العصر الذهبي لحكم الساسانيون (498-622)
العصر الذهبي بَدأَ بعد اعتلاء الملك قباذ الثاني لعرشه، وبدعمِ من الهيفثليتيس انطلقتُ حملة الملك قباذالأول ضدّ الرومان سنة في 502 م واحتل مدينة ثيودوثيوبليس في أرمينيا للأمبراطورية الساسانية، وفي سنة 503 م احتل أميدا (ديار بكر) الواقعة على ضفاف نهر دجلة، وفي سنة 505 م تم غزو بواسطة الهون الغربيين القادمين من القوقاز مما أدّى إلى هدنةِ دفع خلالها الرومان الإعانات الماليةَ للفُرْس لصيانةِ التحصيناتِ على القوقاز، وفي سَنَةِ 525 م قَمعَ الملك قباذ الأول الثوراتَ في لازيسا واستطاع استرداد جورجيا، واستطاع جيش الملك قباذ الأول هزيمة الجيش البيزنطي بقيادة بيليساريوس المشهور مرّتين، مرة في سنة 530 م في معركةِ نيبيس، والمرة الثانية في سَنَةِ 531 م في معركةِ كالينيكوم، وبالرغم من أن الملك قباذ الأول لم يستطع أن يُحرّرَ نفسه مِنْ سيطرةِالهيفثليتيس إلا أنه نَجحَ في إعادة مقاتلةِ الرومان بنجاح، أَسّسَ الملك قباذ الأول عِدّة مُدن، البعض مِنها سُمّى على اسمه، وبَدأَ بتَنظيم النظام الضريبي.
بعد الملك قباذ الأول جاء اعتلى العرش ابنه كسرى الأول (532-579) المعروف بأنوشِروان (الروحِ الخالدة)، والملك كسرى الأول هو الأكثر شهرةً بين الملوك الساسانيين بسبب إصلاحاتِه في السلطة الساسانية الحاكمة، وفي إصلاحاتِه قدّمَ نظام بطاقات تموينية في النظام الضريبي، مستنداً في ذلك على مسح أملاكِ النبلاءالتي هبطت أسعارها نتيجة حجز المزدكية الشيوعية وتأميمها لها، ومع النظام الضريبي الذي بدأه أبوه الملك قباذ بَدأَ الملك كسرى الأول بتجربة كل الطرق لزيَاْدَة الرفاهيةِ والعائداتِ لإمبراطوريتِه، وأعاد جميع النبلاء الإقطاعيين العظماء السابقين إلى أجهزتِهم العسكريةِ الخاصةِ وأعاد لهم أتباعِهم وخدمِهم، وطوّر الملك كسرى الأول قوة جديدة للدهاقنة (نبلاء القرى) والفرسان فقد جعل مصروفاتهم وتجهيزاتهم على الحكومةِ المركزيةِ للدولة، فقد كان تجهيز الجيش الساساني مسؤولية النبلاء في الدولة وكانوا في فترة السلم يستخدمون الجنود في حقولهم ويلزمونهم بالعمل كخدم، ولكن الملك كسرى الأول ربط الجيشَ مباشرةً بالحكومةِ المركزيةِ مِنْ أكثر من ارتباطهم بالسابق بالنبلاء المحليّينِ.
وبالرغم من أن الإمبراطورِ البيزنطي جوستينيان الأول (527-565) دَفعَ 440 ألف قِطَعِة من الذهبِ للمُحَافَظَة على السلام مع الفرس، ولكن في سنة 540 م كسر الملك كسرى الأول معاهدة السلام الأبدي مع الرومان التي حصلت في 532 م، وغَزا الملك كسرى الأول سوريا، حيث حاصر بشكل مؤقت مدينةَ أنطاكية، وجمع الملك كسرى أموالاً من المدن البيزنطية المختلفة في طريق عودته.
وفي سنة 565 م، مات الملك البيزنطي جوستينيان الأول وَخَلَفَهُ الملك جستين الثّاني (565-578) الذي صمّمَ على إيقاف الإعانات الماليةِ للزعماءِ العربِ لإعاقتهم عن مُهَاجَمَة الأرضِ البيزنطيةِ في سوريا، في السنوات السابقة كان الساسانيون يحكمون أرمينيا بعائلةِ سورين وبَنوا معبد نارِ في مدينة ديفين قُرْب مدينة يريفان حديثة عاصمة أرمينيا، ولكن بموت العضو المؤثرَ لعائلةِ ماميكونيان، قامت ثورة أدّتْ إلى مذبحةِ الحاكمِ الفارسيِ وحارسِه في سنة 571 م، الإمبراطور جوستين الثّاني إستغلَّ الثورةِ الأرمينيةِ لإيقاْف دُفْعاتِه السنويةِ للملك كسرى الأول وقام بالتحالف مع الأرمن، الأرمن رحبوا به كحلفاء، وأرسل جيشه إلى الأراضي الساسانية، فحاصر جيشه مدينة نيبيس في سنة 572 م، على كل حال، حصل خلاف بين الجنرالاتِ البيزنطيينِ الذي أدى ليس فقط إلى ترك الحصار على نيبيس، ولَكنَّهم بعد ذلك حوصروا في مدينةِ دارا التي احتلها الفُرْس ثم بعد ذلك قام الفرس بتدمير سوريا، مما اضطر الإمبراطور جوستين الثّاني لطلب السلامِ، أما الثورة الأرمنية فقد انتهتْ بعفو عام مِنْ الملك كسرى الأول الذي أعادَ أرمينيا إلى الإمبراطورية الساسانية.
حوالي سنة 570 م، معد يكرب سيف بن ذي يزن الأخ غير الشّقيق لملكِ اليمن الذي خلعه الملك الحبشي أبرهة طَلبَ من الملك كسرى الأول المساعدة لخلع ملك الحبشة الذي يحكم اليمن مسروق بن أبرهة وتولي العرش مكانه، فأرسل الملك كسرى الأول بسرعة جيشاً صغيراً تحت بقيادة فاهريز إلى اليمن قُرْب مدينة عدن الحالية، ورافق معد يكرب الحملة الفارسية، وانتهت المعركة وأصبحَ ملكاً في وقت ما بين سنتي 575 م و577 م. وهكذا كسب الساسانيون حليفاً لهم في اليمن ما جعلهم قادرين على تَأسيس قاعدة في جنوب بلاد العرب للسَيْطَرَة على التجارةِ البحرية في الشرقِ، وتَركَ الساسانيون لاحقاً المملكةُ العربيةُ الجنوبيةُ ثم أرسلوا لها بعثة فارسية أخرى في سنة 598 م التي انتهت بنجاح بحيث جعلت جنوب بلاد العرب محافظة تابعة للدولة الساسانية واستمرت كذلك حتى ظهرت المشاكلِ بعد الملك كسرى الثاني.
عهد الملك كسرى الأول شهد ازدياد قوة الدهاقنة وهم نبلاء القرى، طبقة النبلاء التافهة التي كانت تحوز العقارات التي كَانتْ العمود الفقري مِنْ لإدارة الساسانيين الإقليمية وكذلك النظام الضريبي الذي أسسه الملك كسرى الأول، الملك كسرى الأول كَانَ بنّاء عظيم، قام بتحسين رأس مال الدولة بتأسيس البلداتَ جديدةَ، وبناء البناياتَ الجديدةَ، وإعادة بناء القنواتَ وتجهيز المزارع مجدّداً التي حطمتها الحروب، بَنى تحصيناتَ قويةَ في الترخيصاتِ، وقام الملك كسرى الأول بوضع القبائل في البلداتِ المُختَاَرةِ بعناية على الحدودِ ليجعل هذه القبائل موالية للفرس وتصد المحتلين، الملك كسرى الأول كَانَ متسامحاً مع كُلّ الأديان، ومع ذلك أَمرَ بأنّ الزرادشتية يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الدين الرسميَ للدولة، ولَمْ ينزعج كثيراً عندما اعتنق أحد أبنائِه المسيحية.
بعد الملك كسرى الأول تولى العرش الملك هرمز الرابع (579-590) وكَانَ أيضاً حاكماً نشيطاً وقد واصلَ النجاحَ والازدهارَ اللذَيْن أَُسّسا مِن قِبَلِ أسلافِه، وأثناء عهدِ كسرى الثاني (590-628) ثار الجنرال برهام تشوبين (الملك برهام الخامس) المنافس للملك كسرى الثاني عليه ودخلت الإمبراطوريةَ سريعاً في أزمة، ولكن الأزمةَ لم تدم طويلاً، وكسرى الثاني أسس قوته مسيطراً بذلك على الإمبراطوريةِ، وقام بإِسْتِغْلال الحرب الأهلية في الإمبراطوريةِ البيزنطية وانطلق مع جيوشه باحتلال شامل للأراضي البيزنطية، فقد كاد حلم كسرى الثاني بإعادة حدود الإمبراطورية الأخمينية السابقة يتحقق وكاد أن يكتمل بسقوط القدس ودمشق في يده، وكذلك مصر سَقطتْ مباشرة بعد ذلك، وفي سنة 626 م أصبحت مدينة القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية تحت حصار السلافيين والأوراسيين المتحالفين مع الفرس، هذه القمة في التوسع الساساني كان يرادفها في نفس الوقت قمة تَفَتُّح الفن الفارسيِ والموسيقى والهندسة المعمارية في بلاد فارس وبحلول سنة 622 م كانت الإمبراطورية البيزنطية على حافة الانهيارِ وحدودِ الإمبراطوريةِ الأخميدية السابقة على كُلّ الجبهات احتلها الساسانيون ما عدا أجزاءِ من الأناضول.
اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
المجتمع الإيراني تحت الحكم الساساني
السلالة الساسانية
أردشير الأول و توسّعِ الإمبراطورية الساسانية
الساساني شابور الثّاني