استحقاقات البقيع... في عالم قد تغير
(تسعون عاماً) مرت على (فاجعة البقيع) ومازالت الأضرحة النبوية مهدمة يحيطها غرباء أجلاف، بل كثير من القبور من بعد تلك الفاجعة نالها الهدم والتخريب. (تسعون عاماً) انضوت على (مصيبة البقيع) وهي على حالها، بل أضيفت إليها فاجعة أخرى حصلت في سامراء وأتبعتها أخرى. (تسعون عاماً) مضت على (مأساة البقيع) وقبل أيام قلائل شهدنا ثلاث محاولات لهدم قبر السيدة الحوراء زينب(ع). (تسعون عاماً) قضت على (جريمة البقيع) والشيعة يكتفون باستذكار المأساة ولعن الذين قاموا بها. (تسعون عاماً) انصرمت على جرح البقيع وما زال التكفيريون الهدامون يواصلون ذبح الشيعة وتخريب بلادهم.
الثامن من شوال صفحة سوداء أكملت صفحة ومهدت لأخرى، وقد خطت حروفها الدامية شرذمة تكفيرية دفعتها نزعة متوحشة من وسط الصحراء لتهدم أضرحة أئمة من أهل البيت(ع)، حيث هجمت عصابات وهابية في العام 1922م لتعيث هدماً وخراباً في (البقيع) الذي يضم أضرحة أولاد الرسول الأعظم(ع) : المجتبى الحسن ، و السجاد علي ، و الباقر محمد، و الصادق جعفر(ع)، لتعود مرة أخرى في العام 1926م وتقطع رۆوس عدد غفير من الشيعة بسيوف غادرة في مناطق الأحساء، وقد سبقت ذلك أعمال إجرامية عديدة، منها ما جرى في سنة 1802م، حيث اجتاحت عصابة تكفيرية مدينة كربلاء المقدسة، وانتهكت حرمة ضريح سيد الشهداء(ع) بعد أن سلبت وقتلت مئات الأبرياء، وصولاً إلى تعرّض مرقد الإمامين العسكريين(ع) في شهر يونيو/2007 لهجوم هدمت بسببه منائره, بعد حوالي 16 شهراً من تفجير قبته الذهبية في 22 شباط/ 2006، وتفجيرات وعمليات انتحارية ضد زوار أضرحة أهل البيت(ع) في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان وغيرها.
لا يخفى أن التاريخ قد شهد في أكثر من واقعة وحدث أن "أعداء الإسلام" لم يألوا جهداً في طمس فضائل أهل البيت(ع), ومحو كل ما يمت لهم بصلة, ولكن وبعد أن عجزوا عن ذلك, عمدوا إلى هدم آثار أضرحة الأئمة الطاهرين(ع) أو تفجيرها أو حرقها، تلك الآثار التي يۆمها الملايين, فهدموا قبر الإمام أبي عبد الله الحسين(ع) وقبور أئمة البقيع مرات عدة، وأحرقوا حرم الإمامين الكاظمين(ع) ودار الإمام الصادق(ع) وضريح الإمامين العسكريين(ع)، وقصفوا قبة أبي الفضل العباس(ع)، وقتلوا زوارهم ومثلوا بهم، في وقائع يندى لها جبين الإنسانية، ولكن "يأْبى اللّهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ", فرغم كل تلك الجهود الشريرة لا تزداد آثار أهل البيت(ع)وتراثهم إلا علـواً وانتشـاراً, وإنّ الله(عزوجل) بمنّه وفضله سيكشف هذه الغمة عن أمة نبيه الأكرم(ص), ولو بعد حين، ويقيّض من يعمّر أضرحة التوحيد والخير المهدمة في عدد من بقاع عالمنا الإسلامي.
في إطار البحث العلمي لمسألة جواز بناء تلك الأضرحة, قدم جمع من علماء الشيعة والسنة الأدلة القاطعة على شرعية إعمار تلك الأضرحة واستحباب زيارتها وحرمة الاعتداء على تلك المشاهد التي يقدسها الملايين في العالم، إلا إن التيار التكفيري - ومنذ مئات السنين - يشن حرباً لا هوادة فيها على عقيدة أهل البيت(ع) وأتباعها، ولم تزد نداءات التهدئة ودعوات التعقل التكفيريين إلا ظلماً ورعونة! فقد سدت تلك العصابة نوافذ البحث والحوار, فهي لا تۆمن إلا بما تراه، وهي ترى أنها تملك الحقيقة المطلقة فهي ظل الله في الأرض.
وفي هذا الواقع المأزوم يجب علينا البحث عن حل يحفظ الأمة – وخاصة في أيامنا هذه - من مزالق فتنة سوداء، وأخطار حروب طائفية تراق فيها دماء أبرياء, حل يسد الفراغ الحادث في وعي عموم الأمة والذي عبره تتسرب الأفكار المتطرفة والإجرامية, ويكون ذلك من خلال نشر مبادئ السلام والبر والمحبة التي أمر بها الإسلام، يقول المرجع الشيرازي(دام ظله): "الإسلام دين السلم والسلام، ويعمل على نشر الأمن والأمان في العالم، ويسعى إلى إطفاء نائرة الحرب، وإخماد لهيبها، وانتزاع فتيلها من بين الناس باجتثاث العوامل الداعية للحرب، وزرع العوامل المشجعة على المحبة والوئام، وعلى الصلح والصفاء، وعلى تجنب الحرب، وتفضيل الهدنة وإن كان العدو يدعو إليها مخادعة. وإن الإسلام يحرّم العنف والإرهاب، والغدر والاغتيال، ويحارب كل ما يۆدي إلى الذعر والخوف، والرعب والاضطراب في الناس الآمنين".
المصدر: النبأ
هدم قبور البقيع اکبر جريمة في تاريخ الوهابية