أهمية التوسل بأم البنين عليها السلام
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}
إن الله عزوجل هو المفيض للوجود بجميع ألوانه من الخلق والرزق والشفاء وقضاء الحاجات، إلا أنه شاءت حكمته أن يربط إفاضة الحياة والعطاء ببعض الوسائط، لا لقصور في الفاعل وهو الله تعالى فإن قدرته وعلمه تام الاقتضاء ولا يتوقف على شيء ولكن لقصور في القابل وهو مورد العطاء، والواسطة قد تكون مادية، كواسطة الريح لنزول المطر وواسطة الماء لحياة جميع الكائنات الحية قال تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.
فإن الأثر المادي المحض يفتقر لسبب مادي فالقصور في نفس الأثر لا في فياضيته عز وجل، وقد تكون الواسطة برزخية بين عالم المادة وعالم المجردات، كواسطة الملائكة في تدبير الكون فانه قال تعالى{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}، وقال في آية اخرى {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} فمع أنه هو منبع الفيض والتدبير إلا أنه جعل الملائكة واسطة في التدبير لقصور في نفس الكون وحاجته الذاتية للملائكة، وقدتكون الواسطة روحية، وهي التوسل الذي أشارت له الآية {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} والوسيلة الروحية قد تكون عملاً كما قال عزوجل{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}، وقد تكون مكاناً كما قال تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، وقد تكون شخصاً كما قال تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}.
فهو تعالى منبع الجود ومصدر الرزق والشفاء وهو أقرب للعبد من نفسه كما قال {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد}، ولكنه مع قربه أمرنا بالتوسل بما مضى ذكره من الوسائل لا لقصور في فاعليته وفياضيته بل لقصور في العبد، حيث أنه لا يمكنه الحصول على القرب منه تعالى إلا بواسطة في الفيض عملاً أو مكاناً أو شخصا، فقربه عين إحاطته بنا ولكن قربنا منه يفتقر للواسطة المقربة منه تعالى.
ومن تلك الوسائط الشريفةأم البنين الشهداء الأربعة زوجة أمير المۆمنين عليه السلام فإنها بسبب فدائها لدينها ومبادئها بأعز شيء عندها وهم أفلاذ كبدها أصبحت وسيلة يتضرع بها إلى الله من أجل إفاضة النعم بكل ألوانها من الرزق والشفاء وقضاء الحاجات وقد دأب المراجع العظام على التوسل بها ومنهم سيدالطائفة الخوئي طاب ثراه الذي كان من سننه الحسنة التي ورثها عن شيخه المحقق الأصفهاني قدس سره إهداء صلاة الليل لروحها عليها السلام ولذلك بركات عظيمة في الرزق والعافية وإزاحة الضيق واالكرب مهما كان ولقد تعلمنا من إخواننا في العراق أن من قرأ الفاتحة وأهدى ثوابها لروح أم البنين وهو مقبل على امتحان أو عملية جراحية أو عدو يخاف منه كفاه الله وحماه ببركتها وقدجربنا ذلك مراراً ووجدنا أثره الواضح.
أن فاطمة الكلابية أم البنين عليها السلام تعلمت من بيت الهدى أن منصب الإمامة والنبوة هو أعلى مقام وأن الولاية للمعصوم عليه السلام هي أثمن شيء عند الله، كما في صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام «بني الاسلام على خمس، الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية وهي مفتاحهن والدليل عليهن، ومابني الدين على شيء كما بني على الولاية» ولذلك بذلت أفلاذ كبدها وحياتها في سبيل مبدأها وعقيدتها وهي فداء إمام زمانها سيد الشهداء شرعاً وواقعاً الحسين عليه السلام، وكانت فخورة بذلك فرحة بأنها قدمت أبناءها الشبان الأربعة هدية للبتول الشهيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.
ونحن إذ نحيي هذه الذكرى العطرة ونتوسل ببركة صاحبة الذكرى في تفريج همومنا وقضاء حاجاتنا فلنتعلم منها درساً تربوياً مهما، وهو الثبات على المبدá خصوصاً في هذه الأيام التي نتعرض فيها للحملات الإعلامية الظالمة التي تحاول أن تسيء إلى عقيدتنا أو علمائنا أو أعراضنا وكرامتنا لتزرع في قلوبنا الخوف والقلق من الثبات على الولاية التامة، أو تستغل شعار التقارب من دون حسن نية لتزحزح عقيدتنا الراسخة في أهل بيت العصمة عليهم السلام المبنية على الولاية والبراءة وإحياء شعائرهم، لكننا على بصيرة ووعي وحذر شديد أمام كل المحاولات فقد علمنا قادتنا من أهل البيت عليهم السلام ومراجعنا العظام الأدب الرفيع والقيم الاسلامية.
وأنه كما علينا احترام أبناء المذاهب الإسلامية وعدم الإساءة لكرامتهم وتطبيق المبدأ القرآني{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} من أجل الحفاظ على الدين والدفاع عن الشريعة ومحو أسباب التوتر الطائفي، فإنهم علمونا ايضاً ضرورة الثبات على المبدأ والولاية ببذلهم وعطائهم وفي طليعة ذلك العطاء ماقامت به أم البنين عليها السلام، رزقنا الله شفاعتها وقربها في درجات العلى.
التوسل باختصار