تاريخ المسرح في إيران
يعود تاريخ إنشاء المسرح على الطراز الأوروبي في إيران إلى ما يقارب القرنين فالآثار المسرحية التقليدية بمعناها الحقيقي يصل عمرها إلى ثلاثة قرون خلت حيث تتجسد بتمثيلية التعزية الدينية وغير الدينية كان أبرزها /خيمة شب بازي/ أو مسرح الدمى /نقالي/ إضافةً إلى فن الحكواتي و/تخت حوضي/.
وتذكر فاطمة برجكاني مؤلفة كتاب/تاريخ المسرح في إيران/ الصادر حديثاً عن مركز تنمية الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي أن المسرح الفارسي كان له جذور قديمة جداً ارتكزت بشكلٍ أساسي على الأدب والثقافة والشعر فقد أقُيمت احتفالات في إيران ما قبل الإسلام من المحتمل أن يكون نسي الكثير منها لكن المؤكد أنها تمتعت بطابعٍ مسرحي فتطورت أحياناً وتوقفت أحياناً أخرى حتى أصبح المسرح الإيراني على ما هو عليه اليوم.
ويعتبر الكاتب والمخرج المسرحي الإيراني /آخوندزاده/ أول من تعرف على المسرح الأوروبي بمفهوم العلبة الإيطالية فقد تأثر /آخوندزاده/ بالمسرحية الإيطالية ناقلاً إياها إلى إيران فاشتهر بعد انتشار مسرحياته التي ترجمت إلى اللغات الأخرى كالروسية والفرنسية والألمانية والإنكليزية والنرويجية كما عُرف /آخوندزاده/ بألقاب.. /موليير الشرق.. غوغول قوقاز.. موليير أذربيجان/.
وبدأت الكتابة المسرحية بعد /آخوندزاده/ على يد كتاب آخرين فكان /ميرزا آقا التبريزي/ أول إيراني كتب مسرحيات باللغة الفارسية متأثراً بمسرحيات /آخوندزاده/ لتبدأ الفرق المسرحية بالظهور في أنحاء المدن الإيرانية في اطار علاقة المسرح في إيران بالمسرح الغربي لكن العلاقة المسرحية بين إيران والعالم العربي تكاد تكون منعدمة كما تقول /فاطمة برجكاني/ عن تاريخ المسرح في بلادها.. /في بلادنا لا نرى محاولات جدية للأخذ أو العطاء بين المسرح العربي والمسرح الإيراني وإذا كان هناك عمل أو اثنان فهذا قليل جداً لذلك فإن القارئ العربي جاهل في هذا المجال وأحياناً يقتصر علمه على معلومات أولية/.
وعرف الإيرانيون المسرح منذ فترة ما قبل الإسلام حيث تشهد على ذلك الرسوم التي تم الحصول عليها من حفلات الرقص الجماعي حول النار التي وجدَت على قطع من الفخار ينسب تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد إذ حصل الباحثون على صورة شخصين يؤديان الرقص الجماعي وعلى وجهيهما قناع بشكل ماعز جبلي إذ تدل هذه الصورة على عقيدة دينية في تلك الفترة كما تدل عليها أيضاً صور أخرى وجدت في خوارزم.
كذلك ظهر نوع آخر من المسرح في إيران القديمة في المجتمعات القبلية كسرد القصص الذي اعتبرته الباحثة الإيرانية نوعا مسرحيا فرديا مهد فيما بعد لظهور المسرح الجماعي فكان أهل القبيلة يجلسون ويستمعون إلى حكاياتٍ يسردها عليهم رئيس القبيلة أو بطلٍ فيها كاهن أو مشعوذ.
أساليب مشهدية كثيرة استخدمها المسرحيون الإيرانيون في العصور اللاحقة كاستخدام الأقنعة واللجؤ إلى حركات تساعد على نقل الكلام إلى المشاهد حيث هناك مستندات ووثائق تاريخية تدل على بعض تلك المشهديات كتعزية الناس في مدينة بخارى بموت /سياوش/ البطل الأسطوري الذي تصل جذوره إلى أربعة آلاف من السنين لاسيما عندما يقوم أحد الأشخاص بتمثيل سياوش نائماً في تابوت يحمله عدد من الرجال.
كذلك كان هناك في إيران القديمة ممثلون يرافقون الجيوش في تنقُّلها إلى أماكن بعيدة للحروب بهدف تسليتهم عند توقفهم أو لتحريض روح النضال عن طريق تنفيذ الرقصات المسرحية الحربية فكان هؤلاء الممثلون يتركون أشكالاً من مسارحهم في المناطق التي يعبرونها حيث يقال إن شخصاً من آسيا الصغرى نفذ مسرحاً حربياً في سنة 400 قبل الميلاد.
ويمكننا التعرف أكثر على تاريخ المسرح في بلاد فارس القديمة من خلال التبادل والتأثير الثقافي بين الغرب والشرق القديمين من خلال الفترة التي حكم فيها السلوقيون اليونانيو الأصل إيران لفترة قصيرة ومن ثم في حكم الأكانيين الذين كانت لديهم رغبة بالتعرف على الحضارة اليونانية وثقافتها فالحروب الطويلة في الفترات القديمة أدت إلى مبادلة ثقافية واسعة بين إيران و يونان القديمتين.
وتستشهد الكاتبة برجكاني في بحثها الشيق بكتاب العهد الإسلامي في إيران عبر احتفالات بدأت منذ ما قبل الإسلام كان فيها جوهر مسرحي مثل لعبة /الرجل الأصلع/ التي ما تزال في بعض القرى الإيرانية البعيدة خاصة في محيط مدينة شيراز التي يطلق عليها السكان هناك لعبة /مير نوروزي/ كما أن هناك لعبة أخرى تقام في الخامس عشر من شهر كانون الأول وكانون الثاني يصنعون فيها مجسماً للوجه من العجين أو من الطين ويضعونه على الطريق ويخدمونه كما يخدمون الملوك ثم يحرقونه في النار حيث يقال إن هذه اللعبة تمثل الملك الذي يضعونه على العرش ثم يقتلونه.
ليس التمثيل وحده من كان له حضور في كتاب الباحثة المسرحية بل كان الرقص أيضاً له هذا المظهر المسرحي إذ تتحدث الكاتبة عن رقص المحاربين أو رقص العبادة كرقص النساء لعبادة الإلهة /أناهيد/ لطلب الماء والمطر أو الرقص للمرأة الحامل لتسهيل ولادة الطفل أو احتفال الإله /مهر/ وفيه تؤدى رقصات بمجسمات لوجه العقاب والنسر والصقر والكلب والغراب أو عرض قتل البقر المقدس بيد الإله /مهر/ وغيرها من الألعاب والاحتفالات والعروض المسرحية.
وتتحدث برجكاني أن فن التمثيل في إيران وجد طرقا أخرى للظهور بعد قرنين أو ثلاثة قرون من قدوم الإسلام إلى بلاد فارس وإن كان بشكل متكتم حيث هناك بعض المصطلحات المسرحية في الكتابات التي وصلت إلينا من القرن الرابع حتى القرن الثامن للهجرة تشير إلى وجود بعض من المسرحيات الصغيرة التي كانت تعرض في اجتماعات الناس في الساحات عند العصر وهي عبارة عن ألعاب هزلية ورقص وغناء هجائي يقدمه مطربون جوالون إضافة إلى ألعاب بهلوانية ورقص حيوانات كالدب والذئب وغيرهما بجعلها تقلد الإنسان فضلاً عن ألعاب الشعوذة وغيرها مما كان يدل على ظهور مفهوم العرض المسرحي أو ما يسميه الإيرانيون/ تماشاكاه أوتماشاخانه/.
وتتطرق الكاتبة برجكاني إلى قيام عدد من العلماء العرب أو الإيرانيين كانوا يكتبون باللغة العربية كالفارابي وابن سينا وابن رشد وأبي بشر متى بتعريف ملخص من علم المسرح اليوناني بشكلٍ نظري عن طريق ترجمة كتاب /فن الشعر/ لأرسطو فوضع هؤلاء العلماء العرب ألفاظ المديح و/طراغوديا/ بدلاً من التراجيديا وصناعة الهجاء أو /قوميديا/ بدلاً من كوميديا وكلمة /دراماطا/ بدلاً من كلمة دراما إضافةً إلى الراقصين وجماعة الملحنين ووجه المسخرة بدلاً من القناع.
وتتحدث برجكاني في كتابها عن أنواع مختلفة من العروض المسرحية أو المشهديات مثل مسرح /تخت حوضي/ كنوع من التقليد الذي يتم في بيوت الناس حيث كان هؤلاء يغطون حوض المنزل بألواح خشبية يمثل عليها الممثلون ويجلس المشاهدون حول الحوض فمعظم هذه الألعاب والمسرحيات لها جذور في إيران قبل الإسلام خاصة في عهد الإمبراطورية الساسانية.
اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
وقفة عند غزليات حافظ الشيرازي
ملخص الشاهنامه
هوية الشعرالايراني
نظرة في الشعر الايراني الحديث