• عدد المراجعات :
  • 2338
  • 8/28/2011
  • تاريخ :

الزهد والتحرّر

زهد

ومن فلسفة الزهد: الحرية والتحرّر ، فإن بين الزهد والحرية روابط قديمة وقويمة .

إن الحاجة والافتقار ميزة ظاهرة ، والاستغناء ميزة الحرية .

إن أقوى الآمال في حياة الأحرار هو وضع الأثقال عن كاهلهم ، والخفة والنشاط في الحركة والتنقل . وإنما يجعل هؤلاء زادهم الزهد والقناعة ليقللوا بذلك من حوائجهم المادية فيطلقوا أنفسهم من أسر الأشياء والأشخاص وقيودهما .

إن الحياة المادية للإنسان - كسائر الحيوانات الأخرى - تحتاج إلى سلسلة من الأمور الطبيعية والضرورية التي لابدّ منها ، كالهواء للتنفس والأرض للسكن والطعام للأكل والماء للشرب والثوب للستر ، فالإنسان لا يستطيع أن يكتفي بذاته - على حد تعبير الحكماء - عن هذه الأمور وأمور أخرى كالنور والحرارة ، ولا أن يتحرر من قيودها تحرراً مطلقاً .

ولكن ، هناك سلسلة من الحاجات ليست طبيعية ولا ضرورية ، وإنما حملت على الإنسان على مدى تاريخه الطويل من قبله هو أو من العوامل التاريخية والاجتماعية الأخرى ، وقد كانت عاملاً فعالاً في الحد من حريته شيئاً فشيئاً .

والأمور التي تحمل على الإنسان من الخارج بصورة قسرية للاضطرار السياسي مثلاً ، ليست في خطرها عليه كالأمور النفسية التي تعمل على أن تجرّه من إطاره الداخلي إلى إطارها الغريب ، وعلى هذا فإن أخطر القيود على الإنسان إنما هو هذه القيود التي تعزله عن نفسه .

وترى الفلسفة الميكانيكية لهذه العوامل التي تؤدي إلى عجز الإنسان وضعفه: أن الإنسان يحاول - من جهة - أن يكسب حياته صفاءً وبهاءً ورونقاً وجلالاً ، فيقبل على التجمل والتنعم بكماليات الحياة ، ولأجل الحصول على القوة والقدرة يقبل على تملك الأشياء .

ومن جهة أخرى يعتاد على وسائل للتنعم والتجمل والقوة والقدرة شيئاً فشيئاً ، ويعجب بها فيعشقها ، وتنشأ بينه وبينها روابط خفية دقيقة تشده إليها ، فيصبح ذليلاً لها عاجزاً أمامها .

وحينئذ يتحول الشيء الذي كان مادة لصفائه ورونقه إلى سبب لذهاب رونقه وصفائه ، والذي كان وسيلة لقدرته وقوته إلى سبب لضعفه وعجزه في دخيلة نفسه . فيصبح لها كالعبد المدين لمولاه لا يقدر أمامه على شيء .

إن تقيد أي إنسان بالزهد - إن صح التعبير بالتقيد - تابع من أصول فطرية ، فإن الإنسان بطبعه يميل إلى تملك الثروة والاستفادة من متع الحياة ، ولكنه حينما يرى أن هذه الأشياء كلما منحته القدرة على الحياة في الظاهر سلبته القدرة الإرادية ، في واقع الحال على نفس المدى ، وجعلته: ( عبداً لها ولمن في يده شيء منها ) فهو يثور - حينما يرى ذلك - على هذه العبودية . ويصطلح على هذه الثورة بالزهد .

وإنما أصبح الإمام علي ( عليه السلام ) حراً بمعنى الكلمة لأنه كان زاهداً بمعنى الكلمة ، وكان ( عليه السلام ) كثيراً ما يعبر في خطبه في نهج البلاغة عن الزهد بالحرية ، وعن الشره والنهم بالعبودية .

يقول ( عليه السلام ) في بعض كلماته القصار: ( الطمع رقٌّ مؤبّد ) .

ويصف زهد عيسى ابن مريم فيقول: (  . . ولا طمع يذله ) .

ويقول ( عليه السلام ): ( الدنيا دار ممر لا دار مقر ، والناس فيها رجلان: رجل باع فيها نفسه فأوبقته ، ورجل اشترى نفسه فأعتقته ) .

وأصرح من الجميع كتابه إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري:

(  . . . إليك عني يا دنيا! فحبلك على غاربك! قد انسللتُ من مخالبك ، وأفلت من حبائلك! اعزبي عني ، فوالله لا أذل فتستذليني ولا أسلس فتقوديني ) .

نعم ، إن زهد الإمام ( عليه السلام ) ثورة على الذل في اللذة ، وعلى الضعف في الشهرة ، وعصيان على عبودية الدنيا ، فالسلام عليه يوم ولد ويوم يبعث حياً!


عظمة النفس و الغيرة في نهج البلاغة

الفصاحة والجمال في نهج البلاغة

بلاغة الإمام علي عليه السلام

عقله الجبار ينظم عاطفته

ماهي التقوى؟

الفضيلة مصدر القيمة الاجتماعية

التغيير الفردي والاجتماعي في نهج البلاغة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)