العبور من خلال عالم الحضارات والأديان
إن التنوع والتعدد القومي ـ الثقافي الذي عُرف خلال المسير الذي اجتازه طريق الحرير والذي استمر منذ القرن الأول قبل الميلاد وحتي القرن التاسع عشر الميلادي اتخذ شكلاً جديداً منذ تسلط الأنظمة الرأسمالية الغربية وتغلغلها وشن عدوانها مما أوجد تغييرات كبيرة في هذا الممر الطبيعي ـ الاجتماعي العالمي.
وهنا يمكننا أن نشير إلي أهم الحضارات التي شكلت المحطات الرئيسية في المسيرة التاريخية لهذا الطريق:
حضارة الصين، منذ عهد الهانهانيين الغربيين (221 ق.م ـ 90 م) وما بعده.
حضارة إيران، منذ عهد البارتيين والكوشانيين مع الاستزادة من حضارات بين النهرين والبحر المتوسط وآسيا.
حضارة اليونان، منذ المواجهة مع الحضارة الإيرانية وانقراض السلالة الحاخامنشية.
حضارة الهند، منذ عهد سقوط امبراطورية موريا (Maurya (183 ق.م) مع الاستزاة من الحضارات الهندية القديمة.
حضارة الروم، وتبعتها الحضارة البيزنطية (روم الشرقية).
الحضارة الإسلامية، مع وجود دعم الثقافات العربية والإيرانية والبيزنطية والتركية.
وهكذا فإن طريق الحرير الأصلية والفرعية اجتازت هذه الحضارات، وتميزت أرض إيران بمركزية خاصة من النواحي الجغرافية والتاريخية ـ السياسية والثقافية. ويبدو أن أي من الحضارات التي كانت تقع علي طرق الحرير لم تكن تتمتع بالموقع الجغرافي ـ الثقافي الذي تميزت به هذه الأرض وهي بحق (قلب العالم).
ويمكننا أن ننظر إلي هذه الحضارات الست من منظارين هما:
أولاً: إن كلاً من الحضارات تميزت بحالة تركيبية من الثقافات والابتكارات والانجازات المدنية.
ثانياً: الان كلاً من هذه الحضارات كان لها نوع من التعامل مع أقوام مثل الهونهانيين والهفتاليتيين والهياطلة والأتراك والمغول وغيرهم من الأقوام الذين يتميزون بحياة متفاوتة مع سكان المدن، حيث ان آثارها متجسدة في الحركات الحضارية عبر المسيرة التاريخية البشرية. هذا وقد خرجت من جوهر هذه الحضارات ـ التركيبية وغير التركيبية ـ عدة ديانات بصيغات مختلفة تغلغلت في هذا المسير التاريخي من خلال اجتيازها لطرق الحرير بل أنها من خلال اجتيازها للطرق الفرعية أخذت طابعاً عالمياً علي أسس من الاعتقادات والالتزامات.
إن أديان مثل البوذية والزرادشتية والكونفوشيوس وديانات مثل اليهودية والمسيحية (لا سيما الطريقة النستوريانية) ومذاهب تركيبية مثل المهركرائيّة والمانويت والبوغوموليسم (Bogomolisme) وبالتالي الدين الإسلامي أكدوا علي حياتهم المعنوية واستمراريتهم العقائدية إلي جانب الفرق والمذاهب والطرق العرفانية والصوفية المختلفة ووجدوا هذه الكنوز من خلال الطرق التي أوصلت مناطق العالم مع بعضها البعض وجعلتها كعروق الجسم الإنساني مترابطة ومتواصلة.
إن الأديان والاعتقادات من جميع الأنواع والأماكن عندما كانت تبدأ حركتها نحو أماكن أخري كانت تأخذ معها لغاتها وفنونها وابداعاتها وأمور أخري، وتتعرض هي بدورها للتغييرات مع مرور الزمن خلال هذه المسيرة وبالتالي تنصقل أكثر فضلاً عن أنها تجتذب إليها ألوان الطبيعة والجغرافيّة خلال اجتيازها الطرق البرية والبحرية وعبورها من الصحاري والوديان والسهول بحيث أن الديانة المسيحية أصبحت متفاوتة في الناصرة وبيت المقدس عما كانت عليه في بلخ وباكتريا وتم التبليغ لها هناك وكذلك الحال بالنسبة للبوذية التي تميزت بتفاوتها في معابد بينغ لينغ (Biglig) وموغائو (Mogao) عما هي عليه في أوروبا.
كما كان أفلاطون أكادموس (Akademos) أثينا أصبح في هذه الناحية من العالم «أسوة الزهد والعرفان» بل «المعالج لكل غرور وتكبر» بالنسبة للعرفاء، كما أن أرسطو لوكايوس (lukaios) أثينا الحكيم والمعلم الأول كان يرفع «قفل اسطورته» أحياناً عن «أحسن الملل».
كذلك فإن المصلين المسلمين في مساجد لنجو وتوفان وكاشغر لم تكن صلاتهم متطابقة كاملاً مع المصلين في مكة والمدينة في حياة الرسول الأكرم (ص) فضلاً عن أماكن صلاتهم لهم تكن تشبه مساجد القاهرة ودمشق وأياصوفية.
وبعبارة أخري فإن الزمن والطبيعة والجغرافية وكذلك الثقافات والتقاليد وسلوك الأقوام والشعوب وأذواقهم تركت تأثيراتها علي الأمور بحيث أن الوحدة الحضارية تجسدت في الكثرة المتناسقة.
لهذا يمكننا اعتبار المسيرة الطويلة لطرق الحرير التي امتدت لعدة آلاف من الكيلومترات أشبه ما تكون بنوع من الموزائيك الثقافي والاجتماعي الذي شاركت جميع الشعوب والأقوام في صنعه بشكل أو بآخر، حيث أن بعض المجتمعات لم يكن لها دور بارز في هذه المسيرة بينما لعبت مجتمعات أخري ومنها المجتمع الإيراني العريق دوراً ممتازاً فيها بسبب الظروف الجغرافية والموقع الثقافي المتميز.
اعداد سيد مرتضي محمدي
القسم العربى - تبيان
الشيعة في بلاد الشام
التشيّع في آذربيجان وآسيا الوسطى
التشيّع في شمال أفريقية
التشيّع في تركيا
الشيعة في العراق
الشيعة في قطر، والإمارات، والكويت وعُمان
الشيعة في البحرين