• عدد المراجعات :
  • 623
  • 9/12/2011
  • تاريخ :

قابلية الدستور للإصلاح

ايران

السمتان البارزتان لعالمنا المعاصر هما : «السرعة» و «التحول» . وضع آلموند وزملاؤه كتاب «إطار نظري لدراسة السياسة المقارنة» وأطلقوا فيه على العصر الراهن اسم «عصر التغيرات السريعة» [1] . إن هذه التغيرات مذهلة وهائلة إلى حد أن تروتسكي قال في مطلع القرن العشرين :

«مَنْ كان يريد أن يعيش حياة هادئة ما كان عليه أن يولد في القرن العشرين»

 [2] . وبالتالي فإنّ الوعي بالزمن يستدعي إلى جانب الارتكاز إلى المبادئ ومعرفة الضرورات ، توفير الأرضية اللازمة والقانونية لايجاد التغييرات المناسبة . وقد أثيرت هذه القضية عند إعادة النظر في الدستور عام 1989 بعد عقد من التجارب في إدارة البلد والدولة ضمن شتى الظروف ، حيث تمّ إلحاق فصل للدستور يوضح آليات إعادة النظر فيه ، الأمر الذي أكسب هذه الآليات الصفة القانونية .

النقطة المهمة الأخرى هي أن «مصوبات الشورى بعد تأييدها وامضائها من قبل القائد ، يجب عن طريق مراجعة الرأي العام ، أن يصادق عليها من قبل الأغلبية المطلقة للمشاركين في الاستفتاء» [3] وهكذا يخرج نظام الجمهورية الاسلامية من كل الطرق المسدودة قانونياً ، مضافاً إلى أنه لا ينسى إطلاقاً موجديه وحماته أي الجماهير ، بل يذكر بين حين وحين مكانتهم القانونية في كل الأمور ، وما هذه الحالة إلاّ نموذجاً لذلك .

اجتناب التقليد

إن روح الاستقلال التي سادت الثورة الاسلامية ، والمطالبة بتجاوز المناخ السلطوي السلبي لنظام القطبين في العالم ، أفضى إلى تدوين الدستور انطلاقاً من مواقف نقدية ـ ابداعية ، والمبادرة عبر تقديمه لاستفتاء الجماهير إلى منحى ايجابي جديد في العرف السياسي . هذا في حين أن «دساتير العديد من بلدان العالم ليست إلاّ تقليداً بحتاً للآخرين أو انّها اقتباسات تتضمن بعض التغييرات اليسيرة» [4] . وحري بالاشارة إنّ التقليد ، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة الدستور ، يعد ممارسة على درجة كبيرة من الحساسية ، ويستلزم ملاحظة أوضاع وظروف كثيرة ، ذلك إنّ القانون يسن للتطبيق ، وإذا لم تلاحظ أرضيات التطبيق ، ستنتصب العديد من الموانع والمعضلات التي تترك القوانين مجرد حبر على ورق . يذكر الدكتور كاتوزيان في هذا الصدد : الاقتباس من الحقوق الأجنبية هو الآخر لا يعد نافعاً إلاّ إذا قارن الشارع كافة عوامل البيئة الأجنبية بمجتمعه ، ولم ينس أثناء سنه للقانون ، أخلاق شعبه ودينهم وواقعهم السياسي والاقتصادي وموقعهم الجغرافي والتاريخي [5] . للأسف فإن مثل هذه الاعتبارات لم تكن في السابق ، وقد حاول دستور الجمهورية الاسلامية في ايران التغلب على هذه الصعوبات ويعتبر بحد ذاته من أكبر مكتسبات الثورة الاسلامية . وعلى حد تعبير الإمام الخميني فإن «الدستور من الثمار العظيمة ، بل هو أعظم ثمار الجمهورية الاسلامية» [6] .

انتخابية كافة أعضاء مجلس الشورى الاسلامي

مع انتصار الثورة الاسلامية ، أحرزت الجماهير مكانتها القانونية اللائقة ، وأضحى البرلمان بيت الشعب كما أطلق عليه . وقد تأسس نظام النيابة والتمثيل ، وتشكلت القنوات القانونية لتعبير الجماهير عن آرائهم ، ما ترك آثاراً نافعة ونادرة في التطورات والحيوية السياسية ـ الاجتماعية للبلاد . تعلم الناس تدريجياً إن اتخاذ القرار في الشؤون السياسية والاجتماعية من حقوقهم التي لا سبيل إلى إنكارها . فطالما كانت القوانين لهم وتطبق لأجلهم ، فمن الضروري أن يعبروا عن آرائهم بالطرق القانونية ويكون لهم دورهم في اتخاذ القرارات . جاء في المادة السادسة من الدستور : في جمهورية ايران الاسلامية ينبغي إدارة شؤون البلاد اعتماداً على الرأي العام ، إمّا عن طريق الانتخابات ، انتخاب رئيس الجمهورية ، ونواب مجلس الشورى الاسلامي ، وأعضاء المجالس وما إلى ذلك ، أو عن طريق الاستفتاء في الحالات التي تحددها مواد أخرى من الدستور [7] .

وسيكون هذا المكسب مفهوماً ومغتنماً أكثر إذا علمنا أنه «طبقاً للمادة 45 من دستور ايران عام 1906م ، يجب تعيين ثلاثين عضواً من الأعضاء الستين لمجلس الأعيان ، بحسب انتخاب الجماهير ، أمّا الثلاثون الآخرون فيعينهم الشاه» [8] .

الهوامش:

[1] ـ غابريل ا. آلموند وزملاؤه ، إطار نظري لدراسة السياسة المقارنة ، ترجمة ، علي رضا طيب ، مركز تعليم الإدارة الحكومية ، ط2 ، 1998 ، ص9 .

[2] ـ ايزايا برلين ، أربع مقالات حول الحرية ، ترجمةب: محمدعلي موحد ، منشورات خوارزمي ، ط1 ، 1989 ، ص81 .

[3] ـ دستور الجمهورية الاسلامية في إيران ، م س ، ص100 .

[4] ـ الدكتور جلال الدين مدني ، م س ، ص15 .

[5] ـ الدكتور ناصر كاتوزيان ، مقدمة لعلم الحقوق ودراسة في النظام الحقوقي بايران ، شركت انتشار بالتعاون مع رسمن برنا ، ط21 ، 1996 ، ص70 .

[6] ـ قاسم شعباني ، الحقوق الأساسية وبنية الحكومة في جمهورية ايران الاسلامية ، منشورات اطلاعات ، ط4 ، 1995 ، ص13 .

[7] ـ دستور الجمهورية الاسلامية في إيران ، م س ، ص44 .

[8] ـ د. أبوالفضل قاضي ، الحقوق الأساسية والمؤسسات السياسية (المجلد الأول) منشورات جامعة طهران ، ط6 ، 1996 ، ص449 .


النشاط الاقتصادي بعد الثورة الاسلامية (1)

نبذة عن النشاط الاقتصادي بعد الثورة الاسلامية (2)

الدين والسياسة وكفاءة الحكومة الدينية (1)

الدين والسياسة وكفاءة الحكومة الدينية (2)

الثورة الاسلامية، التصدير والتأثيرات الاقليمية والعالمية (2)

دستور الجمهورية الاسلامية

مراجعة للمساعي العلمية بعد انتصار الثورة (1)

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)