الظروف السياسية والاجتماعية
في عهد الامام السجادعليه السلام
ان دراسة الظروف السياسية الحاكمة في عهد الامام زين العابدين واستيعاب المتغيرات الاجتماعية المعاصرة له لتلقي الضوء على بعض الركائز الاساسية في انفجار تيار من الادعية والمناجاة على لسان علي زين العابدين (عليه السلام) ومن قلبه وضميره وفكره وسياسته.
لقد عمّ الفساد آنذاك، وانتشر الترف، وساد اللهو الفاحش والغناء الخليع والمجون وغرق المجتمع في نهر الخمر الجاري من قصور الخلفاء الى بيوت الاماء. ان مراجعة تاريخهم السياسي والاجتماعي ليوقفنا على ذلك ولسنا الان بصدد ذكر التفاصيل فانها لا حدود لها مودعة في بطون التواريخ المختلفة ولكن يكفي ان نشير الى بعضها اشارة العابر ولنتخذ قطعة صغيرة ولكنها كبيرة الدلالة من كتاب مروج الذهب.
«... وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعلى يمينه ابن زياد، وذلك بعد قتل الحسين، فاقبل على ساقيه فقال:
اسقني شربة تروّي عظامي ثم مِلْ فاسقِ مثلها ابن زياد
صاحب السر والامانة عندي ولتسديد مغنمي وجهادي
ثم امر المغنين فغنوا به.
وغلب على اصحاب يزيد وعماله ماكان يفعله من الفسوق، وفي ايامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، واظهر الناس شرب الشراب.
وكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكá وكان قرداً خبيثاً، وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذلّلت لذلك بسرج ولجام ويسابق بها الخيل... وعلى ابي قيس قباء من الحرير الاحمر والاصفر مشمر، وعلى رأسه قلنسوة من الحرير ذات الوان بشقائق وعلى الاتان سرج من الحرير الاحمر منقوش ملمع بانواع من الالوان»[1].
ومما يدل على اللهو العابث والضياع ان شعر عمر بن ابي ربيعة ـ المعاصر لزين العابدين ـ وهو شعر كثير وقلما يوجد في شعراء زمانه من يضاهيه في الكثرة.. اقول يكاد ان يكون شعره كله جميعاً في التغزل والتشبيب ومحاورة النساء وذكر اسماء العاشقات والمعشوقات والتفكّه باعراضهن.
ان عمر بن ابي ربيعة وان كان قد فتح في محاورته واسلوبه القصصي باباً فنياً واسعاً لم يسبقه اليه سابق في هذه الصورة ولكن موضوع شعره يعبر عن الفراغ واللهو العابث الذي كان المجتمع منغمساً فيه.
ولعل الامام زين العابدين (عليه السلام) قد اومأ ايماءة خفية الى هذا الانحطاط والملذات المزرية، والفراغ القاتل. يقول صلوات الله عليه:
كفى بالمرء عاراً ان تراه من الشأن الرفيع الى انحطاط
على المذموم من فعل حريصاً عن الخيرات منقطع النشاط
يشير بكفه امراً ونهياً الى الخدّام من صدر البساط
يرى ان المعازف والملاهي مسببة الجواز على الصراط
لقد خاب الشقي وظن عجراً وزال القلب منه عن النياط
[2]
ان الابيات توضح انه قد راى اشخاصاً ممن كان عليهم المعوَّل قد انساقوا مع المغريات و جرفهم التيار السياسي والاجتماعي الى مالا تحمد عقباه فإذا هم من الشأن الرفيع الى الانحطاط، والى الاقامة على الافعال الذميمة، والانقطاع عن الخير، وقد شغلتهم المعازف والملاهي.
في مثل هذه الظروف والمتغيرات الاجتماعية الدكناء قد انبثقت أدعية علي زين العابدين (عليه السلام) حمماً بركانية ضد الركام الهائل من الفساد الاجتماعي والانحطاط الاخلاقي والاحباط الروحي والتدهور السياسي.
المصادر:
[1] المۆرخ الكبير المسعودي ـ علي بن الحسين ( ت 346 هـ) مروج الذهب 3 / 67 ـ 68.
[2] الفقيه والمفسر والاديب بهاء الدين محمد العاملي (ت 1030 هـ) الكشكول 3 / 150.
المبادئ والقيم عند الإمام السجاد عليه السلام
الدعاء مدرسة ومنبر
مدرسة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) الفكرية
الإمام السجاد (عليه السلام) ومهمة اصلاح الامة