• عدد المراجعات :
  • 3684
  • 8/24/2011
  • تاريخ :

التفاعل الثقافي والاتصال الفكري بين الماضي والحاضر

نهج البلاغه

الإمام علي ( عليه السلام ) تحدث عن التفاعل الثقافي والاتصال الفكري بين الماضي والحاضر

نقل التراث الثقافي

إن تحليل معنى التراث الثقافي وعلاقة الإنسان به ، يوضح مدى أهمية العملية الاجتماعية التي يتم بواسطتها نقل الأنماط الثقافية من جيل إلى آخر يأتي بعده .

فالثقافة تعني مختلف وسائل التعبير وأنماط السلوك التي تبرز خصوصية شعب من الشعوب .

لذلك فهي تشمل ، استناداً إلى رأي الأنثروبولوجين الأميركيين بشكل خاص ( على كل أنماط السلوك التي يعبر بها الإنسان عن نفسه والتي يشاركه فيها الآخرون ، فهي تشمل الأدب والفن والديانات والميثولوجيات والأخلاق أو الآداب القومية والشعبية ومظاهر الحياة الاجتماعية من لباس وتزيين وكيفية طبخ وأكل . . الخ ، فهذه كلها تعابير ورموز وآيات يعبر بها الإنسان عن نفسه ، فهي ثقافته حتى لو كانت تقتصر على بعض المظاهر الفلكلورية ) .

وإذا كان التراث الثقافي مبعث آمال الأئمة وملهم مشاعرها وعنوان تقدمها والانقطاع عنه يؤدي إلى هدم الأساس الذي تقوم عليه حضارتها ، فإن إعادة نبش هذا التراث من بطون التاريخ ، ونفض الغبار عنه وصياغته صياغة جديدة تقتضيها الحال عملية تربوية شاقة يضطلع بها الجيل السابق لتقديمه غذاءً سائغاً إلى الناشئة من الأجيال اللاحقة .

ومن هذا المنطق ، فقد عرفت التربية بحسب دلالتها وعلاقتها بالحياة الاجتماعية .

وهذا ما فعله المفكر الاجتماعي المشهور ( اميل دوركهايم ) في أوائل القرن الحالي ، بقوله أنها ( التأثير الذي يجزيه الجيل الراشد في الجيل الناشئ ) ، وهذا ما كان قد عبر عنه ابن خلدون في الربع الأخير من القرن الرابع عشر ، عندما نظر إلى القضية ، نظرة المفكر الاجتماعية ولاحظ أن الجيل الناشئ يتشوق إلى تلقي العلوم والمعارف من الجيل الذي سبقه فيقول : ( وهي مع ذلك صنائع يتلقاها الآخر عن الأول منهم ) .

وقول ابن خلدون هذا لا يختلف معنى ومدلولاً عن قول ( إميل دوركهايم ) السالف الذكر .

ولقد تحدث الإمام ( عليه السلام ) عن هذا التفاعل الثقافي والاتصال الفكري بين الماضي والحاضر ، انطلاقاً من تراث الإسلام المشرق ، الذي صوره أقوالاً وأفعالاً ومبادئ تربوية يمكن الاستفادة منها في بناء الإنسان الفاضل ، ومن تأكيده على أهمية هذا التراث وأثره الفعال في شحذ الهمم ، نراه يتوجه إلى كل إنسان بما يراه صالحاً له في الدنيا والآخرة ، فينقل إليه آثار الأولين والآخرين ، نقية صافية من الأخطاء والشوائب من خلال السير في ديارهم وتتبع آثارهم وتمييز ما ينفع وما يضر منها .

فالاتصال بالجذور لا ينبغي أن يكون عشوائياً بحيث يجذبنا التراث ويأسر أفئدتنا فنأخذ منه الغث والثمين .

لهذا وحرصاً على صلاحية الهدف الذي نتوخاه من التربية يجب ( أن لا يكون الاتصال بالماضي ضرباً من التبعية أو العبودية لهذا الماضي إذ لابدّ لنا من أن نجتهد على الماضي فنتجنب السلبيات ونؤكد على الإيجابيات ) .

كذلك ، فإن محتوى النقل الثقافي يجب أن يكون هادفاً بحيث يتحدد بنوع المواطنة الصالحة التي نريدها ونوع المجتمع الذي ينبغي بناؤه وتكوينه بحيث تكون أهداف التربية منسجمة مع أهداف المجتمع حتى لا يحصل التناقض بينهما فتكون النتيجة خلاف ما نتوخاه ونعمل له .

وليس أدل على ذلك من الاضطراب والتفكك الذي يظهر في المجتمعات التي تنشد التطور بينما هي ترزح تحت عبء القيم التربوية البالية والمتأخرة .

لهذا (  . . فالتربية ملزمة بهذه الوظيفة وعلى عاتقها يقع عبء الاختيار من بين الاتجاهات والقيم والعادات والمعارف والعلوم التي توجد في المجتمع على أساس التمييز بين المرغوب فيها والمرغوب عنها ، ذلك أن كل مجتمع يتضمن الكثير من العناصر المختلطة والأفكار المتنوعة ، والقيم المتعارضة المتشابكة . فوظيفة التربية في هذا المجال تكمن في تنمية الاتجاهات والقيم المنتقاة على ضوء الأهداف العليا لذلك المجتمع ) .

من أجل ذلك فإن أول ما يجب أن تنقله التربية إلى الأجيال الناشئة ، هو كتاب الله ، تنقله إليهم نقباً صافياً ، خالياً من الشوائب باعتباره من أهم الركائز التي يجب أن يستند إليها الإنسان طيلة حياته لتقويم اعوجاج سلوكه وتنقية نفسه من الأدران التي علقت بها من جراء الابتعاد عن السبيل الصالح الذي رسمه الله في كتابه الكريم .

وهذا ما أكده ( عليه السلام ) حيث اعتبر القرآن الأداة الفعالة في بناء الفرد والجماعة ، فقال في وصية الحسن ( عليه السلام ) ، المولود البكر لأمير المؤمنين والإمام الثاني من أئمة أهل البيت : ( وأن ابتدئُك بتعليم كتاب الله عزّ وجلّ ، وتأويله وشرائع الإسلام وأحكامه وحلاله وحرامه لا أجاوز ذلك بك إلى غيره ) .

لقد كانت الغاية من وراء ذلك ، أن يزود الحسن ( عليه السلام ) ومن خلاله أهل الإسلام جميعهم بمقومات التغيير قبل أن تلتبس عليه أهواء الناس وآرائهم ومعتقداتهم الباطلة فيقول ، ( ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم فكان أحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إليّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة ورجوت أن يوفقك الله لرشدك ، وإن يهديك لقصدك فعهدت إليك وصيتي هذه ) .

هذا المبدأ التربوي الهام الذي قرره الإمام ( عليه السلام ) منذ أمد بعيد إنما يقضي باستغلال نقاوة الفكر الإنساني لزرعه بالمعلومات الصحيحة .

قبل أن تهجم عليه الأخلاق الذميمة والآراء الفاسدة الأمر الذي يجعل من الصعب على التربية أن تعيد تشكيله من جديد ، وهذا يتوافق مع أحدث المناهج التربوية في يومنا هذا .


عظمة النفس و الغيرة في نهج البلاغة

الفصاحة والجمال في نهج البلاغة

بلاغة الإمام علي عليه السلام

عقله الجبار ينظم عاطفته

ماهي التقوى؟

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)