أبا الحسن .. الجرح الدامي لايزال ينزف ليومنا هذا
تواطأت زمر الشر في عهد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، علي ان لا تبقي للحق راية تخفق أو يد تطول فتصلح أو صوت يدوي فيکشف زيغ الظالمين والمنحرفين ، فبالامس کان ابو سفيان يمکر ويغدر ويفجر ويخطط لقتل النبي الاکرم صلي الله عليه وآله وسلم لوأد الرسالة الالهية في مهدها ولکن الله أبي إلا أن يتم نوره .
وها هو معاوية بن أبي سفيان يستفيد من نتائج انحراف السقيفة ، ويتمم ما بدأه ابوه سعيا للقضاء علي الرسالة الاسلامية الاصيلة ، تعينه في ذلک قوي الجهل والضلالة والعمي ، فخططوا لقتل ضمير الامة الحي وصوت الحق والعدل وحامل لواء الاسلام الخالد ومحيي الشريعة المحمدية السخية . نعم .. لقد بدأت کل القوي الطامعة والانتهازية التي خسرت مواقعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتحرک ضد الامام واخذت تتکاتف کل العناصر التي شارکت بنحو واخر في مقاتلة عثمان والتحريض عليه يوم امس ، رافعة شعار المطالبة بدم عثمان منددة بسياسة الامام الحکيمة والنزيهة فنکثت طائفة وقسطت اخري ومرقت ثالثة . ولما کان صراع علي (ع) مع معاوية صراع نهجين متضادين : نهج الحق والمبادئ والاخلاق ، في مقابل نهج الباطل والتضليل والکذب والجور والغدر ولايمکن لهذين النهجين ان يلتقيا بحال ، ولهذا استعد الامام علي عليه السلام بعد فترة لاستئناف قتال القاسطين في الشام - معاوية واتباعه - مرة اخري . امر الامام علي (ع) بتعبئة الجيش واعلن حالة الحرب ، فعقد للحسين عليه السلام راية ولابي ايوب الانصاري اخري ولقيس بن سعد ثالثة . وبينما کان امير المؤمنين عليه السلام يواصل تعبئة قواته ، کان يجري في الخفاء تخطيط ارهابي لئيم من اجل اغتيال الامام حيث اجتمعت ضلالتهم العمياء علي ان يطفئوا نور الهدي ليبقي الظلام يلف انحرافهم وفسادهم .. ولقد اجتمعت عصابة ضالة علي قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث لايبعد ان کان محرکها معاوية ، واتفقوا ان يداهموا الامام عند ذهابه لصلاة الفجر ، فما کان احد يجرؤ علي مواجهة الامام عليه السلام .. ولما کانت ليلة التسع عشرة من شهر رمضان شهر الله ، عام (40) للهجرة ، کان الامام عليه السلام يکثر التأمل في السماء وهو يردد "ما کذبت ولاکذَبت إنها الليلة التي وعدت بها" وأمضي ليلته بالدعاء والمناجاة ثم خرج الي بيت الله .. مسجد الکوفة الشريف .. لصلاة الصبح فجعل يوقظ الناس علي عادته الي عبادة الله فينادي : الصلاة .. الصلاة . ثم شرع عليه السلام في صلاته وبينما هو منشغل يناجي ربه ..أمتدَت يد الشيطان لتصافح ابن ملجم في عتمة الليل ، وفي ختلة وغدرة هوت بالسيف علي هامة طالما استدبرت الدنيا واستقبلت بيت الله وهي ساجدة وغادرتها منها في تلک الحال ، وفي احرج الساعات التي يمر بها والمسيرة الاسلامية . أغتيل الامام علي عليه السلام وهو في أفضل ساعة حيث يقوم بين يدي الله سبحانه في صلاة خاشعة . وفي اشرف الايام إذ کان يؤدي صوم شهر رمضان . وهو في أعظم تکليف اسلامي حيث کان في طريقه لخوض غمار حرب جهادية ، کما کان في اشرف بقاع الله واطهرها ( مسجد الکوفة ). انه الفوز بالشهادة والفوز بالثبات علي القيم الرسالية الفريدة والثبات علي الحق والجهاد في سبيل إرساء قواعد الدين ، إنها ثورة القيم الالهية علي القيم الجاهلية بکل شُعبها وفروعها . لم تستهدف الجريمة رجلا کباقي الرجال ، إنما استهدفت القيادة الاسلامية بعد رسول الله صلي الله عليه وله وسلم واستهدفت اغتيال رسالة وتاريخ وحضارة ، وامة کلها تتمثل في شخص علي بن ابي طالب عليه السلام وصي رسول الله وحامل علمه والمواصل لسيرته وعمله . وهو افضل هذه الامة من حيث المناقب بعد الرسول الاعظم (ص) واجمعها سوابق واعلمها واعملها بالکتاب والسنة ، واکثرها اخلاصا لله تعالي وعبادة له ، وجهادا في سبيل دينه ، فلولا سيفه لما قام الدين ولا انهدمت صولة الکافرين . نعم ، لم تعرف الانسانية في تاريخها الطويل رجلا - بعد الرسول الاکرم (ص) - افضل من علي بن ابي طالب (ع) ، ولم يسجل لاحد من الخلق بعد الرسول (ص) من الفضائل والمناقب والسوابق ، ما سجل لعلي بن ابي طالب (ع) ،وکيف تحصى مناقب رجل کانت ضربته لعمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق بشهادة الرسول الاکرم (ص) تعادل عبادة الثقلين الي يوم القيامة ، وکيف تعد فضائل رجل اسر اولياءه مناقبه خوفا ، وکتمها اعداءه حقدا وحسدا ، ومع ذلک شاع منها ملء الخافقين ، وهو الذي لو اجتمع الناس علي حبه - کما يقول الرسول الکريم (ص) لما خلق الله النار . والحديث عن الامام علي (ع) لاتسعه المجلدات ولاتحصيه الارقام ، وبخسارة هذا الامام الهمام خسرت الامة مسيرة حضارية اروع فرصة واطهرها في حياتها بعد رسول الله صلي الله عليه وله وسلم . فسلام عليک يا أمير المؤمين وقائد الغر المحجَلين يوم ولدت ويوم رُبيت في حجر الرسالة ، ويوم جاهدت من اجل ان تعلو راية الاسلام خفاقة ، ويوم صبرت ونصحت ويوم بويعت وحکمت ، ويوم کشفت النقاب عن براثن الجاهلية المتسترة بشعار الاسلام ، ويوم استشهدت وأنت تروي بدمک الطاهر شجرة الاسلام الباسقة ، ويوم تبعث حيا وأنت تحمل وسام الفوز في أعلي علَيين .
المصدر:الوحدة المرکزيةللانباء