مهدي السودان من المدعون للمهدوية
هو من ألمع شخصيات (السودان) البارزة، وهو حسني من جهة الأب، وعباسي من جهة الأم حسبما يقول مترجموه: " وقد استغل الأوضاع السياسية المتردية في (السودان) التي كانت ترزح تحت نير الحكم التركي الذي أحال الحياة فيها إلى حجيم لا تطاق، فأخذ يبشر بين السودانيين أنه الإمام المهدي الذي ينقذهم من ظلم الأتراك وجورهم، ويوفر لهم الحياة الكريمة التي ينعمون في ظلالها، وقد قصده أحد المشتغلين بالتنجيم، فحين ما التقى به خر على الأرض مدعيا أنه أغمي عليه، وبعد فترة رفع رأسه فسأله الحاضرون عن سبب إغمائه، فقال: نظرت أنوار المهدية على وجهه فصعقت من شدة تأثيرها على حواسي (1). وأذاع شيخ من (السودان) بين الناس أن زمن ظهور المهدي قد حان، وأنه سوف يشيد على ضريحي قبة، ويختن أولادي، وبعد وفاته قام المهدي ببناء قبة على ضريح الشيخ كما ختن أولاده (2).
ابتداء دعوته:
وكانت بداية دعوته بالمهدوية سنة (1881 م) وقد قام بالدعوة إليه تلامذته الذين كانوا منتشرين في معظم أنحاء (السودان)، وكان يغدق عليهم المال الوفير مما سبب تهالكهم للدعوة إليه.
من منشوراته:
ونشر المهدي مجموعة من المناشير بين السودانيين، يدعوهم فيها إلى طاعته، ولزوم أمره، وتصديق دعوته، وكان من جملتها هذا المنشور:
" الحمد لله الوالي، والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم وبعد:
من العبد المفتقر إلى الله محمد المهدي بن عبد الله إلى أحبائه المؤمنين بالله وبكتابه، أما بعد: فلا يخفى تغير الزمن، وترك السنن، ولا يرضى بذلك ذوو الإيمان والفطن، بل أحق أن يترك لذلك الأوطار والوطن لإقامة الدين والسنن، ولا يتوانى عن ذلك عاقل لأن غيرة الإسلام للمؤمن تجبره.. ثم أحبائي كما أراد الله في أزله وقضائه، تفضل على عبده الحقير، الذليل بالخلافة الكبرى من الله ورسوله، وأخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وآله بأني المهدي المنتظر وخلفني - عليه الصلاة والسلام - بالجلوس على كرسيه مرارا، بحضرة الخلفاء الأربعة، والأقطاب، والخضر عليه السلام.. وأيدني الله تعالى بالملائكة المقربين، وبالأولياء الأحياء والميتين من لدن آدم إلى زماننا هذا، وكذلك المؤمنون من الجن، وفي ساعة الحرب يحضر معهم أمام جيشي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بذاته الكريمة وكذلك الخلفاء الأربعة والأقطاب والخضر عليه السلام، وأعطاني سيف النصر من حضرته صلى الله عليه وسلم وأعلمت أنه لا ينصر على معه أحد، ولو كان الثقلين الإنس والجن.
ثم أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل لي على المهدية علامة، وهي الخال على خدي الأيمن، وكذلك جعل لي علامة أخرى تخرج راية من نور، وتكون معي في حالة الحرب يحملها عزرائيل عليه السلام فيثبت الله بها أصحابي، وينزل الرعب في قلوب أعدائي فلا يلقاني أحد بعداوة إلا خذله الله.
ثم قال لي صلى الله عليه وآله: إنك مخلوق من نور عنان قلبي، فمن له سعادة صدق بأني المهدي المنتظر، ولكن الله جعل في قلوب الذين يحبون الجاه النفاق، فلا يصدقون حرصا على جاههم، قال صلى الله عليه وآله: حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل، وجاء في الأثر إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم، وجاء في بعض كتبه القديمة لا تسأل عني عالما أسكره حب الدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فأولئك قطاع الطريق على عبادي ولما حصل لي يا أحبابي من الله ورسوله أمر الخلافة الكبرى أمرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى ماسة بجبل قدير، وأمرني أن
أكاتب بها جميع المكلفين أمرا عاما، فكاتبنا بذلك الأمراء ومشايخ الدين، فأنكر الأشقياء، وصدق الصديقون الذين لا يبالون فيما لقوه في الله من المكروه، وما فاتهم من المحبوب المشتهى بل هم ناظرون إلى وعده سبحانه وتعالى بقوله:
* (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين) *.
وحيث أن الأمر لله، والمهدية، أرادها الله لعبده الفقير الحقير الذليل محمد المهدي بن عبد الله، فيجب بذلك التصديق لإرادة الله، وقد اجتمع السلف والخلف في تفويض العلم لله سبحانه، فعلمه سبحانه لا يتقيد بضبط القوانين، ولا بعلوم المتفننين، بل " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " قال تعالى:
* (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء) * (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو) * (ولا يسأل عما يفعل) * (يختار ما يشاء) * (يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) *.
وقد قال الشيخ محي الدين ابن العربي: في تفسيره على القرآن العظيم علم المهدي كعلم الساعة والساعة لا يعلم وقت مجيئها على الحقيقة إلا الله، وقال الشيخ أحمد بن إدريس كذبت في المهدي أربعة عشر نسخة من نسخ أهل الله؟ ثم قال يخرج من جهة لا يعرفونها وعلى حال ينكرونه.
وهذا لا يخفى عليكم أن التأليفات الواردة في المهدي منها الآثار وكشف الأولياء وغير ذلك فيختلف كل منها كما علمت من أنه يمحو الله ما يشاء ومنها الأحاديث فمنها الضعيف والمقطوع والمنسوخ والموضوع بل الحديث الضعيف ينسخه الصحيح والصحيح ينسخ بعضه بعضا كما أن الآيات تنسخها الآيات وحقيقة ذلك عليما هي عليه لا يعرفها إلا أهل المشاهدة والبصائر هذا وقد أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأن من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله كررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وجميع ما أخبرتكم به من خلافتي على المهدية إلخ فقد أخبرني به سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة في حال الصحة وأنا خال من الموانع الشرعية لا بنوم ولا جذب ولا سكر ولا جنون بل متصف بصفات العقل أقفو أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر فيما أمر به والنهي عما نهى عنه.
والهجرة المذكورة بالدين واجبة كتابا وسنة قال تعالى * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) * وقال صلى الله عليه وسلم:
" من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق أبيه خليل الله إبراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام " وإلى غير ذلك من الآيات والأحاديث.
وإجابة داعي الله واجبة قال تعالى * (واتبع سبيل من أناب إلي) * فإذا فهمتم ذلك فقد أمرنا جميع المكلفين بالهجرة إلينا لأجل الجهاد في سبيل الله أو إلى أقرب بلاد منكم لقوله تعالى: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * فمن دخل عن ذلك دخل في وعيد قوله تعالى: * (قل إن كان آباءكم وأبناؤكم....) * وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكن انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا في الآخرة) *.
فإذا فهمتم ذلك فهلموا للجهاد في سبيله ولا تخافوا من أحد غير الله لأن خوف المخلوف من غير الله يعدم الإيمان بالله والعياذ بالله من ذلك قال تعالى * (فلا تخشوا الناس واخشوني) * وقال تعالى: * (والله أحق أن تخشوه) * لا سيما وقد وعد الله في كتابه العزيز ينصر من ينصر دينه، قال تعالى * (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) * وقال تعالى * (ألا تنصروه فقد نصره الله) * وحيث إن لم تجيبوا داعي الله وتبادروا لإقامة دين الله تلزمكم العقوبة عند الله تعالى لأنكم أدلة الخلق وأزمتها فمن كان مهمتها بإيمانه شفيقا بدينه حريصا على أمر ربه أجاب الدعوة واجتمع مع من ينصر دينه.
" وليكن معلومكم أني من نسل رسول الله صلى الله عليه وآله فإني حسني من جهة أبي وأمه وأمي كذلك من جهة أمها وأبوها عباسي.. " (3) وحكت هذه الوثيقة ضروبا من الافتعالات فقد زعم أن جميع ما بشربه وقال من أجله كان بإيعاز من النبي صلى الله عليه وآله وهو افتراء ومحض.
استيلاؤه على السودان:
وخاض المهدي معارك رهيبة مع حاكم السودان العام (رؤوف باشا المصري) فهزمت جيوشه (رؤوف باشا) وساقت الحكومة المصرية جيشا آخر لقتاله بقيادة جيش مصري ثالث بقيادة هيكس باشا فأبيد الجيش المصري وانقادت (السودان) كلها للمهدي وقطن المهدي (أم درمان) وأخذ يجمع الجموع للتغلب على (مصر) وأظهر عداءه العارم للإنكليز وقد استجابت له (السودان) وراسل الخديوي والسلطان عبد الحميد وملكة بريطانيا يخبرهم بدولته وأموره.
وفاته:
أصيب المهدي بحمى التيفوس وذلك في ليلة الأربعاء لأربع ليال خلون من شهر رمضان سنة (13ظ 2 ه ) واستمر به المرض أياما ولما شعر بدنو أجله استخلف من بعده عبد الله التعايشي وكان أميا وفى يوم الاثنين تاسع رمضان توفي وبويع بعده خليفته عبد الله التعايشي وبذلك انتهت حياته وهو ألمع شخصية في العالم العربي ادعت المهدية والنيابة العامة عن النبي صلى الله عليه وآله.
المصادر:
(1) السودان بين يدي غردون وكتشز
(2) السودان بين يدي غردون وكتشز
(3) تاريخ السودان القديم والحديث لنعوم شقير.
المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) بإجماع المسلمين سيكون من علماء هذه الأُمَّة
الإنتظار والصِّراع بين المستضعفين والمستكبرين
النضج الفكري من أسباب تأخر تطبيق دولة العدل الإلهي في الأرض
استيعاب النظرية الإلهية من أسباب تأخر تطبيق دولة العدل الإلهي في الأرض