• عدد المراجعات :
  • 1788
  • 8/24/2011
  • تاريخ :

لماذا تحريم الربا؟

ربا

قال الله تعالى:

(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا في‏ أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَاللَّهِ وما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (39/الروم).

إذا أراد الإنسان أن يعيش الحياة المثلى فلابد له أن يعمل بتوافق مع السنن الإلهية الموجودة في الكون، فرب العالمين لم يخلق خلقاً في مستوى الإنسان الذي جعله يعلو على سائر المخلوقات ، ولم يسخر له الكائنات فحسب ، بل سخر له الطبيعة بما فيها من ماء وحديد وزرع وحيوان و...

هل كان بإمكان البشر أن يتطور و يصل إلى ما هو عليه لولا معرفته بقوانين الطبيعة الفيزيائية والكيميائية و...؟!

بالتأكيد لا.

هذا، والبشر لم يحط علماً إلا بجزء بسيط منها، لأنها أوسع بكثير مما اكتشفناه اليوم ، فمن الممكن أن يصل العالم في المستقبل إلى ما وصل إليه النبي سليمان (ع) بتسخيره للطبيعة بإذن الله وحديثه مع النمل والطيور و....

وكما قلنا بأن للحق تجليات على الكون ، كذلك الحق يتجلى في حياة الإنسان بمفهوم "العدالة"، التي تعني التوافق بين الإنسان والأنظمة الموجودة والتي هي من تجليات الحق.

فالعدالة بمعناها المطلق تعني أن يتوافق الإنسان مع الحق في كل أموره.

أنّ الله وضع العدالة في كل شيء، فمثلاً: نرى العدالة في جسم الإنسان ، حيث يتلقى كل عضو منه من الغذاء بالقدر الذي يحتاج إليه ، وحيث لا يعتدي جزء على آخر، وقد وضعها الله تعالى في روح الإنسان أيضاً، حيث فطرنا على فطرة سليمة تحب الحق وتميل إليه.

لكل شيء حق علينا، بدءاً من الأشخاص المحيطين بنا ، ومروراً بأجسامنا، وانتهاءً بالطبيعة التي سخّرها الله تعالى لنا.

قد أشارت رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) إلى هذه الحقيقة.

والسؤال هنا: هل يمكننا أن نراعي حقوق جميع الأشخاص والأشياء؟

 نعم، لأن الله عز وجل أعطى القدرة للإنسان أولاً، ثم حمّله المسؤولية في تطبيق الحق، فإذا انعكس الحق الموجود في نظام الكون على حياة الإنسان أصبح عادلاً في دنياه ، وقد قال تعالى: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏) المائدة 8.

إن الكون يتمركز على العدل، لأنه يعكس مدى ارتباط الإنسان بالحق. ويتجلى العدل في "القسط" الذي يرتبط بتعامل الإنسان مع الآخرين.

قال تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ)(الحجرات:9) والقسط يعني مراعاة مصالح الآخرين.

فأحد أبعاد القسط هو عدم أكل أموال الناس بالباطل كما في الآية: (وَلا تَأْكُلُواأَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل) (البقرة: 188) وأبرز مصاديق أكل المال بالباطل هو الربا ، ولأن الربا مخالف لنظام الكون، ولأنه يسبب فساداً في النظام الكلي لحياة البشر، فان الله عز وجل يتوعد آكل الربا بالحرب: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وذَرُواْمَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 278- 279)

فلماذا التوعد بالحرب مع آكل الربا؟

لأن الله هو الذي وضع الأنظمة ويديرها ، ومن يخالفها فعليه أن يأذن بحرب من الله ورسوله.

(وما آتَيْتُمْ مِنْرِباً لِيَرْبُوَا في‏ أَمْوالِ النَّاسِ) فالمال الذي يقرضه الفرد للناس ليأخذ الربا عليه لا يربوا عند الله، إنما المال الذي يُنفق في سبيل الله هو الذي ينمو ويزداد. يقول الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا ويُرْبِي الصَّدَقاتِ واللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثيمٍ)(البقرة: 276) فما يظن الإنسان بأنه يزداد سينقص، وما يظن أنه ينقص بالعطاء سيزداد بخلاف ما يتصوره الإنسان.

إن هناك أربعة مبررات لتحريم الربا نشيرإليها باقتضاب:

1. آكل الربا يصبح كسولاً، ويمتنع عن العمل والنشاط ، إذ أن لديه رأس مال حصل عليه بإرث أو غيره ويستفيد من فوائده على حساب تعب الآخرين. ويعبر القران عن هذه الحقيقة في سورة البقرة بقوله:(الَّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَس)(البقرة: 275)

فمن يأكل الربا يكون الضحية الأولى لمضراته ، لأنه يتوقف عن العمل والنشاط ، فيتوقف عقله عن التفكير، فيصبح خاملاً، ويكون كالممسوس من قبل الشيطان.

جاء في الرواية عن هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد الله (ع) عن علة تحريم الربا، فقال (ع): (لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه ، فحرم الله الربا ليفر الناس من الحرام إلى الحلال والى التجارات من البيع والشراء، فيبقى ذلك بينهم في القرض). 

2. تراكم أموال المستضعفين عند آكلي الربا يسبب تكوين طبقة اجتماعية مترفة لا تهتم بالمجتمع يصفهم القران بأنه: (إِذا قيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوامِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذينَ كَفَرُوا لِلَّذينَ آمَنُوا أَ نُطْعِمُمَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ في‏ ضَلالٍ مُبينٍ)(يس:47) وهم لا يمتنعون عن الإنفاق بمقدار سد الجوع لدى الفقراء فحسب، بل يمنعون المؤمنين من الإنفاق بدعوى أنْ لو شاء الرب أن يطعم الفقراء لأطعمهم، فتسود ثقافة اللامبالاة الخاطئة في المجتمع ، وهم يبررون فعلهم بأنّ: (الْبَيْع مِثْلُ الرِّبا)، وبذلك ينقسم المجتمع إلى طبقتين: الاستغلاليين والمحرومين.

وربما يشير الإمام الباقر (ع) إلى هذه الحقيقة بقوله: (أخبث المكاسب كسب الربا) لأن الربا ليس مكسباً وإنما هو سرقة المستضعفين.

3. الذين يأكلون الربا يدخلون إلى عالم السياسة وإدارة البلاد فيشترون بأموالهم ضمائر الناس وضعاف النفوس في المجتمع ، ولذلك فإن الله تعالى يأمرنا بتوزيع الثروة قائلا: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) فيسيطرون على المجتمع ، ويوجهون دفّة إدارة البلاد حسب أهوائهم ومصالحهم.

4. يتسبب الربا في غلق باب المعروف في وجه المستضعفين، ففي السابق كان القرض الحسن (أي بدون ربا) أحد الأمور السائدة في المجتمع بحيث كان الناس يساعدون من يواجه مشاكل مادية بإقراضه من دون فائدة ، ولكن اليوم أصبحت المصارف هي المسيطرة على رقاب الناس في القروض فلا ترحم أحداً ، بينما كان القرض الحسن بين الناس يُنزل البركة عليهم، وكان المقرض يرحم المقترض إذا تأخر في تسديد القرض.

ولذلك جاء في الرواية عن سماعة ، قلتل أبي عبد الله الصادق (ع): إني قد رأيت الله عز وجل قد ذكر الربا في غير آية مكررة، فقال (ع): أ وتدري لم ذاك؟

قلت: لا.

قال (ع): لأن لا يمتنع الناس من اصطناع المعروف).

لكي يميل الناس إلى فعل الخير ويقرض بعضهم البعض ويسترحمون فيما بينهم.

وجاء في الحديث أن الإمام الصادق (ع) سُئل عن الربا فقال: ( درهم ربا أشد عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم) وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: (القرض الواحد بثمانية عشر).

والربا يحطم الأواصر الاجتماعية في المجتمع. ولقد كان بناء الأمة الإسلامية أهم هدف يحمله النبي الأكرم (ص): (وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) ومابقي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو هذه الأمة ، فاليوم كل منا مسؤول في حدود قدراته وإمكاناته لإعادة هذه الأمة وتقويتها، فكلما خرجتَ صباحا من البيت فكر ماذا يمكنك أن تقدم اليوم للآخرين لتصبح الأمة واحدة: (وَتَعاوَنُواعَلَى الْبِرِّ والتَّقْوى‏ وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوانِ واتَّقُوااللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ الْعِقابِ) (المائدة: 2).

آية الله محمد تقي المدرسي


آفات النظروعلاجها

آثار الغناء

الوفاء وعدم الغدر

حفظ دماء الشهداء‏

طريقة العمل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)