الأمويين و سياساتهم الرعناء تجاه أهل البيت (عليهم السلام) والأمة (2)
4- سياسة التجهيل :
التي كانت تتعرض لها الأمة بأسرها ، ويكفي أن نذكر : أن الناس والهاشميين بالذات كانوا في زمن السجاد (عليه السلام) ، لا يعرفون كيف يصلون ، ولا كيف يحجون (1) .
وإذا كانت الصلاة ، التي هي الركن الأعظم في الإسلام ، ويؤديها كل مكلف خمس مرات يومياً ، كان لا يعرف حدودها وأحكامها من هم أقرب الناس إلى مهبط الوحي والتنزيل ، والذين يفترض فيهم أن يكونوا أعرف من كل أحد بالشريعة ، وأحكام الدين ، فكيف تكون حالة غيرهم من أبناء الأمة ، وما هو مقدار معرفتهم بالشريعة والدين إذن ؟ وما هو مدى معرفة الأمة وبالأخص من هم أبعد عن مصدر العلم والمعرفة بالأحكام الأخرى التي يكون التعرض لها والابتلاء بها أقل ؟! ، إننا نترك الجواب عن ذلك إلى أنس بن مالك الذي يقول – على ما رواه البخاري والترمذي – ما أعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله (ص) ؟ قيل: الصلاة ؟
قال: أليس صنعتم ما صنعتم فيه (2) ، وقال الزهري: دخلنا على أنس بن مالك بدمشق – وهو وحده – يبكي قلت: ما يبكيك ؟ قال : لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة ، وقد ضيعت (3) .
وبعد عصر أنس بقليل نجد الحسن البصري يقول : لو خرج عليكم أصحاب رسول الله (ص) ما عرفوا منكم إلا قبلتكم (4).
وروى مالك في الموطأ عن عمه عن جده مالك أنه قال : ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء للصلاة (5).
فنقل السيوطي في شرحه عن الباجي قوله : يريد الصحابة ، وأن الأذان باقٍ على ما كان عليه ، لم يدخله تغيير ولا تبديل بخلاف الصلاة ، فقد اخرت عن أوقاتها ، وسائر الأفعال دخلها التغيير انتهى (6) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لو أن رجلين من أوائل هذه الأمة خلوا بمصحفيهما في بعض هذه الأودية لأتيا الناس اليوم ، ولا يعرفان شيئاً مما كانا عليه (7) .
وبعد هذا.. فإن من الطبيعي أن يعتبر من حفظ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعض الأحاديث – أربعين حديثاً مثلاً أو عرف بعض الأحكام – إن من الطبيعي أن يعتبر أنه أعلم الناس وأعظمهم في وقته وعصره ، ولاسيما إذا أضاف إلى ذلك وزاد عليه ما شاءت له قريحته ، وسمحت به نفسه ، حيث لا رقيب عليه ولا حسيب ، ولا من يستطيع أن يميز هذا عن ذاك .
ولذلك نجد أن سوق الكذابين والوضّاعين وحتى بعض من أسلم من أهل الكتاب ، نجد أن سوقهم قد راج ، وصاروا هم أهل العلم والمعرفة والثقافة للأمة ، حينما انضووا تحت لواء الحكام ، وأبعد أهل البيت (عليهم السلام) عن الساحة ، وأجبروهم على التخلي عنها ، حتى لنجد أن الإمام السجاد (عليه السلام) يقول في دعائه الخاص بيوم الجمعة وعرفه (8) :
اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ، ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها ، قد ابتزوها حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين ، يرون حكمك مبدلاً وكتابك منبوذاً وفرائضك محرفة ، عن جهات أشراعك ، وسنن نبيك متروكة
بل نجد الإمام السجاد (عليه السلام) أيضاً يقول للقاسم : ( إياك أن تشد راحلة ترحلها هنا لطلب العلم ، حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ) (10) ، وكان السجاد (عليه السلام) إذا سافر صلى ركعتين ثم ركب راحلته ، وبقي مواليه يتنفلون ، فيقف ينتظرهم ولا يمنعهم من ذلك مع أن النوافل في السفر غير مشروعة ، بل نجد أن علياً (عليه السلام) قبل ذلك يشكو من عدم تمكنه من إظهار علمه ونشره ، فهو يتلهف ويقول : إن في صدري هذا لعلماً جماً ، علمنيه رسول الله لو أجد حفظة ، كما أن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول ما يقرب من هذا .
وعلي (عليه السلام) أيضاً يتنفس الصعداء على المنبر ويقول : ( سلوني قبل أن تفقدوني ، فإن بين الجوانح مني علماً جماً ، هاه هاه ألا لا أجد من يحمله) .
وقال (عليه السلام) : ( لو أجد ثلاثة رهط استودعهم العلم ، وهم أهل لذلك لحدثت بما لا يحتاج فيه إلى نظر في حلال ولا حرام ، وما يكون إلى يوم القيامة ) .
وكذلك هو يقول إنه لو حدثهم ببعض ما يعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل على محمد ، لتفرقوا عنه حتى يبقى في عصابة حق قليلة (11) .
فإذا كان هذا هو حال الأمة في زمن علي (عليه السلام) ، ولم يكن الأمويون بعد قد تسلطوا على الأمة بشكل فعال ، فكيف كان حال الناس بعده في زمن معاوية وزمن يزيد ؟ ، الذي أخذ مسرف بن عقبة البيعة من أهل المدينة على أنهم خول له ، والذي قتل الحسين (عليه السلام) ، ونصب المنجنيق على الكعبة ، ثم بعده عبد الملك بن مروان ، والحجاج وغيرهم من جبابرة وملوك بني مروان ؟! .
اعداد : سيد مرتضى محمدي
القسم العربي – تبيان
المصادر:
(1) راجع: كشف القناع عن حجية الإجماع ص67.
(2) ضحى الإسلام ج1 ص386 وراجع: الصحيح من سيرة النبي(ص) للمؤلف ج1 ص28.
(3) جامع بيان العلم ج2 ص244وراجع: الصحيح من سيرة النبي(ص) للمؤلف ج1 ص28 حول مصادر أخرى.
(4) جامع بيان العلم ج2 ص244/245.
(5) الموطأ ( المطبوع مع تنوير الحوالك ) ج1 ص93 وجامع بيان العلم ج2 ص244.
(6) شرح الموطأ للزرقاني ج1 ص221 وتنوير الحوالك ج1 ص93-94 عن الباجي.
(7) الزهد والرقائق لابن المبارك ص61.
(8) الصحيفة السجادية، دعاء رقم 48.
(9) راجع: الصحيح من سيرة النبي(ص): التمهيد.
(10) كشف القناع عن حجية الإجماع ص66.
(11) راجع المصدر السابق ص66-69.
كيف ما قبلته كأخيه الحسن ؟
تسابق الحسنين
إحياء الموتى بدعائه عليه السلام
قيام رسول الله صلي الله عليه واله وسلم لسقايته عليه السلام