التخطيط للمستقبل
مشكلة الكثير من الناس- وخاصة الشباب منهم-أنهم لا يخططون لمستقبل حياتهم، ولا يفكرون إلا في اللحظة الراهنة، ولا ينظرون إلى فرص وتحديات المستقبل، مما يجعلهم يفقدون القدرة على التعامل مع تحديات المستقبل وفرصه، ومن ثم يعيشون حالة من ضبابية الرؤية، وعدم معرفة متطلبات الزمان مما يدفعهم نحو الوقوع في دائرة الفشل والشقاء.
يعد التخطيط للمستقبل من أقوى العوامل للوصول للأهداف المطلوبة، وتحقيق الغايات المرسومة، فالنجاح في الحياة ماهو إلا ثمرة من ثمار التخطيط الناجح.أما الفشل فيعود لغياب التخطيط للمستقبل، وعدم وضوح الأهداف، وغياب أية رؤية لاستشراف آفاق المستقبل وتحدياته.
ومشكلة الكثير من الناس- وخاصة الشباب منهم-أنهم لا يخططون لمستقبل حياتهم، ولا يفكرون إلا في اللحظة الراهنة، ولا ينظرون إلى فرص وتحديات المستقبل، مما يجعلهم يفقدون القدرة على التعامل مع تحديات المستقبل وفرصه، ومن ثم يعيشون حالة من ضبابية الرؤية، وعدم معرفة متطلبات الزمان مما يدفعهم نحو الوقوع في دائرة الفشل والشقاء!
أما من يريد أن يحقق أهدافه في المستقبل، ويرسم لنفسه تصورا لمستقبل أيامه، فعليه أن يخطط لذلك المستقبل من الحاضر، فالتخطيط للمستقبل هو:رسْم تصورات للمستقبل في الحاضر، ليعمل بعد ذلك على تحقيق تلك التصورات التي رسمها على أرض الواقع.أو بعبارة أخرى هو: أن تحدد أهدافك التي تريد تحقيقها في المستقبل، ثم تضع الخطوات والوسائل لتحقيقها عملياً.
والتخطيط بهذا التعريف أمر لا يفعله إلا القليل من الناس، لأن ما نقصده من عملية التخطيط للمستقبل هو ما يكون منظماً، ويعتمد على برنامج عملي واضح بهدف الوصول إلى الأهداف المرسومة. وليس مجرد تحقيق بعض الإنجازات أو الوصول لبعض الأهداف التي يكون فيها أحياناً شيء من التخطيط العفوي، أو الاندفاع نحو تحقيقها ولكن بدون برنامج واضح المعالم.
أسباب عدم التخطيط للمستقبل
بالرغم من وضوح فوائد ومزايا التخطيط للمستقبل، إلا أن القليل من الناس من يعتمد على التخطيط المنظم لمستقبله، في حين أن الكثير من الناس يتركون مستقبلهم للظروف المستجدة، وربما للحظ والصدفة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا نفكر بالمستقبل؟ وما الذي يدفعنا عن التخطيط له؟ وماهي الأسباب التي تجعلنا لا نخطط لمستقبلنا؟
توجد مجموعة من الأسباب التي تجعل الإنسان لا يخطط للمستقبل، ولا يفكر فيه، ويمكن الإشارة إلى أهمها ضمن النقاط التالية:
1- غياب الأهداف والتطلعات الكبيرة:
حينما يعيش الإنسان من دون أهداف واضحة في حياته، وبلا تطلعات نحو الأفضل، فإنه يصاب بعدم الفاعلية، والقناعة بالواقع الذي يعيشه، وهذا يدفعه نحو عدم التفكير بالمستقبل، ومن ثم عدم التخطيط له.
إن التخطيط للمستقبل هو دأب الشخصية المتطلعة نحو الأفضل دائماً، الذي يحمل أهدافاً طموحة، وتطلعات عالية ورغبة في التقدم والتطور المستمر. أما الشخص الذي يعيش بلا أهداف، وبلا تطلعات، وبلا رؤية للمستقبل، وبلا رغبة في تطوير الذات؛ فإنه لن يفكر إلا في اللحظة الآنية، فالحياة البسيطة لا تحتاج إلى الكثير من التخطيط أو الاستعداد، بينما تسلق القمم يحتاج إلى التخطيط المنظم وإتقان مهارات خاصة لذلك.
2- عدم الشعور بالمسؤولية:
الإنسان الذي يعيش بدون أي شعور بالمسؤولية تجاه نفسه أو أهله أو مجتمعه أو أمته لن يشعر بأهمية التخطيط للمستقبل، بل قد يعد ذلك بأنه نوع من الترف الثقافي أو العبث الذي لا ينبغي تضييع الوقت فيه !
أما الإنسان الذي يتحمل المسؤولية، ويعتمد على نفسه في إنجاز أعماله وتحقيق أهدافه؛ فإنه يشعر بأهمية التفكير بالمستقبل والتخطيط له، فالشعور بالمسؤولية، يدفع نحو الرغبة في توكيد الذات، وتحقيق الإنجازات، والوصول للأهداف...وكل ذلك يتطلب ـ فيما يتطلب ـ التخطيط المنظم، والهمة العالية، والإرادة الصلبة.
وللتربية والتنشئة التي يتلقاها الإنسان دور مهم في غرس صفة (تحمل المسؤولية ) أو عدمها، مما يجعله متصفاً بالمبالاة أو اللامبالاة، بالتفكير بالمستقبل أو عدمه.
3- عدم الوعي بالمتغيرات:
إن عدم الوعي بالمتغيرات الحادثة، وعدم فهم المستجدات الجديدة، وعدم الإلمام بمتغيرات الزمان والمكان، وغياب المعرفة الواعية بمستجدات الحياة وتطوراتها يؤدي إلى غياب التخطيط للمستقبل.لأن عدم الوعي بالمتغيرات يجعل الإنسان يفكر في الحاضر من دون استشراف آفاق المستقبل وتحدياته وفرصه.
أما الإنسان المتابع للمتغيرات، الواعي للمستجدات، المدرك لما يدور حوله من تطورات وأحداث...يكون أكثر إدراكا لأهمية التخطيط للمستقبل لأنه يدرك بوعيه أن المستقبل سيختلف عن الحاضر كما أن الحاضر ليس هو الماضي.
والوعي بالمتغيرات يعني الوعي بالتحديات الجديدة، وكذلك الفرص الجديدة، والإنسان الواعي هو من يستثمر الفرص المتاحة، ويحاول تجاوز التحديات والعوائق من طريق النجاح والتقدم.
ولكي يكون الإنسان واعياً للمتغيرات الجديدة فإن عليه أن يكون متابعاً لكل ما يجري من حوله، وعلى مختلف الصعد والنواحي الحياتية سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو علمية؛ لأن الإلمام بذلك يجعل الإنسان أكثر إدراكاً للحاضر، وأفضل وعياً لمتغيرات المستقبل، ومن ثم فإن ذلك يدفعه نحو التخطيط الأفضل للمستقبل.
4- الانغلاق والجمود:
يعتبر الانغلاق والجمود من أسباب عدم التخطيط للمستقبل، ذلك لأن انغلاق الإنسان على نفسه، وجموده على ماهو عليه، يجعله محدوداً في تفكيره، منطوياً على نفسه، متبلد الذهن، خامل الحركة والنشاط.
والانغلاق والجمود يجعل الإنسان يعيش الانطوائية، وضيق الرؤية، ومحدودية التفكير، على خلاف الشخص المنفتح على الآخرين، المتواصل مع من حوله، المتجول في رحاب الدنيا...فهذا سيكون أكثر فهماً للحياة، وأعمق إدراكاً للمستقبل، وأفضل وعياً لما يجري حوله من مستجدات وأحداث.
ومشكلة بعض الناس أنهم يعيشون غرباء في زمانهم، وعن زمانهم، فتراهم يفكرون في الحاضر بعقلية الماضي، وينظرون إلى الحياة بمنظار ضيق وأسود، وما ذلك إلا لانغلاقهم على أنفسهم، وجمودهم في تفكيرهم مما يجعلهم يراوحون مكانهم، فيتقدم المنفتحون والواعون للحياة، ويتأخر المنغلقون عن اللحاق بقطار التقدم والتطور، إذ لا تفكير لديهم في المستقبل، ولا تخطيط لمستقبل أيامهم، ولا رؤية واضحة لما يريدون . والنتيجة ستكون اجترار آهات التحسر والندم على ما فات...ولات حين مندم!
5- المفاهيم الخاطئة:
توجد بعض المفاهيم الخاطئة التي تؤدي إلى القيام بسلوكيات خاطئة، وهذه المفاهيم الخاطئة ناتجة من ثقافة جامدة، أدت إلى تكريس مفاهيم غير صحيحة في أذهان كثير من الناس.
فعلى سبيل المثال: نجد بعض الناس منزوياً عن الدنيا، يعيش في حالة يرثى لها بحجة التفكير في الآخرة والابتعاد عن الدنيا!مما يدفعه لعدم التفكر و التفكير في ترتيب حياته الدنيوية، وعدم التخطيط لمستقبله ومستقبل عائلته بدعوى الزهد في الحياة؛ في حين أن الرسول(صلى الله عليه وآله) يعرف الزهد بقوله : (الزهد ليس بتحريم الحلال، ولكن أن يكون بما في يدي الله أوثق منه بما في يديه) (1).
ويقول الرسول(صلى الله عليه وآله) أيضاً (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) (2).
ولنعم ما قيل في تفسير الزهد (ليس الزهد أن لا تملك شيئاً بل الزهد أن لا يملكك شيء) (3).
فالإنسان عليه أن يعمل لآخرته لأنها المستقر ودار الخلود ، ولكن العمل الصالح في الدنيا وفيما أمر الله عز وجل به هو الذي يؤدي إلى الفوز بالآخرة، والمنهي عنه هو الانغماس في الدنيا وملذاتها ونسيان الآخرة.أما الإتيان بالأعمال الصالحة في الدنيا فهي تؤدي إلى النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.
والمشكلة أننا نبرر تقاعسنا وكسلنا عن القيام بأعمال صالحة في الدنيا بمفاهيم خاطئة عن الدين، مما يدفعنا لعدم التخطيط في المستقبل فضلاً عن التفكير فيه.
والمطلوب هو أن علينا أن نخطط لحياتنا الدنيوية والأخروية معاً!وأن نوازن بينهما، يقول الله تعالى: ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (4) والتخطيط للمستقبل الدنيوي يجب أن يدفعنا للقيام بالأعمال الصالحة التي تقربنا من الله عز وجل، وتجعلنا نفوز بالآخرة.مما يعني أن علينا أيضاً أن نخطط لآخرتنا ولكن التخطيط لذلك يكون في الدنيا، وكما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: (نعم العون الدنيا على الآخرة) (5) . وقوله (عليه السلام) أيضاً (بالدنيا تحرز الآخرة) (6) فلنزرع في دنيانا الأعمال الصالحة لنحصد في الآخرة رضا الله عز وجل والفوز بالجنة.
المصادر:
1ـ ميزان الحكمة، محمد الري شهري، مؤسسة دار الحديث الثقافية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية 1419هـ، ج3، ص1168، رقم 7701.
2ـ نفس المصدر السابق، ج1، ص35، رقم129.
3ـ نفس المصدر السابق، ج7، ص2990، رقم الباب 3754.
4ـ سورة القصص: الآية77.
5ـ ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج2، ص890، رقم 5744.
6ـ نفس المصدر السابق، ج2، ص890، رقم 5746.
الوعي بالمستقبل
من هو المثقف ؟ ماهي واجباته؟