عباد الرحمن في القران الكريم
( وَعِبادُ الرَحمنِ الَّذينَ يَمشُونَ على الاَرضِ هَوناً وإذا خَاطَبهُم الجَاهِلُونَ قَالوا سَلامَاً :الفرقان 63) الرحمن ربنا سبحانه يعرّف عباده بجملة من الآيات المباركات في نهاية سورة الفرقان ، ويبتدىء ذلك بهاتين الصفتين المذكورتين في الآية المتقدمة .
الصفة الاَولى : هي السير علي الاَرض هوناً أي بسكينة ووقار، بلا استعلاء وخيلاء .
الهون ، مصدر هان عليه الشيء يهون ، أي : خفَّ ، وهذا يعني أنّ مشيهم على الاَرض مشية مُرفِقٍ بها لا يثير غبارها ، لسهولة التعامل معها واللين في تماسها ، وخفّة الروح عليها . ومن كانت هذه صفته مع الاَرض التي يطأها فهو مع ساكنيها ـ من بني جنسه ـ أهون في تعامله وأرقّ في معاشرته وأخفّ في روحه .
وبهذه الكلمات يرسم القرآن صورة المؤمن الحقّ ظاهرةً وباطنةً فالمشية ككل حركة تعبير عن الشخصية وعمّا يستكن فيها من مشاعر، والنفس السوية المطمئنة الجادّة القاصدة تخلع صفاتها هذه على مشية صاحبها .
وليس معنى ( يمشون على الاَرض هوناً ) أنّهم يمشون متماوتين منكّسي الرؤوس متداعي الاَركان متهاوي البنيان ، كما يفهم بعض الناس ممن يريدون إظهار التقوى والصلاح ! فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا مشى تكفّأ تكفّئاً وكان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها.. قال الاِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مشى تكفّأ تكفُّؤاً كأنّما ينحطُّ من صبب (1) وهي مشية أُولي العزم والهمّة والشجاعة .
وأما الصفة الثانية : فهي ( إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) فهم لايمارون الجاهل ولا يقارعونه بالحجة تلو الحجة التي لا يستطيع هضمها وفهمها ، بل يرفقون به ويقدّرون مبلغ علمه ومستوى جهله ويرأفون بحاله ولا يسمعونه ما يثقل عليه من كلمات تجرح شعوره مما هي فيه وهو أهلها ويستحقها لغروره وتبلّد ذهنه إذ وضع نفسه الوضيعة في غير موضعها ، بل راح يتعالى عليهم بمخاطبتهم . وهذا يعني : أن الجاهل يبلغ به عجبه بنفسه وعلمه بأن يرى الآخرين ـ وإن كانوا علماء ـ هم دونه في المستوى، وعند ذلك تسمح له تصوراته المغرورة هذه في تنصيب نفسه خطيباً عليهم ، له أن يتكلّم وعليهم أن يسمعوا .
نعم ، فاذا كانت هذه حقيقة ماثلة في أغلب النفوس ، وهي كذلك ، فلماذا لا يرفق العالم بالجاهل ، والاَعلم بالمتعلم ، ويقول له : سلاماً ، في المواضع التي يتطاول فيها الجاهل ، ويترك للزمن إقناعه ، وللمراحل التي يلزم طيها حتى يبلغ الفهم ويبلغ التواضع للحقيقة التي يُراد له الوصول إلى فهمها وبلوغها ؟
الرحمانيون :
فمن لم يتلطف ويرأف بهذه النفوس المريضة بداء الجهل والغرور ، ولم يداوها بدواء الرفق والسماحة فليس هو بالحكيم الذي يضع الاُمور في محلها ، كما هو ليس أهلاً بأن ينسب إلى الرحمن بالعبودية ( وعِبادُ الرَحمنِ الَّذينَ يَمشُونَ على الاَرضِ هَوناً وإذا خَاطَبهُم الجَاهِلُون قَالُوا سَلاماً: الفرقان 63)
الرفق والرحمة .
والرحمانيون من النمط الاَول تجلت وتجسدت بهم الرحمة المطلوبة في حياتهم الرسالية بكلِّ وضوح ، وهم الاَنبياء والاَوصياء والصلحاء ، والآيات في ذلك كثيرة ، إذ إنهم مأمورون بمكارم الاَخلاق .
اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي – تبيان
المصدر:
(1) تاريخ الطبري 2 : 221 .
قيمة التسامح الديني
اللين مطلوب حتى مع الأعداء
اللين والعفو في القران الكريم
خفض الجناح في القران الكريم