• عدد المراجعات :
  • 2936
  • 8/5/2012
  • تاريخ :

المصلحة في الفعل الإلهي

إنَّ فعلَ الله هو نفس الخارج فهو بنفسه الحكمةُ لا أنَّه قد فعله الله على أساس الحكمة وعلى أساس غاية متصوَّرة فتطابق الفعل مع الغاية كيف والصور الذهنية ليست هي إلاّ انعكاساً عمّا في الواقع والعين الخارجي فلولا الحقائق الخارجية لما كان هناك مجالٌ للتصوُّرات الذهنية.

الحكمة من صفات الفعل:

ثمَّ:إن الأفعال الإلهية إنما تنبع في واقعها من صفاته الذاتية كالعلم والقدرة ،فمن البديهي أنَّها تشتمل على المصلحة دائماً بمعنى أنَّه يترتب عليها الخير و الكمال فإرادته تعالى تكون "إرادة حكيمة" ومن هنا تنتزع هذه الصفة "الحكيم"، وهي كسائر الصفات الفعلية تۆول و تنتهي إلى الصفات الذاتية.

فعندما نقول بأنَّ فعلَ الله مشتملٌ على المصلحة فلا نعني بذلك أنَّه تابع للمصلحة أي أنَّ المصلحة تدعو الله إلى هذا الفعل و تبعثه نحوه لأنَّ ذلك محال عليه تعالى بل المقصود أنَّ الفعل متبوعٌ للمصلحة .

لا يُسأَلُ عمّا يفعل وهم يُسألون:

1-الذي يطلب بالسۆال تطبيق الفعل على النظام الخارجي و فعله تعالى هو نفس النظام الخارجي ولا نظام خارجي آخر حتى يطبق هو عليه، وفعله هو الذي تكون صورته العلمية مصلحة داعية باعثة نحو الفعل و لا نظام آخر فوقه حتى تكون الصورة العلمية المأخوذة منه مصلحة باعثة نحو هذا النظام.

وبعبارة أخرى لا مقصد له من خلقه و أفعاله ولا توجد غاية وراء ذاته المقدس (فلا يسأل عما يفعل و هم يسألون).

2-هو الكمال المطلق وما يكون كمالا مطلقا وواجبا بالذات، كان واجبا من جميع الجهات فكما لا يصح توجيه الاستفسار نحو ذاته المقدس فأفعاله أيضا بعيدة عن توجيه السۆال نحوها

النظام الأحسن:

و أيضا لما كان ذاته المقدس في المنتهى الأقصى من الجمال و الكمال، كان نظام دائرة الوجود الذي هو ظل ذلك الجمال ، في الغاية القصوى من الكمال الممكن، و عليه يكون هذا النظام الكلي الموجود أتم الأنظمة المتصورة، فيكون الاستفهام عن الغاية و الغرض و الفائدة، منبعثا عن الجهل و النقص.

تبقى شبهة:

وهي هل الخير والشر من الله تعالى؟ وهل ينسجم ذلك مع حكمته تعالى؟

إنَّ الخير بالأصالة من الله و بالتبع من الإنسان والشرّ بالأصالة من الإنسان وبالعرض و الإنجرار من الله تعالى حيث أنَّ عالم المادة هو عالم المحدوديَّة والنقص وهذا النقص هو الذي يولِّد الشر.

مقام العندية:

وهناك فرق بين أن نقول "من عند الله" أو نقول "من الله" فكل ما يتحقق في العالم من خير وشر هو من عند الله ( قل كلٌ من عند الله فمال هۆلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) و في دعاء الجوشن الكبير : " يا ضار يا نافع " فالله ضار للأعداء ونافع للأولياء ، ولطيف بالعباد وقهار للمتمردين وفي نفس الوقت ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) فالشر كلُّه من الإنسان (و من يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه و كان الله عليما حكيما) فالله سبحانه وتعالى لا يريد إلا الخير ، بل كلُّ خير نابع منه (بيده الخير) وكلُّ حقٍّ فهو منه (الحق من ربِّك)(ذلك بأنَّ الله هو الحق).

ولكن:

حيث أن كل خير في عالم الدنيا ( عالم التضاد والمضايقات ) يتضمن شراً وذلك لأن الخير في عالم الدنيا ليس مطلقا بل هو محدودٌ ، وليست محدودية الخير لأجل الخير الذي هو الفيض ، بل لأجل الأرضيات التي ليست مهيأة لتقبُّل كلِّ الخير فمحدوديَّةُ الخير هو السبب لنشوء الشر ( إنّ مع العسر يسرا ) فالرحمة واسعة ولكن حيث أن القابل لا يتقبل جميع رحمة الله فبطبيعة الحال سوف يكتسب نفحة من نفحات الرحمن ويكون مظهرا من مظاهر الله سبحانه وتعالى ، وعندما أصبح القابل مظهراً من مظاهر الله سبحانه وتعالى في مجال خاص ؛ في مجال الرحمة مثلاً فبطبيعة الحال سوف يفتقد المجالات الأخرى.

الفناء في المطلق:

وإذا فني الإنسان في المطلق ، فسوف لا يعتريه أي شر ويكون قد وصل إلى " مقام الاطمئنان " ( يا أيتها النفس المطمئنّة ) حيث رجوعها إلى الكمال الواقعي الذي هو منشئها ( ونفخت فيه من روحي ) واتحادها معه فلا فراق بين العبد وبين المولى وهاهنا سوف تصل العبوديَّة إلى أرفع مستواها(فهي جوهرة كنهها الربوبية)

مجموع الخلق هو الخير:

و لذلك فإن المحبة الإلهية للكمال تقتضي أن يوجد المجموع بشكل يترتب عليه الخير و الكمال الأكثر و الأغلب، و من ملاحظة هذه العلاقات و الروابط فيما بينها، يتوصل إلى مفهوم " المصلحة "، و إلا فإن المصلحة ليس لها وجود مستقل عن وجود المخلوقات، له تأثيره في وجودها، حتى يكون له تأثيره في الإرادة الإلهية، أي ليس هناك وجود خارجي مستقل يسمى بالمصلحة يۆثر في وجود المخلوقات فضلا عن القول بتأثيره في الإرادة الإلهية.

ويجب علينا أن نۆكد بأن القيام بفعل لأجل المصلحة ، لا يعني أن المصلحة هي العلة الغائية لله تعالى، بل إن المصلحة تعتبر هدفا ثانويا تبعيا، و أما الغاية الأصلية لأفعال الله فهي حبه للكمال اللامتناهي الذاتي، الذي يتعلق بالتبع بآثاره، أي بكمال الموجودات، و من هنا قالوا بأن العلة الغائية للأفعال الإلهية هي العلة الفاعلية نفسها، و ليس لله غاية مستقلة و زائدة على ذاته، و لكن هذه الفكرة لا تنافي أن يعتبر الكمال و الخير و المصلحة في الموجودات غاية فرعية و تبعية، و لذلك عللت الأفعال الإلهية في القرآن الكريم ببعض الأمور التي تنتهي في واقعها إلى كمال المخلوقات و خيرها. فقد ذكرت الآيات القرآنية أن الامتحان و الابتلاء و اختيار أفضل الأعمال، و عبادة الله، و الوصول إلى الرحمة الخاصة الأبدية الإلهية، هي الأهداف و الغايات لخلق الإنسان. و كل واحدة من هذه الغايات ممهدة للغاية الأخرى، على الترتيب المذكور قال تعالى: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم أن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون و كان الله عليما حكيما)


معنى و درجات معرفة الله الفطرية

ما هي الخطوات المعتبرة لمعرفة الدين؟

ما هي جذور الدين في الفطرة الانسانية؟

معرفة الله تعالى أساس إنساني

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)