكسيد الكربون . ولعل خطورة هذا الوضع هي التي دعت إلى عقد مۆتمر دولي فى لندن فى فبراير 1989 لمناقشة الإجراءات والوسائل الكفيلة بضبط إطلاق ثاني أكسيد الكربون فى الغلاف الجوي وتنمية مصادر استهلاكه ( النباتات ) لوقف هذه الزيادة المطردة ومحاولة العودة بنسبته كما قدرها الله سبحانه وتعالى .
ومن ثم لانستطيع ان نتصور تركيبة الهواء على غير النسب التى قدرها الله سبحانه وتعالى ، إذ أن أي خلل فى مكوناته تحدث الكثير من المخاطر يقول الحق تبارك وتعالى : {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين } ( الأنبياء :16 )
اعداد: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي : تبيان
تأثير السموم على جسم الإنسان
تأثير البيئة على الكائنات الحية
أثر التصنيع والتكنولوجيا الحديثة على البيئة
عناصر البيئة