المرجعية الدينية والتحولات المعاصرة - الحوادث الجديدة
التطورات على مستوى الحوادث الجديدة، والتي تحتاج إلى معالجة فقهية ومتابعة وتحليل، من الناحيتين الفقهية والشرعية، والرجوع فيها إلى المصادر الدينية (القرآن والسنة) لمعرفة الحكم الشرعي تجاهها.
ففي كل يوم نواجه قضية جديدة ترتبط بأوضاعنا الحياتية التي نحتاج فيها إلى رأي جديد، وهو ما يعبر عنه ب((المسائل المستحدثة))، وهذا يفرض وجود عمل تخصصي علمي لا بد من القيام به في المحافل الفقهية لأجل دراستها.
وكما هو معروف، فان انتشار المسلمين في مختلف أنحا الأرض، وتطورات العلم والحياة المدنية أديا إلى تطور حالة الإنسان الاجتماعية، وكذلك كثرة العناوين الثانوية التي أدت إلى نشوء الحرج والعسر المتكاثر يومياً.
كما نجد، في كل يوم، مسالة أو قضية تطرح ذات علاقة بالمعاملات التي كانت في السابق محدودة بعناوين معينة.
فالبيع، مثلا، كان له في السابق أقسام معينة ومحدودة، وكذلك الإجارة والمضاربة والشركة وغيرها من العناوين الفقهية الأخرى.
أما اليوم، فنجد عشرات العناوين الجديدة للعقود والمعاملات التي تحتاج إلى بحث فقهي دقيق لأجل معرفة حكمها الشرعي.
وكذلك في العلاقات الاجتماعية، أيضاً، تتواجد بشكل واسع تطورات كبيرة جدا تحتاج إلى متابعات في غاية الدقة من الناحيتين الفقهية والشرعية لإعطاء الموقف منها.. وعلى سبيل المثال، يمكن لذوي الاهتمام والمتابعة أن يدركوا هذه الحقيقة من خلال مراجعة قائمة هذا العام التي أعدها المجمع الفقهي الإسلامي، التابع لمنظمة المۆتمر الإسلامي الذي ينعقد في مدينة جدة أو غيرها كل عام، لأجل بحث القضايا المستجدة، والذي يحضره علما من مختلف المذاهب الإسلامية، بمن فيهم علما من الجمهورية الإسلامية.. فعند مراجعة هذه القائمة، نجد عشرات العناوين المعقدة الجديدة التي تحتاج إلى معالجة فقهية في مختلف تفاصيلها.
ومضافا إلى ذلك كله، نواجه القضايا والإثارات والشبهات الجديدة حول الفكر والعقيدة والثقافة الإسلامية والحياة الاجتماعية وكيفية صياغتها ومعالجة مشاكلها، الأمر الذي يحتاج إلى مواكبة دائمة ومستمرة لتقديم الحل الإسلامي ومعالجة الشبهات والإثارات حول الإسلام وأحكامه ومنهجه في الحياة.
مسۆوليات المرجعية والعصر الحاضر وإذا أخذنا بنظر الاعتبار، كما ذكرنا سابقا، إن المرجعية الدينية تتحمل بالأساس مسۆوليات ثلاث هي:
المسۆولية الأولى (الثقافية): وهي تشخيص معالم العقيدة الإسلامية بجميع تفاصيلها، ومنها الثقافة الإسلامية ومفاهيمها الأخلاقية والاجتماعية التي ينبغي أن تطرح بوصفها نتاجا للعقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي،وتستنبط أيضاً من القرآن والسنة، إضافة إلى الفتيا وبيان تفاصيل الأحكام الإلهية والمواقف الشرعية تجاه الحوادث المختلفة، إذ لا تخلو واقعة من حكم شرعي.
وإضافة إلى العقيدة والفتيا، هناك عملية ((الهداية))، هداية الناس وإرشادهم، وهي عملية معقدة تحتاج غالبا إلى تخطيط وعمل متواصل للقيام بهذا الدور الذي يعتمد بصورة أساسية على تشخيص العقيدة بتفاصيلها وتشخيص الثقافة الإسلامية للأمة، ومن ثم بيان الأحكام الشرعية لأبنا الأمة.
المسۆولية الثانية: إدارة شۆون المسلمين وقيادة الحالة الاجتماعية التي يمكن أن نعبر عنها ب((الولاية))، أي ولاية أمور المسلمين في إقامة الدولة الإسلامية وإقامة الحكم الإسلامي، وقيادة عملية التغيير في المجتمع الإسلامي، وهي عملية تغيير وبنا وتزكية وتطهير، وإقامة لأركان العدل والقسط بين الناس على أساس الحق والمصالح الحقيقية. ففي مرحلة ما قبل قيام الدولة توجد ((ولاية)) و((مرجعية سياسية)) يكمن دورها في إدارة التغيير في المجتمع باتجاه الهدف الرئيس، وهو إقامة الحق والعدل بين الناس والمتمثل بإقامة الدولة والحكم الإسلامي، وفيها الكثير من التفاصيل:
مثل المعرفة وتحليل الأوضاع السياسية القائمة في الواقع الاجتماعي، ومعرفة مواقف الأعداء والأصدقاء، ومعرفة الإمكانات والقدرات التي تتمتع بها الأمة. ثم بعد ذلك يأتي تشخيص الموقف السياسي بنا على هذا التحليل وهذه المعرفة، ثم العمل على تفعيل الموقف وتنفيذه، وإجراء العملية التغييرية، وهي عملية معقدة جدا، أيضاً، وتحتاج إلى تفرغ واهتمام خاص، ولا سيما في العصر الحاضر الذي تحولت فيه الدنيا كلها إلى بلد واحد وتشابكت فيه المصالح والنتائج، وكثرت فيه مۆامرات الأعداء وأساليبهم في الهيمنة والتسلط ووسائلهم في النفوذ والتأثير.
المسۆولية الثالثة: مسۆولية القضاء وفصل الخصومات والحكم بين الناس. ومن الواضح أنّ مشاكل الناس ومواضع الاختلاف بينهم، قد توسعت بسبب تعقد الحياة الاجتماعية وتوسع القضاء يوما بعد آخر، إلى جانب ذلك توسعت القوانين والتعليمات حتى أصبحت لدائرة القضاء مۆسسات كثيرة مستقلة في مقابل دائرة الفتيا، ودائرة الولاية، بحيث يقال: إن السلطة التشريعية تمثل المسۆولية الأولى والسلطة التنفيذية تمثل المسۆولية الثانية، والسلطة القضائية تمثل المسۆولية الثالثة.
وقد كان المجتهد الواحد، في الماضي، هو الذي يعطي الفتوى ويقدم الفكر والعقيدة، وفي الوقت نفسه كان يشخص الموقف السياسي والتغييري في الأمة، ويفصل الموقف في نزاعات الناس، فمثلا الإمام اميرالمۆمنين(ع) كان يمارس كل ذلك شخصيا، باعتبار أنّ القضية لم تكن معقدة بهذا الشكل وهذه السعة الموجودة الآن. ولتوسع مجال القضاء وتعقيداته، فصل عن الولاية بعد ذلك، بحيث أصبح القاضي غير الوالي في الدولة الإسلامية، كما فصل أيضاً مقام الفتيا عن الولاية، ولكنهما يعملان تحت إشرافه وفي مۆسسة من مۆسساته، بحيث أصبح الوالي يدير العملية الاجتماعية والسياسية في الوقت الذي يكون هناك شخص آخر يتولى الفتيا وإعطاء المحصل الفكري، وشخص ثالث يتولى القضاء.
وفي زمن الصفويين، على سبيل المثال، كان المحقق الكركي(رض) هو الولي الفقيه في الدولة، لكن دوره كان ينحصر في تشخيص القضايا الشرعية (الفكر والعقيدة وإعطاء الفتيا) والإدارة كانت بيد السلطان الحاكم، لكن بتفويض منه للقيام بهذه المهمة..
ثم توسع الأمر إلى درجة كبيرة حتى أصبحت هذه القضايا مۆسسات ثلاث تستقل أحداها عن الأخرى.
فهناك ثلاث مۆسسات مستقلة هي: المۆسسة التنفيذية التي يديرها رئيس الجمهورية وجهازه (الوزراء)، والمۆسسة التشريعية التي يديرها مجلس الشورى الإسلامي، والمۆسسة القضائية التي يديرها رئيس القوة القضائية وجهازه الخاص، ومن اجل إعطاء الشرعية الإسلامية لهذه المۆسسات، أصبح الولي الفقيه هو المشرف على هذه المۆسسات، ويمنح الشرعية لها بالتفويض والإمضاء أو بالإشراف المباشر.
والآن نجد هذا التنظيم للحكم والتقسيم للواجبات في الجمهورية الإسلامية، باعتبار إن المرجع الولي لا يمكنه حاليا ممارسة جميع العمليات الإجرائية والقضائية والإدارية وغيرها إلى جانب الفتيا.
السيد محمد باقر الحكيم
هل حكم الولي مُلزم لغير مُقلديه؟
أُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ
الوسيلة إلى الله - ولي الأمر
الدولة العادلة هي حق انساني