الأمّة تفرح بالنصر
إذا كانت الأمّة تفرح بالنصر، فإنّ عليها أن تقدّر صاحب النعمة عليها،
فالحمد ليس كلاماً بل عملٌ أيضاً، وهنا يجدر بالأمة أن تعمل على نشر ثقافة التقوى والورع شكراً لله شكراً عمليّاً، كما ألمحت إليه الآية المتقدّمة، كما أنّ المفترض بالأمة أن تقدّم الشكر لكلّ من ساعدها على تحقيق النصر، سواء في ذلك الدول الصديقة والشعوب والجماعات والأحزاب و.. لا أن تتنكّر لهم بعد نصرها، وتنسى خدماتهم لها بسرعة، ففي الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام): "من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل" (وسائل الشيعة 16: 313)، وفي خبر أبي سعيد الخدري عن رسول الله- أنّه قال: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله". (مسند ابن حنبل 3: 32).
كما أنّ المفترض تقديم الشكر القولي والعملي للشهداء والجرحى والأسرى وعوائلهم على ما قدّموه بتضحياتهم وصبرهم، فالأمة التي تنسى هؤلاء تكون ناكرةً للجميل، ولا يصحّ من الدولة أن تطالب الناس بالجهاد وهي لا تقابل ذلك بمجازاتهم بالحدّ الأدنى لذلك. إنّ إقامة مهرجانات الشكر لكلّ من ساهم في تحقيق النصر ـ وليس فقط للزعماء على حُسنه ـ لهو من دواعي البركة ودرّ الرحمة إن شاء الله تعالى، كما أنّ وضع برامج عملية للوقوف إلى جانب من ضحّى لأجل النصر ليس منّةً تمنّ بها الدول على شعوبها، بل واجبٌ ومسؤولية، وإذا نشرنا هذه الثقافة ربما نكون جديرين بانتصارات لاحقة في الأمّة على غير صعيد.
وهذا الكلام لا يجري فقط في المجال العسكري، بل في أيّ إنجاز تحقّقه الأمة، سواء عبر الحرب أم التقدّم العلمي أم غير ذلك، فالتقدير ـ أي تقدير الغير على عمله ـ يعدّ محفزاً مهمّاً للانطلاق وتحقيق المزيد من التقدّم والاندفاع.
وفي سياق الحديث عن تكريم الشهداء، يفترض بالأمة أن لا تتنكّر لهم، بل تظلّ تذكرهم ما أمكن، لا أن ترى ذهابهم أمراً عابراً؛ فهذا ما يترك أثراً على أسر الشهداء ويهييء الأمّة لثقافة التضحية عندما ترى من يحترم جهودها وتضحياتها، ومصاديق تكريم الشهداء وعوائلهم كثيرة، سواء على الصعيد المادّي أم المعنوي، وهي معروفة لا داعي للحديث عنها، وقصّة دعوة رسول الله - النساء للبكاء على حمزة بعد معركة أحُد (انظر ـ على سبيل المثال ـ: الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1: 183؛ والحاكم النيسابوري، المستدرك 3: 194)، تدلّ على ضرورة العزاء والتفاعل العاطفي، كما ورد عن رسول الله - أنّه لم يدخل في المدينة بيتاً غير بيت أم سُلَيم، وكان يقول: "إني أرحمها، قتل أخوها (وهو حرامُ بن مِلْحَان) معي (يقصد في بئر معونة)) "راجع: صحيح البخاري 3: 214؛ وصحيح مسلم 7: 145؛ والطبقات الكبرى 8: 428؛ وسير أعلام النبلاء 2: 306؛ والسيرة الحلبية 3: 73 و..)، كما أنّ رسول الله - قد قال ـ على ما في الرواية ـ بعد استشهاد جعفر بن أبي طالب، لزوجته: "أتخشين عليهم (يقصد أولاد جعفر) الضيعة، وأنا وليّهم في الدنيا والآخرة" (انظر: مصنف ابن أبي شيبة 8: 549)، هذا فضلاً عن نصوص فقهية عديدة تتحدّث عن الاهتمام بأسر الشهداء لا داعي للإطالة فيها (انظر: محمد خير هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية 2: 1231 ـ 1237).
ما هو النصر الحقيقيّ؟
اخلاقيات الانتصار
حفظ دماء الشهداء