دروس من حياة نبي الله لوط (ع) -2
{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}.. إن رب العالمين يأمر إبراهيم بعدم الحلم، فيقول: يا إبراهيم!.. لا تجادلنا في قوم لوط، قد جاء أمر الله.. وهنا علينا أن نحذر هذه النقطة {قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ}.. إن رب العالمين يمهل الإنسان، ويتجاوز عنه، ويعفو، ويۆخّر العذاب.. ولكن يصل إلى درجة من الدرجات، حتى لو جاء إبراهيم الخليل، لا يستجيب لدعوته ولا لشفاعته.
{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}.. فقد جاءت الملائكة على شكل شباب وغلمانٍ، لهم جمالهم الأخـاذ.. فلما رأى الغلمان قد دخلوا في منزله {َقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}.. لأن القوم سيهجمون على دار لوط، طلباً لذلك المنكر.
{وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}.. ما الذي جرى على أنبياء الله طوال التأريخ؟.. كم صبروا في طاعة الله!.. كم تحملوا الأذى في ترويـج شريعته!.. ونحن ما الذي أصابنا في الله عز وجـل؟.. لـوط وهو يدعو الناس ليلاً ونهـاراً، لارتباطه بالسمـاء بما أوتيَ من مَلَكَات -ملكات النبوة- وإذا به يُبْتَلى بقومٍ هجموا على داره، لأجل ارتكاب الفاحشة مع المـلائكة.
{قَالَ يَا قَوْمِ هَـۆُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ}.. أي: يا قوم إن أردتم تفريغ الغريزة فهۆلاء بناتي -طبعاً يقصد بذلك الزواج من بناته- فالحركة الطبيعية لمن له شهوة، ولمن له غريزة أن يتزوج، لا أن يقترن أو يهجم على الرجال الذين جاۆوا إلى بيت لوط، فهو نبيٌ محترمٌ.. فيقول: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي}.. أي إما أن تتقوا الله عز وجـل، وإما أن تراعوا الأعـراف، فهۆلاء ضيوفي.. كيف تطاوعكم أنفسكم دخول منزلي، وارتكاب ما يوجب الخزي أمام الضيف؟.. {لَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ}.
ولكن انظروا إلى وقاحة القوم -وقد حق للملائكة أن تقول عندما خلق آدم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا}- {قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ}.. أتعرض علينا بناتك؟.. فنحنُ لا حاجةَ لنا في بناتكَ يا نبي الله {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}.. هنا تذكرنا هذه العبارة بعبارة سيد الشهداء صلوات الله عليه في يوم عاشوراء، عندما كان يستغيث فلا من مغيث.
{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}.. أي أتمنى أن يكون لي منعة وقدرة وجماعة، أتقوى بها عليكم؛ فأدفعكم عن أضيافي.. {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}.. أو أني أجد عشيرةً خارج هذه الدائرة، فأستند إليها في دفع المنكر عن ضيوفي، وعمَّا لا يرضي رب العالمين.
{قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ}.. إن هذا الارتباك الذي عاشه نبي الله لوط، يناسب عدم معرفته بأن هۆلاء من الملائكة -كقضية إبراهيم عليه السلام-.
{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}.. هۆلاء القوم كانوا يرتكبون هذه الفاحشة الشنيعة.. وهذه المرأة في مقام العمل ألحقت بهم في العذاب.. فلم يقل: أنها مرتكبةٌ ما ارتكبوا، بل {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}.. لأنها لم تكن على منهج نبي الله لوط.
{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.. إن رب العالمين يُمهل ولا يهمل.. إن فرج هذه الأمة -وهو خروج ولينا وصاحبنا صلوات الله وسلامه عليه- بالنسبة لله عز وجل، كالصبح بالنسبة إلى ليلنا، بل أقرب من ذلك.
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا}.. إنه عذاب متميِّز، فلم يكتفِ بأن ينزل الله عليهم الصاعقة، كما في بعض الأمم، أو يحولهم إلى قردة وخنازير.. فعلى ما يبدو أن هذه البقعة بقعة مبغوضة لله عز وجل، فقد جعل عاليها سافلها.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.. فرب العالمين إذا اشتد غضبه على قومٍ، هكذا يمحوهم من الوجود.. كم من الدول الظالمة، جاءت واندثرت!.. عندما أراد الله سبحانه أن لا يبقي لهم أثراً.. كما كان الأمر كذلك بعد استشهاد إمامنا وسيدنا الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فلم يبق لهۆلاء الذين حكموا المسلمين باسم الإسلام، إلا الخزيَ في التأريخ.. إن سياسة رب العالمين هكذا: إما الخسف الظاهري، وإما الخسف التأريخي.. صحيح أن بنو أمية لم تقلب بهم الأرض، ولكن التأريخ قلبهم.. ورأينا كيف أنه في سنواتٍ بسيطة، وإذا أحدهم يتبرأ من انتسابه إلى أمية، حفظاً لدمه، ولئلا يصيبه ما أصاب الذين تزعموهم طوال هذا التأريخ، الذي يعبّر عنه بأنه من أظلم الأيام التي مرت على المسلمين، ويكفي أنه في هذه الفترة، وقعت معركة الطَّف بمآسيها وبآلامها.
النبي لوط (ع) صاحب السجيل
دروس من حياة نبي الله لوط (ع) - ١ دروس من حياة نبي الله صالح (ع)