المطر في القران
اللّهُ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَ اْلأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَکُمْ وَ سَخَّرَ لَکُمُ الْفُلْك لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَکُمُ اْلأَنْهارَ(ابراهيم الاية 32)
اهتمام القرآن الكريم بالماء وأحواله ومصادره ومجاريه ليس غريبا؛ ذلك انه مصدر الحياة وأداتها، ولعل في هذا ما يبرر الخصومات الشديدة، التي كانت تحتدم بين القبائل العربية قديما بسبب الماء.
تشكّل المطر:
وتكون قطيرات الماء في السحابة من الصِّغَر بحيث تظل معلقة في الهواء، ومحمولة في الأعلى بواسطة تيارات الهواء الخفيفة. وعندما تكبر قطيرات الماء في الحجم عن طريق تقاربها واندماجها. وتصبح قطرات ثقيلة بشكل كاف، تنفلت تحت تأثير الجاذبية وتسقط على هيئة المطر. ولا زال العلم حتى الآن عاجزاً عن معرفة السبب الذي يجعل القطيرات تتجمع مع بعضها لتؤلف قطرات المطر.
أما أنواع المطر في القرآن الكريم:
1- الصيب: هو المطر الذي يصوب، أي ينزل ويقع، ويُقال للسحاب صيب أيضا.
وقد ورد ذكر الصيب في قوله تعالى: (و كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ...) (البقرة الآية 19). وتدلنا القرائن على أن الصيب مطر شديد غزير. وعن الزمخشري قال: "وقرئ كصائب، والصيب أبلغ، والسماء: هذه المظلة" (1) ولا يشترط في الصيب أن يكون للعذاب، فقد يُرجَى نفعه، ومصداق ذلك قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : "اللهم صيبا نافعا" (2).
2- الوابل: وهو المطر القوي الذي يستمر وترتوي به الأرض.
3. الطلّ: وهو مطر ضعيف، وقد يسمى الندا طلاً. وقد ورد ذكر هذين النوعين معا في آية واحدة هي قوله تعالى: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من عند أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فأتت أكلها ضعفين، فإن لم يصبها وابل فطلّ، والله بما تعملون بصير) (البقرة الآية 265). فهي لطيب تربتها تجود بالثمر، وإن لم يصبها غير مطر ضعيف.
4. البرد: وهو المطر ينزل على هيئة حبيبات متجمدة، وقد تكون حبات كبيرة، ومن ذلك قوله تعالى: (وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ ) (النور الآية 43).
المطر بين القرآن والعلم :
عدّد الله تعالى في سورةِ الواقعة أربعة نعم أساسية أنعم الله بها على الإِنسان، وهي: نعمة الخلق ونعمة الماء ونعمة النبات ونعمة الطاقة الحرارية.
وسنخصّص حديثنا الآن للنعمة الثانية، لنلحظ كيف تتشكّل السحب في الفضاء، وكيف ينزّل الله منها المطر على هيئة ماءٍ عذب سلسبيل فيُحيي به الأرض بعد موتها، ويُحيي به الحيوان والإِنسان.
يقول جلّ من قائل:
(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الّذِي تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنْزَلْتُمُوُهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ) (الواقعة الآية 70).
نعلم أن للماء ثلاثة أطوار هي: الجليد والماء والبخار. ويتحول الماء إلى بخار بإحدى الطريقتين:
1 ـ عن طريق البخر: ويحدث ذلك بشكل مستمر، في أية درجة من درجات الحرارة.
وهو استبخار بطيء يحدث للسائل عند سطحه الملامس للهواء. وتزيد سرعة البخر بازدياد سطح الملامس للهواء. وتزيد سرعة البخر بازدياد سطح السائل ودرجة الحرارة وينقص الضغط الواقع على السائل، كما تزيد بازدياد حركة الهواء الذي فوقه.
2 ـ عن طريق التسخين: كما يحدث عند غلي الماء، ويكون منشأ البخار من وسط السائل. وهذا لا يحدث في الطبيعة.
ومما لا شك فيه أن كميات هائلة من البخار تتشكّل عندما تسطع الشمس على سطح البحار، ولكن هل هذه الكميات من البخار تشكّل سحباً؟ نحن نعلم بأنّ الابخرة عندما تصعد من البحر فإنها تتبعثر في الهواء وتتلاشى في الفضاء.. وهذا يدل على أن تشكّل السحب له عامل أساسي آخر. فما هو هذا المعمل الذي ينتج ملايين السحب ثم يبعثها إلى اليابسة؟. لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة آيات مؤكداً أن المعمل الذي يولّد السحب هو الرياح.
يقول جل من قائل:
(اللّهُ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السّماءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ) (الروم الآية 48).
وفي هذا بيان واضح إلى كيفية تشكّل السحب. وذلك أن الله سبحانه جعل أربعة أخماس سطح الأرض ماء متجمعاً في المحيطات، ويكون الماء السطحي من البحر في ضغط إشباعي متوازن مع طبقة رقيقة تعلوه من بخار الماء، فهذا يدفع البخار في الطبقة الملامسة للماء لأن ينتشر في الهواء، منتقلاً من الضغط العالي إلى الضغط المنخفض، وهكذا تتم عملية (البخر) التي تزيدها حرارة الشمس سرعة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن سقوط أشعة الشمس على سطح البحر يجعل طبقات الهواء القريبة من سطح البحر أسخن من الطبقات العليا، فيصعد الهواء الدافئ إلى الأعلى لخفّته، ليحلّ محلّه الهواء البارد لثقله، وتنشأ عن ذلك دوّامة هوائية ناتجة عن تيارات الحمل، التي هي سبب تشكّل الرياح.. فإذا نشطت هذه الدوّامة الهوائية التي هي في مستوى عمودي على سطح البحر، فإنها تحرّض حال حركتها من الأسفل إلى الأعلى، تحرّض ماء البحر على البَخْر، ثم تسوقه مع حركتها إلى الأعلى، حيث تضغطه وتجمعه بقوّتها. فإذا حملته إلى أعالي الجو حيث البرودة، تكاثف بشكل قطيرات دقيقة معلّقة هي (السحب). ثم تسوقه رياح ذات منشأ أفقي إلى اليابسة حيث تنمو حبيباته المائية لتُصبح قطرات كبيرة، تسقط على هيئة المطر.
فتعالى الحكيم المدبّر والقادر المقدّر، الذي تصرّف بكل شيء، وجعل لكل شيء سبباً وقانوناً.
يقول سبحانه (اللّهُ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً) أي أن الرياح تعطي بخار الماء طاقة حركية تجعله ينفك من سطح البحر ويسير مع الرياح إلى الأعلى.
(فَيَبْسُطُهُ فِي السّماءِ كَيْفَ يَشَاءُ) يُشَكّل منه أنواع السحب المختلفة ذات الأشكال والخصائص المتفاوتة، والمتواجدة في طبقات معينة.
(ويجعله كِسَفاً) أي قِطَعاً.
(فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ) الوَدْقُ هو قطرات المطر. وهنا تظهر المعجزة الإِلهية الكبرى في هذه السحب، كيف يُنَزّل الله الماء منها متى شاء، ويمنعه من النزول متى شاء، وما هي العوامل التي تجعله يتقاطر من السحب، هل هي البرودة فقط، أم هي شيء أعمق من ذلك وأعقد؟. فلو كانت البرودة هي السبب فلماذا في الشتاء البارد تمر ملايين السحب في بعض الأحيان دون أن تنزل منها قطرة مطر، في حين في الصيف القائظ قد تنزل أمطار شديدة من السماء حتى لا يبقى فيها شيء؟.
وقد صوّر الإِمام علي (عليه السلام) هذه الحقيقة بقوله في حديثه عن البحر: (تُكَرْكره الرياح العواصف، وتَمْخَضُه الغمامُ الذوارف) أي أن السحاب يستخلص خلاصته من ماء البحر، وهو الماء العذب، كما تُستخلص الزبدة من الحليب عن طريق مخْضِه.
وقد ذكر سبحانه آليّة تشكّل السحب في آية ثانية بشكل أكثر تفصيلاً فقال:
(أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلّبُ اللّهُ الّيْلَ وَالنّهَارَ إِنّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ) (سورة النور الآية 43).
فالله سبحانه يُزجي سحاباً أي يسوق سحاباً متلاحقاً، على نحو القائد الذي يزجي جيوشه إلى الأعداء، وذلك بواسطة الريح.
(ثم يُؤْلّف بينه) أي يجمعه بعد تفرّقه، وكما قال الإِمام علي (عليه السلام): "ألّف غمامَها بعدَ افتراقِ لُمَعِِه، وتباينِ قَزَعه".
يُستفاد من ذلك أن التأليف ليس فقط الجمع والتجميع، بل إيجاد التوافق والتآلف بين قِطَعه غير المتجانسة.
(ثم يجعلُه رُكاماً) أي متراكماً بعضه فوق بعض وهذا مثال السحب الركامية كما سنرى.
(فترى الودقَ يخرجُ من خلاله) أي أن المطر يخرج من بينه. ويتابع الامام علي (عليه السلام) كلامه السابق مُبَيّناً هذه الظاهرة، وهي انتقال ذرات الماء الموجودة في السحابة من وضعيتها المحمولة وهي ذرات دقيقة، إلى وضعيتها الجديدة اذ تصير قطرات من المطر قابلة للهطول بقوله: (حتى إذا تَمَخّضَتْ لُجّةُ المُزْنِ فيه... أرسلَه سَحَّاً مُتَداركاً). أي إذا تجمعت ذراتُ الماء الدقيقة التي يتألف منها السحاب على هيئة قطرات، وصارت السحبُ لُجّةً من الماء (عبّر عنها (بالمُزْن) لأن المزنة هي السحابة الممطرة المليئة بالماء)، أرسل الله المطر سَحّاً متتابعاً. ثم يقول سبحانه: (وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا) أي يُنَزّل من السحب التي جعلها الله في السماء كالجبال (من بَرَدٍ) أي بَرَداً. ذلك أن السحب مهيأة لأن تعطي عدة أشكال للماء، منها المطر والرذاذ والثلج والبَرَد، حسب الشروط التي تتوفر لها حال تشكّلها ونزولها، كما سنرى.
(يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) ذلك أن بعض الغيوم حال تشكّلها من الرياح تكون مشحونة، فإذا اقتربت سحابتان من شحنتين مختلفتين أصبحتا كالمكثفة، وانفرغت بينهما شرارة عظيمة عن طريق الشوارد الناقلة الموجودة بينهما، مما يؤدي إلى حصول البرق، الذي يكون نوره من الشدة بحيث أنه يُعمي عين الناظر اليه.
وسوف نرى كيف أنّ للسحب أنواعاً مختلفة، وأنّ لكل نوعٍ منها مناطق معينة يتواجد فيها في طبقات الجو.
وقد أشار سبحانه إلى هذه الحقيقة وهو يعدّد بعض آياتهِ بقوله (وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالْأَرْضِ) حيث قال:
(إِنّ فِي خَلْقِ السّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ وَالنّهَارِ وَالْفُلْكِ الّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَابّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة الآية 164).
فالرياح هي العامل الأساسي في صنع السحاب بأنواعه وحملِهِ إلى طبقاته التي أوجدها الله تعالى، حيث سخّر الله السحاب ليقوم بوظائفَ مختلفة حسب الطبقة التي يوجد فيها. فمنه لإِنزال المطر، ومنه لامتصاص الاشعاعات القاتلة الآتية من الشمس، ومنه لحرق الشهب والنيازك... إلى غير ذلك.
فائدة المطر:
تحدث العلماء عن خاصية التطهير الموجودة في مياه الامطار .
واكدوا أن الماء النازل من السماء وهو ماء المطر يعتبر ماء مقطراً مئة بالمئة فهو ناتج عن تبخر الماء من البحار وتكثفه على شكل غيوم ثم ينزل مطراً.
لذلك هو ماء نقي تماماً؛ ماء المطر يستطيع نزع الأوساخ من على جلد الإنسان أكثر من الماء العادي، ::لذلك يعتبر هذا الماء مادة معقمة ومطهرة تستخدم في الطب ايضاً .
المطر خالٍ من الفيروسات والبكتريا، وهو أيضاً ماء يمتلك خاصية امتصاص المعادن والغازات والغبار وأي مادة تصادفه بنسبة كبيرة، لذلك هو مادة مطهرة للجوّ أيضاً ، ولكن هنالك صفة جديدة لهذا الماء يحدثنا عنها العلماء وهي أنه ماء يستطيع أن يجدد الخلايا في الجسم بشكل أكبر من الماء العادي.
أما علماء الطاقة فيؤكدون أن ماء المطر يمتلك كمية أكبر من الطاقة، وهذا ما ينعكس إيجابياً على الحالة النفسية للإنسان ..
المصدر:
1- الكشاف 1/82.
2- ابن حجر ـ فتح الباري 2/430.
خطبة الإمام الرضا ( ع ) عند الاستسقاء
التمثيل الثاني : لقمان الحكيم أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السَّمَاءِ
الأرض في القرآن كرويَّة أم مسطَّحة؟
آيات المحبــــــه