كيف يتحقق هذا الوعد الإلهي بنصرة الإمام المهدي عليه السلام
تؤكد الآيات الكريمة أن الله عز وجل سيظهر دينه على الأديان كافة ولو كره المشركون، ولما كان الدين الإسلامي لم يسع المعمورة كلها فلا بد من ظهور المنقذ الذي يحقق هذا الوعد قال تعالى: ((هوَ الذي أرسلَ رسولـَه بالهـُدى ودين ِ الحقِ ِ ليظهرَهُ على الدين ِ كله ِ ولو كرهَ المشركون)) (2)، ثم الوعد الإلهي الذي قطعه الله على نفسه بإنه سيورث الأرض عباده الصالحين، قال تعالى: ((ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)) (3) ولا شك أن الأرض منذ أن سـُكنت كان عبادُ الله فيها هم المستضعفون والمطاردون. ففي الخطاب القرآني دلالات كافية وتأكيد إلهي ووعد صادق من الله تعالى بإقامة دولة إلهية عالمية تسود المعمورة يحكم بها المؤمنون الأرض وفق شريعة السماء لتكون نموذجاً لتطبيق الإرادة الإلهية، ومن أصدقُ من الله في تنفيذ وعده؟
أما كيف يتحقق هذا الوعد الإلهي بنصرة الإمام المهدي عليه السلام وتنفيذ مشروعه العالمي فهناك ثلاث أطروحات:
الأولى:
إنه ينتصر بطريق الإعجاز الإلهي: وتتلخص هذه الاطروحة بان الله سبحانه وهو القادر على كل شيء قد وعد خليفته بالنصر في آيات كثيرة، وهو قادر على نصره بأية طريقة كانت، وتمكينه من بسط سلطانه على الأرض، وذلك بأن يحصل على الأسلحة بطريق المعجزة، وإن الأسلحة الحديثة لا تعمل ضده، وإن الأعداء سوف يصرفهم الله عن إستنتاج الطرق المؤثرة عليه. وهذا الرأي مخالف لقاعدة (ناموسية السنن الإلهية) كما يقول الشيخ محمد السند، ويضيف (إن أي تغيير ليس إيحاءً ولا إعجازاً على قاعدة كن فيكون وإنما هو أمر بين أمرين، جانب من البشر، وجانب من التأييد الإلهي).(4) ويقول السيد محمد الصدر ( إذا آمنا بالمعجزة فإن ظهوره يكون لا معنى له) إستناداً إلى قوله تعالى: ( ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً) ويضرب الأمثلة التي تدلل على إمتناع المعجز في إنجاز الحركة فيقول ( لو أمكن سيطرة الإمام المهدي عليه السلام على العالم لأمكن لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وهو خير منه أن يسيطر على العالم بطريق المعجزة، ولانتصر الحسين عليه السلام على جيش الكوفة، ولأمكن إنجاز الوعد الإلهي بأسرع ما يمكن، فتأخيره وإمتداد الظلم، ظلم للبشرية>.(5) ويقول كامل سليمان في اليوم الموعود (إننا لا نحكي حكايا عجائز فنصور إمامنا يسيطر على أعدائه بالدعاء على الظالمين فيقف دعاؤه في وجه مدافع أعدائه وقذائفهم وصواريخهم ومدمراتهم ووسائل حربهم المفنية).(6) ولعلّ هؤلاء يستندون إلى رواية عن الإمام الباقر عليه السلام قيل: قلت لأبي جعفر عليه السلام إنهم يقولون: إن المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يريق ملء محجمةٍ دماً، فقال: (كلاّ والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق) (أي الدم): ثم مسح جبهته)،(7)
ثم أن الروايات التي تصف عصر الظهور تتحدث عن معارك يخوضها الإمام في مكة والمدينة والكوفة ودمشق وفلسطين مع جيوش السفياني واليهود والروم، فإذا كانت المعجزة هي التي تحقق النصر للإمام فلا داعي لمثل هذه المعارك، ونعود إلى قول السيد محمد الصدر بهذا الصدد ( لا يمكن الإلتزام بإن سيطرة المهدي عليه السلام على العالم تكون بطريق إعجازي).(8)
الأطروحة الثانية:
وهذه تقول: إن الله سبحانه يريد أن ينتصر الإمام المهدي بالقوانين الطبيعية، دون مساعدة القدرة الإلهية. وهذا الرأي لا يمكن الإعتماد عليه أيضاً، بالرغم من صحة القول بإن السير على طبق القوانين الطبيعية هو الإسلوب العام في ثورة الإمام المهدي عليه السلام، ولكن الاعتقاد بعدم وجود تأييد إلهي، وإن الإمام يواجه العالم بقدراته الذاتية وما له من الأنصار، ويقاتل الدول العظمى ذات الأسلحة الفتاكة وترسانات الأسلحة الحديثة اعتقاد لا يمكن قبوله، ومن أين لشخص يدخل مكة وحيداً فيصبح بعد أيام سيداً للعالم بلا منازع بقدرات ذاتية دون تأييد إلهي، وهذا لا يمكن التسليم به، سيّما وإننا نجد التأييد الإلهي الواضح في مراحل حركة الإمام الثلاث وهي:أ ـ التاريخ السابق على خروج الإمام من ظهور الممهدين والمؤيدين ودعوتهم له وتأييدهم لدولته.
ب ـ التأييد الإلهي في وقت ظهوره المبارك من إجتماع أنصاره في مكة من كل مكان والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني ونزول عيسى عليه السلام من السماء وإنتصاره في الحروب كلها.
ج ـ سيطرته على العالم أجمع ولم يتحقق ذلك على طول التاريخ البشري.
الأطروحة الثالثة:
وهي أن الإمام المهدي عليه السلام ينتصر بقوة جيشه وحداثة سلاحه ورجاله المحاربين الأشداء مع وجود التأييد الإلهي. ويشرح السيد محمد باقر الصدر أصل الفكرة فيقول: (تتميز عمليات التغيير الإجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بإنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية، لأن الرسالة التي تعتمدها هنا عملية تغيير ربانية ومن صنع السماء، ولكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير، منها ما يشكل المناخ المناسب والجو العام للتغيير المستهدف، ومنها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية، وهذا لا يمنع من تدخل الله سبحانه أحياناً فيما يخص بعض التفاصيل، ومن ذلك الإمدادات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة يحمي بها الرسالة كما في خمود نار نمرود وشل اليد الغادرة التي أرتفعت بالسيف على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها. وعلى ضوء ذلك، والكلام للسيد الصدر: ندرس قضية الإمام المهدي لنجد أن عملية التغيير التي أُعِـدَ لها ترتبط من الناحية التنفيذية بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها، كما وإن رسالة الإمام التي إدّخره الله لها وهي تغيير العالم تغييراً شاملاً لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة والقائد الصالح وإنما تتطلب مناخاً مساعداً لهذه الظروف الموضوعية.(9) وهذا الرأي هو ما ذهب إليه الشيخ محمد السند بقوله:
( إن حركة الإمام ليست سنّة إلهية لوحدها، وليست إعجازاً إلهياً لوحده، بل هي حركة وفق السنن الطبيعية زائداً التأييد الإلهي).(10)
فإذا سلمنا بالحالة الثالثة التي تعتمد طرفي المعادلة وهو الرأي الوسط، كان لا بد لنا أن ندرس صور التأييد الإلهي في حركة الإمام ثم نأتي إلى عوامل إنتصاره الذاتية.
المصادر:
(1) من البحوث المشاركة في المؤتمر العلمي الأول في الإمام المهدي الذي عقده مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الاشرف في 22/ تموز/ 2007م.
(2) الصف / 9.
(3) الأنبياء / 105.
(4) محاضرة للشيخ السند في مسجد الهندي 15 / 3 / 2007 م.
(5) تاريخ ما بعد الظهور / 359.
(6) يوم الخلاص / كامل سليمان / ص228.
(7) المجلسي / بحار الأنوار / جـ52ص358 / غيبة النعماني / 152.
(8) تاريخ ما بعد الظهور / محمد الصدر / ص 329.
(9) بحث حول المهدي / تحقيق د. جبار شرارة / ص 116.
(10) محاضرة في مسجد الهندي في 15 / 3 / 2007 م.
الإمام المهدي يرفع راية يا لثارات الحسين
الإزدهار الاقتصادي و الثقافي في دولة الإمام المهدي عليه السلام