كتاب الامام السجاد عليه السلام إلى أصحابه يذكرهم بالموعظة والحكمة
عن أبي حمزة الثمالي قال : كتب الإمام السجاد إلى أصحابه :
بسم الله الرحمن الرحيم ، كفانا الله وإياكم كيد الظالمين ، وبغي الحاسدين ، وبطش الجبارين . أيها الناس ، مصيبتكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، المائلون إليها ، المفتونون بها ، المقبلون عليها ، وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غدا ، واحذروا ما حذركم الله منها ، وأزهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها قرار ، ومنزل استيطان ، والله إن لكم مما فيها عليها دليلا من زينتها ، وتصرف أيامها ، وتغير انقلابها ، وسيلانها ومثلاتها ، وتلاعبها بأهلها ، إنها لترفع الخميل ، وتضع الشريف ، وتورد النار أقواما غدا ، ففي هذا معتبر ومختبر ، وزاجر لمنتبه ، وإن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مضلات الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان ، ليذر القلوب عن تنبيهها ، وتذهلها عن موجود الهدى ، ومعرفة أهل الحق ، إلا القليل ممن عصم الله - جل وعز - ، وليس يعرف تصرف أيامها ، وتقلب حالاتها ، وعاقبة ضرر فتنتها ، إلا من عصمه الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك سبيل القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرر الفكر ، واتعظ بالعبر وازدجر ، فزهد في عاجل بهجة الدنيا ، وتجافى عن لذاتها ، ورغب في نعيم دار الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين .
فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة ، حديدة النظرة ، وأبصر حوادث الفتن ، وضلال البدع ، وجور ملوك الظلمة ، فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة ، والانهماك فيها ، ما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي ، والفساد في الأرض بغير الحق ، فاستعينوا بالله ، وارجعوا إلى طاعته ، وطاعة من هو أولى بالطاعة ، ممن اتبع فأطيع ، فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة ، والقدوم على الله ، والوقوف بين يديه ، وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه ، وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم ، وساء مصيرهم ، وما العز بالله والعمل بطاعته إلا ألفان مۆتلفان ، فمن عرف الله خافه ، فحثه الخوف على العمل بطاعة الله ، وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ، ورغبوا إليه ، وقد قال الله : ( إنما يخشى الله من عباده العلماۆا ) ، فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله ، واغتنموا أيامها ، واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله ، فإن ذلك أقل للتبعة ، وأدنى من العذر ، وأرجى للنجاة ، فقدموا أمر الله وطاعته ، وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم ، من طاعة الطواغيت ، وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته ، وطاعة أولي الأمر منكم .
واعلموا أنكم عبيد الله ، ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا ، وهو موقفكم ومسائلكم ، فعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة ، والعرض على رب العالمين : يومئذ ( لا تكلم نفس إلا بإذنه ) واعلموا إن الله لا يصدق يومئذ كاذبا ، ولا يكذب صادقا ، ولا يرد عذر مستحق ، ولا يعذر غير معذور ، بل لله الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل .
فاتقوا الله عباد الله ، واستقبلوا من اصلاح أنفسكم وطاعة الله ، وطاعة من تولونه فيها ، لعل نادما وقد ندم على ما قد فرط بالأمس في جنب الله ، وضيع من حق الله ، واستغفروا الله وتوبوا إليه ، فإنه يقبل التوبة ، ويعفو عن السيئات ، ويعلم ما تفعلون .
وإياكم وصحبة العاصين ، ومعونة الظالمين ، ومجاورة الفاسقين ، احذروا من فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم ، واعلموا أنه من خالف أولياء الله ، ودان بغير دين الله ، واستبد بأمره دون أمر ولي الله ، كان في نار تلتهب ، تأكل أبدانا ، وقد غابت عنها أرواحها ، غلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لا يجدون حر النار ، ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار .
فاعتبروا يا أولي الأبصار ، واحمدوا الله على ما هداكم ، واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون ، فانتفعوا بالعظة ، وتأدبوا بآداب الصالحين .
حِكَم الإمام السجاد ( عليه السلام )
إجابات الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في أصول العقيدة ومباحث الكلام
صحيفة الامام السجاد (عليه السلام) السجادية
ما قاله الأعلام في فضائل علي بن الحسين (عليهما السلام)