أصول الزهد في الإسلام
1- إن الإفادة المادية من مواد هذه الحياة والتمتع بنعيمها الفاني ليس هو العمل الوحيد لتأمين سعادة الإنسان ، بل لابدّ من أمور معنوية أخرى لا تكفي الحياة المادية بدونها لإسعاد الإنسان ، فيها أو فيما بعدها .
2- إن مصير سعادة الفرد لا ينفك عن مصير أمته ، فإن له - بحكم إنسانيته - سلسلة من العلائق العاطفية ، والإحساس بالمسؤولية ، لا يستطيع معها أن تكون له راحة وطمأنينة فارغاً عن قلق الآخرين واضطرابهم .
3- إن للروح أصالتها - كما للبدن - ولها آلام ولذائذ ، وهي تحتاج - كالبدن بل أكثر منه - إلى الغذاء والدواء ، والطعام والشراب ، والتربية والتهذيب ، والتأييد والتسديد . وهي لا تستغني عن الجسد وسلامته وقوته وقدرته . ولكن انغماس الإنسان في اللذائذ المادية والإقبال على التنعم والتجمل الجسماني ، لا يدع مجالاً لتقوية الروح ، بل يوجد نوعاً من المضادة بين النعم المادية والروحية .
وليست نسبة الروح إلى البدن - كما يتصورها البعض - نسبة الألم إلى النعيم ، فليس كل ما يرتبط بالروح ألماً وكل ما يرتبط بالبدن نعيماً ، إذ أن اللذائذ الروحية قد تكون أصفى وأعمق وأدوم من لذات البدن ، وإن الإقبال الشديد على لذائذ البدن لمما يقل من الراحة واللذة الواقعية للبشر ، ولهذا ترانا لا نستسيغ التخلي عن اللذات الروحية حينما نواجه الحياة ونريد أن نكسبها رونقاً وصفاء وبهجة وجلالاً ، ونضع منها جمالاً وكمالاً .
وإذا التفتنا إلى هذه الأصول الثلاثة للزهد الإسلامي الصحيح ، اتضح لنا كيف أن الإسلام حين ينفي الرهبنة يضع زهده في صميم الحياة وقلب المجتمع .
وسنوضح في الفصول التالية بعض النصوص الإسلامية التي تبتني على هذه الأسس الثلاثة .
لقد قلنا: إن الإسلام دعا إلى الزهد ، وأدان الرهبنة .
ولا شك أن الزاهد والراهب يبتعدان كلاهما عن التنعم باللذائذ ، إلا أن الراهب يفرّ بذلك عن المجتمع ومسؤولياته ، ويعدّهما من أمور الدنيا الدنية ، ويلجأ منهما إلى الصوامع والأديرة وسفوح الجبال ، أما الزاهد فهو يقبل على المجتمع وآماله ومسؤولياته .
وإن الزاهد والراهب كلاهما يتجهان إلى الآخرة ، راغبان عن الدنيا وما فيها ومن فيها . وإنهما يبتعدان عن اللذائذ ولكن لا سواء ، فإن الراهب يرهب من الزواج والإنجاب أو قل من النظافة والسلامة النفسية!
أما الزاهد فهو يعد ( النظافة من الإيمان ) و( النكاح من الدين ، وتكثير النسل - الطيب ) من الوظائف الدينية والاجتماعية .
وإن الزاهد والراهب كلاهما يتركان الدنيا ، إلا أن الزاهد يترك الدنيا بترك الانهماك بالتنعم والتمتع والكماليات ، ويحذر من أن يحسبها منتهى آماله وأكمل مناه ، أما الراهب فإنه يترك الدنيا بترك العمل فيها وتحمل مسؤولياتها . .
ولهذا نقول أن الزاهد يعيش في صميم الحياة والروابط الاجتماعية ، ولا يحسب زهده ممّا يتنافى مع تحمل المسؤوليات الاجتماعية ، بل إن الزهد لديه خير وسيلة لتعهد المسؤوليات على الوجه الأكمل والأحسن ، بخلاف الراهب .
وإن هذا التفاوت بين سيرة الراهب والزاهد إنما ينشأ من الاختلاف في وجهة النظر إلى الحياة .
إن الراهب: يرى الحياة الدنيا والآخرة عالمين مستقلين لا علاقة بينهما ، ويحسب أن السعادة في هذه الحياة غير مرتبطة بسعادة الآخرة ، بل هما متضادان لا يجتمعان! ومن الطبيعي لديه - حينئذ - أن يكون العمل المفيد لسعادة الدنيا يغاير العمل المفيد لها في الآخرة ، وإن وسائل السعادة في الدنيا تغاير بل تباين وسائل السعادة في الآخرة ، بل لا يمكن - لديه - أن يكون الشيء الواحد والعمل الواحد وسيلة لسعادة الدارين أبداً .
أما الزاهد: في هو يرى أن الدنيا مزرعة الآخرة فهما مرتبطتان . وأن الذي يهب لهذه الحياة الدنيا الأمن والصفاء ، والراحة والهناء ، هو أن يرد قصد تلك الحياة في أمور هذه الحياة ، وأن ما يوجب السعادة لتلك الحياة هو الإتقان في العمل بمسؤوليات هذه الحياة ، وأن يكون العمل بها قريناً بالإيمان والطهارة والتقوى .
فالحقيقة: إن هناك مغايرة بين فلسفة الزهد عند الزاهد في الإسلام ، وفلسفة الرهبنة للراهب في المسيحية . وأن الثانية ليست إلا تحريفة أوجدها الإنسان بجهله أو سوء نيته في تعاليم الزهد للأنبياء السابقين .
اعداد و تقديم : سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
تنمية القابليات في باطن الإنسان
القابليات الروحية لدى الإنسان
التربية البدنية من وجهة نظر الإسلام
مناقشة نظرية نسبية الأخلاق
تربية اليتيم وموقف التعاليم الاسلامية
تربية الاستعداد العقلي
تربية العقل و تدبر العاقبة