ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
"الدعوة إلى الحقّ هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي واجب على جميع المسلمين"1 .
لكن ما المقصود من الدعوة للحقّ بالتحديد؟
إنّ الدعوة للحقّ هي الدعوة للالتزام بالأحكام الشرعيّة الّتي تنقسم إلى واجب ومحرّم ومستحبّ ومكروه ومباح.
فهناك خمسة أحكام إلهيّة شرعيّة لا بُدّ أن يتّصف عمل الإنسان بأحدها وهي:
الواجب: وهو العمل المطلوب فعله والّذي لا يرضى الله تعالى بتركه، ويستحقّ الإنسان العقاب الأخرويّ إذا تركه.
المستحبّ: وهو العمل المطلوب فعله ولكن يأذن الله تعالى بتركه، ولا يستحقّ الإنسان العقاب الأخرويّ إذا تركه.
المباح: وهو العمل الّذي لم يطلب الله تعالى من الإنسان فعله أو تركه.
الحرام: وهو العمل الّذي نهى الله تعالى الإنسان عن ارتكابه، فإذا ارتكبه الإنسان استحقّ النار والعذاب الأخرويّ.
المكروه: وهو العمل الّذي نهى الله تعالى الإنسان عن ارتكابه ولكنّه في نفس الوقت يأذن بفعله، ولا يستحقّ الإنسان النار والعذاب الأخرويّ إذا ارتكبه.
فيجب دعوة الناس إلى فعل الواجب وترك الحرام، ويُستحبّ دعوتهم لفعل المستحبّات وترك المكروهات.
فحركة الدعوة إلى الالتزام بالأحكام الشرعيّة، سواء كانت واجبة (فعل الواجب وترك الحرام) أم كانت مستحبّة (فعل المستحب وترك المكروه) تسمّى أمراً بمعروف ونهياً عن منكر.
متى يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
عندما نتحدّث عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر، قد يُبادر الكثير من الناس ليتساءل عن وجوب أداء هذه الفريضة في حال إمكانيّة تعرّض الإنسان لموقف سـلبيّ أو خـوف الضـرر، أو قد يُـبادر آخرون ليسألوا عن بعض الحالات الّتي لا أمل في إمكانيّة التأثير فيها، كما لو استنفدنا كلّ الطرق للنهي عن منكر ما ولم نصل إلى نتيجة، فهل يجب الاستمرار والنهي مرّة بعد أخرى رغم علمنا بعدم تأثر الطرف المقابل؟
الله سبحانه وتعالى لا يُريد لنا الضرر، ولا يُريد لنا أن نشغل أنفسنا ونستنزف أوقاتنا في مورد معيّن لا فائدة منه. لذلك وضع قيوداً وشرائط لوجوب هذه الفريضة، فإن تحقّقت هذه الشرائط يجب على الإنسان أن يُبادر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإذا لم تتحقّق سقط عنه التكليف. وبالإضافة إلى الشروط العامّة الّتي تُشترط في كلّ تكليف كالبلوغ والعقل، وهناك شرائط أخرى خاصّة بهذا الباب يجب توفرها ويمكن تلخيصها بما يلي:
1 ـ العلم والمعرفة
العلم والمعرفة هما من الشرائط الأساس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الشرط يجب تحقّقه في طرفين:
أ- علـم الآمـر الـنـاهـي: فيجب عليك أن تتعلّـم أوّلاً ما هـو الحـلال وما هو الحرام وما هـو الـواجـب ومـا هـو المبـاح، فـإذا اسـتطعت أن تميّز بينها بشكل واضح عندها تتصدّى لمهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمّا مع عدم علمك وشكّك وترددك في أنّ هذا الأمر هـو واجب أو لا وذاك الآخر محرّم أم مباح، فلا تستطيع أن تأمر الناس مع شكّك به.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر به رفيق بما ينهى عنه، عدل فيما يأمر به عدل فيما ينهى عنه، عالم بما يأمر به عالم بما ينهى عنه"2 .
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "صاحب الأمر بالمعروف يحتاج إلى أن يكون عالماً بالحلال والحرام"3 .
ب- علم مرتكب الحرام: فإذا فعل فعلاً محرّماً مع عدم علمه بحرمته، فعليك أن تعلّمه أوّلاً أنّه حرام.
ولكن إذا أصرّ على فعل المحرّم بعد علمه يجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
ملاحظة: لو كان هناك مسألة مختلف فيها بين المراجع العظام وكان مرجعه يقول بالحرمة لم يجز له أن ينهى عن هذه المسألة الشخص الّذي يقلّد المرجع الآخر القائل بالجواز، وإذا لم يعرف من يقلّد لم يجب عليه ـ بل لم يجز له ـ نهيه أيضاً.
2 ـ احتمال التأثير
فإذا كان يائساً من إمكانيّة التأثير بأيّ أسلوب كان، سقط الوجوب عنه، ولا يكفي الظنّ بعدم التأثير إذا لم يصل إلى حالة اليأس من ذلك، فيجب عليه النهي عن المنكر حتّى لو ظنّ بعدم التأثير.
وهناك عدّة نقاط ينبغي الالتفات إليها:
أ- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا مع تكرار النهي عن المنكر عدّة مرات وجب النهي عن المنكر.
ب- لو علم أو احتمل تأثيره في تقليل المعصيَة لا قلعها، يجب عليه ذلك.
ج- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا إذا نهاه عن المنكر علناً وأمام الناس، فإنّ كان الفاعل متجاهراً بمعصيته جاز نهيه أمام الناس بل يجب ذلك، وأمّا إن لم يكن متجاهراً فيُشكل شرعاً نهيه أمام الناس.
د- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا من خلال ارتكاب المحرّم في نهيه لا يجوز، ذلك وسقط وجوب النهي عن المنكر، إلّا إذا كان المنكَر مهماً جدّاً لا يرضى الله به كيفما كان كقتل النفس المحترمة، فإذا توقّف نهيه عن القتل على الدخول في الدار المغصوبة مثلاً، وجب الدخول.
3 ـ الأمن من الضرر
يجب أن لا يكون هناك ضرر مترتّب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإذا علم أو حتّى احتمل الضرر ـ احتمالاً يترتّب عليه الخوف عادةً ـ لم يجب عليه ذلك.
المقصـود مـن الضـرر هـو الضـرر المـاديّ المتوجـّه على النفـس أو العرض أو المال، سـواء كـان سـيصيب نفس الآمر الناهي أم غيره من المؤمنين.
ومثل احتمال الضرر الماديّ احتمال الوقوع في الحرج والشدّة.
واحتمال الضرر يرفع التكليف إذا لم نكن متيقّنين من فائدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أنّ هذا الشرط مختصّ بالأمر والنهي في صورة احتمال التأثير.
أمّا إذا كنّا متأكّدين من التأثير فعلينا أن نقوم بتقييم المنكر والضرر، ونقدّم الأهمّ. فيمكن في بعض الحالات تقديم النهي عن المنكر حتّى لو كنّا متأكّدين من تضرّرنا بسبب ذلك.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما هو على القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الّذين لا يهتدون سبيلاً..."4 .
هذا في المنكرات العاديّة، وأمّا الأمور الخطيرة جدّاً، الّتي لا يرضى بها الله بحال من الأحوال فتهون النفوس عندها وتجب حتّى لو أدّت للاستشهاد، كحفظ نفوس المسلمين وأعراضهم والمنع من محو آثار الإسلام وشعائره كبيت الله الحرام، ففي مثل هذه الأمور يجب مراعاة الأهمّ ولا يكون مجرّد الضرر رافعاً للتكليف.
4 ـ الإصرار على الاستمرار (ولو مرّة واحدة)
فيجب أنّ نعلم أنّه لا زال مستمرّاً على هذه المعصيّة مصرّاً عليها، أو على الأقلّ نعلم بأنّه كان يبني على ذلك، ففي هذه الصورة يجب نهيه عن المنكر.
وأمّا إذا علمنا أنّه ترك هذه المعصيّة لم يجب نهيه عنها. ويمكن معرفة ذلك من خلال إظهاره التوبة والندامة، أو من خلال قيام بيّنة على ذلك (شهادة عدلين) أو حصول العلم والاطمئنان لدينا بسبب من الأسباب. بل يكفي مجرّد ظنّنا أو حتّى الشكّ بأنّه ترك هذه المعاصي (إذا لم يظهر منه الإصرار عند ارتكاب المعصيَة على الاستمرار بها) ففي هذه الصورة يسقط الوجوب أيضاً.
وإذا علمنا قصده ارتكاب معصيَة معينة فالظاهر وجوب نهيه وإن لم يرتكبها إلى الآن.
هل تُشترط العدالة؟
لا بدّ أن يحاول الإنسان أن ينصح نفسه قبل أن ينصح الناس، وأن يهديها قبل هداية الناس، فنفسه أحقّ بذلك من غيرها بالنسبة إليه
وقد أكّدت الروايات على ذلك، ولكن هل هذا يعني أنّ الّذي لا يقوم بالواجبات ويقع في المحرّمات لا يمكنه أن ينهى غيره عن هذه المحرّمات ويأمره بامتثال الواجبات، وبالتالي فهل يشترط في الآمر بالمعروف العدالة؟
الحقيقة أنّ العدالة ليست شرطاً، فيجب على الإنسان أن ينهى الناس عن المنكر، وهذا تكليف منفصل تماماً كباقي التكاليف، فالّذي يصلّي ولا يصوم لا نقول له اترك الصلاة لأنّك لا تصوم، بل نقول له استمر في صلاتك واهتمّ بتأديّة الصيام أيضاً، كذلك الّذي يرتكب المعاصي لا نشجعه على معصيَة جديدة نتيجة ترك النهي عن المنكر، بل عليه أن يقوم بهذه الوظيفة ولكنّنا في نفس الوقت نشجّعه على الالتزام بالمعروف وترك المنكر.
عدم التهاون والبحث عن الأعذار
يجب أن لا يبحث الإنسان المؤمن عن الأعذار ليترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمرّة يتعلل بأنّه لا يحتمل التأثير وأُخرى بأنّه لا يأمن الضرر... وهو في الحقيقة يفرّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبحث عن الأعذار! فلا بدّ من الدقّة في هذه الأمور وتوخّي الحذر، فالشرائط متحقّقة عادة. وضع دائماً نصب عينيك الرواية المرويّة عن الإمام الباقر عليه السلام حيث روي عنه أنّه قال: "يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرّأون ويتنسّكون حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير"5 . واحذر أن تكون أنت ممّن يقصده الإمام عليه السلام في هذه الرواية.
واعلم بأنّه حتّى مع عدم تحقّق الشروط وسقوط فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّ الرضا بالمنكر في القلب محرّم شرعاً، بل لا يبعد وجوب كراهة ذلك قلبيّاً، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها، فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلاً يدعو الله ويتضرّع... فعاد (أحد الملكين) إلى الله فقال: يا ربِّ! إنّي انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ويتضرّع إليك، فقال: امضِ لما أمرتك به، فإنّ ذا رجل لم يتمعّر6 وجهه غيظاً لي قطّ" 7.
من الّذي يقوم بهذه الوظيفة؟
إنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفائيّ، فإذا قام به بعض الأشخاص بشكل كافٍ سقط عن الآخرين، وإلّا كان الجميع مطالبين ومأثومين لتركهم هذه الفريضة. فيجب على الإنسان القيام به إذا لم يقطع أو يطمئنّ بقيام غيره به بشكل كافٍ.
ولو فرض أنّه هو الشخص الوحيـد القـادر علـى التأثـير علـى مرتكب الحرام دون غيره وجب عليه القيام بهذه الفريضة، ولا يكفي تصدّي غيره لها. ولا فرق في وجوب الإنكار بين المعاصي الكبيرة والصغيرة.
وهناك بعض المنكرات لا يمكن النهي عنها إلّا من خلال العمل الجماعيّ، فلو توقّف النهي عن المنكر على اجتماع المؤمنين والقيام بعمل جماعيّ وجب عليهم ذلك، يقول الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)8 .
اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي
القسم العربي – تبيان
هوامش
1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 105.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج 97، ص 87.
3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 12، ص 214.
4- بحار الأنوار، المجلسي، ج 97، ص 93.
5- الكافي، الكليني، ج 5، ص 55.
6- يتمعّر: أي لم يتغيّر من التألم والغضب.
7- م. ن، ج 5، ص 58.
8- سورة آل عمران، الآية: 104.
لماذا تحريم الربا؟
آفات النظروعلاجها
ثار الغناء
الوفاء وعدم الغدر