الشهادة لا تغيّر الأعمار
(يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) 1.
إنّ القرآن الكريم يُعطينا تصوّراً يُخالف كلّ التصوّرات الموجودة في أذهان الكثير من الناس، الّذين يتصوّرن أنّ الشهادة تُقصِّر من عمر الإنسان، حيث يؤكِّد أنّ الشهادة لا تُقصِّر في عمر الإنسان حتّى على المستوى الدنيويّ، فلا البعد عن الجبهات سيؤخِّر موتهم ولا تواجدهم في خطِّ النار سيعجِّله. إذاً فحتّى على المستوى الدنيويّ لن يخسر الشهيد شيئاً.
وهذا ما أكّدته الروايات أيضاً:
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الفارّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه".
1ـ الشهادة سلاح
يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا يُمكن لأيّة قدرة مواجهة الشعب الّذي يقف نساؤه ورجاله على أهبة الاستعداد للتضحيّة بالنفوس، مصرّين على الاستشهاد".
فاختيار الشهادة يُعتبر أهمّ سلاح يملكه المجاهد ويُغيّر فيه المعادلات، إنّ هذه الدماء هي الّتي طالما تغلّبت على كلّ أسلحة وأدوات الطواغيت.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ دماء شبابنا تغلّبت على البنادق".
ويقول أيضاً قدس سره: "بقتل شخص ـ مهما كان هذا الشخص كبيراً ـ لن تتراجع الأمّة، ستبقى اليد الإلهيّة ممدودة لتصنع من شهادة الشهيد موجاً عارماً، يُحيينا من جديد، ويُعطي للإسلام حياة جديدة"2.
إنّ نقطة ضعف العدوّ - مهما كان مجهّزاً بالسلاح ومهما كان عاتياً وظالماً - هي الشهادة وطلب الشهادة، فطريق الشهادة كان على الدوام هو الّذي يكسر شوكة المتكبّرين ويفضح ضعفهم وزيفهم، يقول الإمام الخميني قدس سره: "مثل هذه الشهادات تضمن النصر، وتفضح أعداءكم حتّى ولو كان العالم يؤيّدهم"3.
ويقول أيضاً: "هنيئاً الشهادة لشهداء الثورة الإسلاميّة، وبالأحرى شهدائنا الّذين سارعوا إلى رحمة الله على أيدي أقذر الأعداء وألدهم وقد جلبوا العزّة للإسلام والعار والخزي الأبدي لأعداء الشعب الشريف"4.
2 ـ الشهادة والنصر
لا شكّ أنّ الأسلحة المادّيّة تملك دوراً في ا لحرب على صعيد القدرة وسعة اليد، وعلى صعيد زيادة رصيد القوّة. ولا شكّ أنّ كفاءة المقاتل أيضاً لها دورها في حجم التضحيات الّتي يضطّر الإنسان لتقديمها في ساحة المعركة، والخسارة الّتي يُمكن أن يتكبّدها ولذلك أمر القرآن الكريم بالاهتمام بهذا الجانب (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل)ِ5 كلّ ذلك مهمّ يؤثّر على طبيعة المجريات، وكيفيّة وزمن حسم المعركة.
ولكن الأهمّ من ذلك كلّه روحيّة اليد الّتي تحمل هذا السلاح أو تمرّست على تلك الكفاءة.
هذه الروحيّة هي الّتي تملك عنصر الحسم في المعركة مهما كانت المعادلات المادّيّة وهذا ما أكّده الإمام الخميني قدس سره: "لا يُمكن لأيّة قدرة مواجهة الشعب الّذي يقف نساؤه ورجاله على أهبة الاستعداد للتضحيّة بالنفوس، مصرّين على الاستشهاد".
"أنتم المنتصرون لأنّ الله معكم، أنتم الأعلون لأنّ الإسلام حاميكم، أنتم الغالبون لأنّ الإيمان رأس مالكم ولأنّكم احتضنتم الشهادة، وأمّا أولئك الّذين يخشون الموت والشهادة، فهم المهزومون حتّى ولو كان لهم جيشاً عظيماً"6.
"الشعب الّذي تعتزّ أمهاته وأخواته الباسلات بموت أبنائهنّ الأبطال، الّذين هم في صفّ الشهداء، منتصر لا محالة"7.
فالمعادلات الماديّة ليس لها الكلمة الأخيرة في المعركة، وهذا ما يؤكّد عليه القرآن الكريم }كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) 8 ، ولا يُستثنى من ذلك المسلمون، كما حصل في حنين (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ 9).
فعندما تغيّرت الروحيّة تغيّرت نتائج المعركة رغم كلّ المعادلات المادّيّة.
إنّ الروحيّة الّتي إذا امتلكها المجتمع حسم المعركة لصالحه هي روحيّة الشهادة، فإنّ هذه الروحيّة لا يُمكن أن تجتمع مع الهزيمة، حتّى على المستوى الدنيويّ.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ الشعب الّذي يتمنّى الشهادة منتصر لا محالة".
ويقول أيضاً: "إنّكم منتصرون لأنّكم عانقتم الشهادة، أمّا أولئك الّذين يخافون الشهادة والموت فهم مهزومون".
لأنّنا من خلال حبّ الشهادة والإقبال على الموت، نحوّل أهمّ نقطة ضعف في المعادلات المادّيّة إلى أعظم قوّة، بشكل يقلب المعادلات كلّها.
وهذا ما أكّدته التجربة أيضاً، يقول الإمام الخميني قدس سره الّذي عايش التجربة مخبراً عنها: "إنّ حسّ السعي في طلب الشهادة والفداء هو الّذي أدّى إلى انتصار الشعب الأعزل على الطاغوت".
"أيّها الشهداء العظام ويا شهداءنا الأكارم الأحياء: لولا جهادكم المتواصل وجهاد إخوانكم وأخواتكم الأجلّاء في الجبهات وخلف الجبهات بإخلاص، حيث رزقكم الله عناياته الخاصّة، لما كان بإمكان أيّ قدرة وأيّ عتاد عسكريّ إنقاذ الجمهوريّة الإسلاميّة، بلدكم العزيز الّذي تصافح الغرب والشرق وأذنابهم وتعاضدوا من أجل إغراقه في هذا البحر اللجّي الهائج. لم يعرف أولئك الّذين أعمى الله بصيرتهم وسلبهم من المعنويّات بأنّ هذه سفينة نوح وربّانها الله"10.
اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمدي
القسم العربي – تبيان
هوامش
1- سورة آل عمران، الآية: 154.
2- من كلمة له ألقاها بتاريخ (15/ 2/ 58 هجري شمسي).
3- صحيفة نور، جزء 17، ص 62.
4- م.ن، جزء 15، ص 112.
5- سورة الأنفال، الآية: 60.
6- صحيفة نور، جزء 16، ص 58.
7- م. ن، جزء 2، ص 12.
8- سورة البقرة، الآية، 249.
9- سورة التوبة، الآية: 25.
10- صحيفة نور، جزء 19، ص 97.
لماذا تحريم الربا؟
آفات النظروعلاجها
آثار الغناء
الوفاء وعدم الغدر
حفظ دماء الشهداء
طريقة العمل
التنظيم والانضباط في تكامل المؤسسات