مجالسة اهل المعاصي و اثاره
في المتون الإسلامية باب بعنوان (المجالسة وتأثيرها في الاتجاه الموجب والسالب) فان لمجالسة الصالحين آثاراً حسنة جداً، ولمجالسة الطالحين وأهل السوء آثاراًٍ سيئة جداً، وهذا ما لا يمكن تجنبه، اي أن الإنسان كلما أراد أن يضبط نفسه ويمسكها عن التأثر بمن يعاشره فإنه لابد وأن يتأثر به بنسبة ما.
من هنا أكدت الروايات كثيراً على اتخاذ الأصحاب من المؤمنين الصالحين، وضرورة الابتعاد عن قُرنَاء السوء، لما لذلك من أثر طيب على المرء في اخلاقه وأعماله، بل وفي دينه، يقول الإمام علي عليه السلام: "احذر مجالسة قرين السوء فإنه يهلك مقارنه ويردي مصاحبه".
قال الرسول الأكرم( صلّى الله عليه وآله وسلّم) :" المرء على دين خليله " والمقصود من ذلك هو أن عليكم أن تصادقوا من ترضون دينه.
قال تعالى والظاهر أن الخطاب لموسى ابن عمران (عليه السلام) : (فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى) فهو سبحانه يحذر موسى بأن لا يمنعه الناس ولا يصدوه.
فهذا المنع غير المنع الإجباري كمنع فرعون وصده لك عن قيامك بالعمل، لأن هذا المنع يتبعه كلام آخر: واتبع هواه فتردى أي لا يصدنك عنها متتبع الهوى فتهلك أنت أيضاً.يستنبط من هذه الآية أن موسى أمر بأن يراقب نفسه وينتبه إلى تأثير أهل السوء عليه.وليس المعنى أن يعتزل أهل السوء بل معناها التحذير من آثار معاشرة أهل السوء.وإلا فمن سيدعوه موسى إلى الإيمان.
لذلك يجب أن يكون الإنسان اختيار وانتخاب في المعاشرة أيضاً.فالمعاشرة الأخلاقية غير معاشرة المعلم والمتعلم، ولا معاشرة المربي مع من هم تحت امرته.والمقصود هو اختيار الأنيس، فلكل إنسان في هذه الدنيا صديق ورفيق، الرفيق الذي يأنس به ويعاشره.فلأجل تربية النفس والأخلاق يجب اختيار الصديق والأنيس الحسن.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلسا يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره.
عن الجعفري * قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟ فقال:
إنه خالي، فقال: إنه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله ولا يوصف، فإما جلست معه وتركتنا وإما جلست معنا وتركته؟ فقلت: هو يقول ما شاء أي شئ علي منه إذا لم أقل ما يقول؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى (عليه السلام) وكان أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه وهو يراغمه حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فاتي موسى (عليه السلام) الخبر، فقال:
هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع.
عن أبي عبد الله (عليه السلام): لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهر والبراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب.
وعنه (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة: الماجن (من لا يبالي قولا وفعلا) والأحمق والكذاب، فأما الماجن فيزين لك فعله ويحب أن تكون مثله ولا يعينك على أمر دينك ومعادك ومقارنته جفاء و قسوة، ومدخله ومخرجه عليك عار، وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه وربما أراد منفعتك فضرك، فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه، وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ينقل حديثك وينقل إليك الحديث، كلما أفنى أحدوثة مطها بأخرى حتى أنه يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم.
عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال لي علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) : يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق اربعة فقلت: يا أبه من هم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك باكلة أو أقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاث مواضع: قال الله عز وجل: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (محمد22-23) " وقال: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار (الرعد: 24) " وقال في البقرة: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (البقرة 27) ".
عن شعيب العقرقوفي قال، سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قول الله عز وجل: " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها.. إلى آخر الآية (النساء: 137) " فقال: إنما عنى بهذا:
[إذا سمعتم] الرجل [الذي] يجحد الحق ويكذب به ويقع في الأئمة فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس مجلسا ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن.
عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يقوم مكان ريبة.
عن إسحاق ابن موسى قال: حدثني أخي وعمي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاثة مجالس يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم: مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه، ومجلسا ذكر أعدائنا فيه جديد وذكرنا فيه رث، (الشئ البالي)، ومجلسا فيه من يصدعنا وأنت تعلم، قال: ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) ثلاث آيات من كتاب الله كأنما كن في فيه - أو قال [في] كفه -: " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ". " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ". " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب "(النحل: 116).
الوقاية:
وهي بمعنى التوقِّي من أول الأمر بالحيطة والحذر، وتجنب ما يؤدي إلى الوقوع في المعاصي والأخلاق السيئة، وهي أفضل وأسهل وسيلة لتهذيب النفس، لأن النفس قبل إصابتها وتلوثها تكون أكثر استعداداً للتخلق بأخلاق الله وعمل الخير، وتكون أقدر على مواجهة إغراء الدنيا ووسوسة الشيطان، ولذا فإن ترك المعاصي أيسر من الحصول على التوبة.يقول الإمام علي عليه السلام: "ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً".ولذلك فإن عمر الشباب هو عمر مناسب جداً لهذا الأمر، حيث ينبغي ألا يكون قد حصل التلوث بحبِّ الدنيا في هذا العمر.
واذا ابتلى الإنسان بالمعاصي وسوء الخلق، فإن أفضل وسيلة لعلاج ذلك هو الترك المباشر والدفعي للمعاصي، والتوبة مباشرة بتصميم قاطع، وإرادة قوية، والتغلب على الشيطان والنفس الأمارة بالسوء دفعة واحدة، وربما يحصل هذا الأمر نتيجة سماع آية أو حصول حادثة أو غير ذلك، ويمكن أن نلحظ هنا ذلك التحول الكبيروالسريع الذي حصل في حياة بشر الحافي، ولم يكن هذا التحول إلا نتيجة كلمة قالها الإمام الكاظم عليه السلام وهي: " لو كان (بشر) عبداً لخاف من مولاه".وبالترك المباشر والدفعي للسيئات، نقطع الطريق على إبليس وأعوانه، ونتخلص من هذه الأمراض كما تخلص منها بشر الحافي.
(*) الجعفري هو أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري وهو من أجلة أصحابنا ويقال: إنه لقى الرضا إلى آخر الأئمة (عليهم السلام) وأبو الحسن يحتمل الرضا والهادي عليهما السلام ويحتمل أن يكون سليمان بن جعفر الجعفيري كما صرح به في مجالس المفيد. و " يقول " أي الرجل و " فقال " أي ذلك الرجل وكونه كلام بكر والضمير للجعفري بعيد وفى المجالس: " يقول لأبي " وهو أظهر ويؤيد الأول.
المصادر:
1-اصول الکافي
2-کتاب التربية و التعليم في الاسلام