آسيا بنت مزاحم
إن هذهِ السيدة كانت تعيش في أسوءِ ظروف يمكن لامرأة أن تعيشها!.. فهي زوجة أعتى رَجل في تأريخ البشرية، إنسان يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)، هذهِ العبارة السخيفة التي يهتزُ لها عَرشُ الرحمن، لم ينقلها القُرآن الكريم عن غيرِ فرعون.. وإذا بآسية تَعيش في كَنفِ هذا الزوج، ولكن أنظروا إلى إيمانها الذي أصبح يُضرب فيه المثل، يقول تعالى في كتابه الكريم: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).. فهذه المرأة مثالٌ للجميع، وحُجةٌ على الجميع: نساءً ورجالاً، فقد قال تعالى: (لِّلَّذِينَ آمَنُوا)؛ أي لم يَقل لخصوص النساء، بل هي مثل للرجال أيضاً.. والذي جعل آسية متميزة ومضرباً للمثل؛ هو:
- استقامتها.. إن استقامة آسية في مجال العقيدة، هو الذي جعلها متميزة، فهي لم تكن مُتعرضة لفتنة الرجال -مثلاً- لأنها كانت تعيش في قَصر فرعون، ولا أحد يجرؤ على الدخول إلى ذلك القصر!.. إنما استقامت في عبادة رَبِها، وتحملت الرياح المُعاكسة.. وبالتالي، فإن على المغترب أن يعلم: أنَ الاستقامة في المجتمعات الفاسدة؛ من موجبات هطول الرحمة الإلهية والتَميز، كتميز هذهِ المرأة الجليلة.. وهذه الآية القرآنية (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)فيها نُكتة بلاغية:
أولاً: قال القرآن الكريم: (امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)ولم يقل: زوجة فرعون؛ لأن الزوجية رباط مُقدس.
ثانياً: (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ).. علماء التفسير عندما يصلونَ لهذهِ الآية، يشيرونَ إلى نوعينِ من النعيم؛ هما:
1. العندية.
2. الجَنة.
إن بيوت الجنة على درجات، فهذه الأيام "البيوت" تُطلقُ على الأكواخ في الغابات، وتطلق على القصور؛ فهذا بيت وهذا بيت.. وكذلك الأمر بالنسبة إلى بيوت الجَنةِ، فهي على درجاتٍ لا تحتملها العقول!.. بَعضُ هذهِ البيوت عندَ اللهِ عزَ وجل، وآسية بنت مُزاحم تُريد قَصراً مُتميزاً من هذا النوع: هذا القصر فيهِ نَعيم مادي، وفيهِ نعيم معنوي أيضاً؛ وهو قرب رب العالمين!..
ثالثاً: (وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).. إن آسية كانت مُبتلاة بزوج شرير، وبمجتمع فاسد، لذا طلبت من الله -عز وجل- النجاة.. والمؤمن أيضاً إذا ابتلي ببيئة منحرفة، عليه أن يسأل الله -عز وجل- أن يُنجيّه منها.. فالبعض يذهب إلى بلاد الغرب لإكمال دراسته، وإذا به يصبح مواطناً في تلكَ البلاد.. وعندما يرجع لزيارة وطنه، يكون إنساناً ممسوخاً: في دينهِ، وفي عقلهِ، وفي زيهِ، وحتى في ذُريته.. بينما المؤمن الحريص على دينه، إن اضطر للذهاب إلى تلك البلاد: سواء في رحلة علاجية، أو سفرة دراسية؛ فإنه يعود إلى بلاد المؤمنين، حيثُ كلمة "لا إله إلا الله" ترتفعُ من المآذن، حيث صلاة الجُمعة والجماعة.. ولكنّ هناك فَرداً واحداً فقط، هذا الإنسان بقاؤهُ في بلاد الغَرب خَيرٌ له، وإنما بشرطِ عَدم تأثر عائلتهِ وأولادهِ: وهو الشخص الذي يقوم بنشر الدين، وترويج شريعة خاتم المُرسلين.. وهذا ينطبقُ على العُلماء، وعلى من هو في رَكب العُلماء ومُلحَق بِهم؛ وإلا عامة الناس فإن عليهم أن يطلبوا من الله -عز وجل- النجاة من القَوم الظالمين.
قصة أصحاب الأخدود
رحمة ترفع عذاباً
قصة مريم في القرآن
الإمرأة الصالحة في القران
قصة موسى والخضر عليه السلام