أبعاد الروح الإنسانية– العبادة
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن قوماً عبدوا الله طمعاً، فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله خوفاً، فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً "حباً" فتلك عبادة الأحرار".
من الأمور التي اعتبرت من استعداد الإنسان الخاص (على الأقل برأي بعض علماء النفس) هي العبادة. والبحث حول هذا الموضوع هو أولاً: هل العبادة إحساس أصيل وغريزة في الإنسان أم لا، بل هو ناتج ومتولد عن الغرائز الأخرى. نعم اجمالاً ان عدداً كبيراً من المحققين وعلماء النفس قبلوا العبادة بعنوان إحساس أصيل في الإنسان. المقالة التي ترجمها المهندس بياني والتي طبعت في أول عدد سنوي لمذهب التشيع تحت عنوان "الشعور الديني أو البعد الرابع" كانت بهذا الصدد. يشرح فيها الكاتب أن الروح الإنسانية لها أبعاد مختلفة (بعبارة أخرى توجد عدة غرائز لدى الإنسان، لا توجد في الحيوان. لكنه عبر عن الغريزة بـ"البعد" وان الوجود الإنساني له عدة أبعاد) بعد البحث عن الحقيقة بغض النظر عن أن العلم بها مفيد لحياة الإنسان أم لا. يريد الإنسان الحقيقة لأجل الحقيقة. فلو اطلعنا على أن بعض العلماء توصلوا إلى حقيقة لا ترتبط بحياة الإنسان على الكرة الأرضية، بل لا ترتبط بالمنظومة الشمسية، وعلمها وعدم علمها غير مؤثر في حياتنا، فمع ذلك لو سئلنا: هل يعجبك أن تعلم بها أم لا تعلم؟ فلا أحد يقول بما أنها لا تفيد ولا تنفع حياتي فالعلم بها وعدمه سواء بالنسبة لي. إن الإنسان يريد أن يفهم ويتضح له كل شيء. العلم نور والجهل ظلام، يهرب الإنسان من الجهل والظلام ويميل نحو النور ذاتياً.
والبعد الآخر الذي يذكره هو البعد الأخلاقي. والمراد منه هو العاطفة الإنسانية والشعور بالمحبة للآخرين. وانه يعتقد بأصالة هذه العاطفة.
وأما البعد الآخر فهو بعد الجمال، فهو أصيل لدى الإنسان.
والبعد الذي ذكره بعد ذلك هو العبادة. وأيد هذا كثيرون، وممن يؤكده كثيراً، "ويليام جيمز" في كتابه "الدين والروح" ترجمة السيد مهدي القائني. ان هذا العالم النفساني كما يقول ـ ويؤيده الآخرون ـ جرب وحقق في مجال حالات الإنسان الروحية والدينية مدة ثلاثين عاماً، وتوصل إلى أصالة الشعور الديني.
لو كانت التربية تامة ومتكاملة فيجب تقوية هذا الحس الإنساني. فالإنسان المتكامل أو المشرف على التكامل لا يمكن تعطيل هذا الجانب من وجوده وهكذا باقي الجوانب الأصيلة فيه. لو تعطل جانب من وجود الإنسان الحيواني "أي الجانب المشترك بين الإنسان والحيوان" ومن وجوده الإنساني المحض فهو إنسان ناقص فلا حاجة للقول باهتمام الإسلام بالعبادة وتنميته لهذا الشعور في الإنسان. فيتضح أن قسماً من كل دين هو العبادة، ويحتمل أن يكون الإشكال وارداً على الأديان للافراط في العبادة وليس لعدم الاهتمام بها.
جواب عن إشكال
نذكر هنا مسألة في باب العبادة يمكن القول ان المسألة هي بالعكس في الأديان ـ وعلى الأقل في الإسلام الذي هو مورد بحثنا على الرغم من أنه دين ـ يجب أن يربي الشعور بالعبادة ـ إن العبادة التي وردت في الأديان لا علاقة لها بالحس العبادي، إما لأنها تتعلق بالطمع الذي يجب محاربته، أو بالخوف الذي يجب محاربته أيضاً، فالعبادة في الأديان ليست إلا معاملة. لأن الدين يحرك الإنسان إلى العبادة لأجل الجنة أو للفرار من النار. فلو صلى شخص لأجل الجنة. فما معنى الجنّة؟ نعني بها المكان الذي تتوفر فيه أنواع اللذات: من الحور والقصور (جنات تجري من تحتها الأنهار) فواكه الجنة، والأطعمة اللذيذة والأشربة غير المسكرة وأنواع اللذات التي لا يمكن تصورها للبشر. فإنسان يغمض عينيه عن لذات الدنيا لأجل لذات الآخرة، فهو ليس إلهياً ولم يقو شعور العبودية فيه، بل هو إنسان مادي جداً أكثر من عباد الدنيا. لأن الفرد الدنيوي قنع بهذه اللذات المادية المحدودة، لكن ذاك هو إنسان رقيق في جوانب الأمور يرى أنه لو يقضي تمام عمره سواء ثلاثين عاماً أو أربعين بهذه اللذات المحدودة فإنها قليلة فانية، فيقول: إني أقضي هذه الثلاثين أو الأربعين سنة بأي نحو كان، وأنتظر الرحيل إلى هناك لأحصل على اللذات التي تركتها هنا. إذاً المحرك له في هذا العمل هو الطمع ولا شيء غيره. وهكذا فإنه لا يرتكب المعصية للفرار من جهنم. فيعبد ويترك اللذات المادية لكي لا يعاقب. فهو أمر لا يخرج عن حدود طلب المنفعة والمصلحة. لذلك لم يُعتن بالحس العبادي في الإنسان. 1
وهذا ما تشكِلُه المسيحية على الإسلام كثيراً، بأن القرآن اهتم بالنعم المادية كثيراً. ويحتمل أن يقولوا: إن القرآن يؤكد النعم المادية في ذلك العالم فقء لذلك فهو لم ينظر إلى الحس العبادي الذي يعتبره "علم النفس" شعوراً واحساساً رفيعاً. بل بالعكس، فإنه نظر إلى أطماع الإنسان فقط.
هذا الإشكال غير صحيح. فكلنا يعلم أن للعبادة مراتب ودرجات من وجهة نظر الإسلام، فإحدى مراتبها عبادة الطمع بالجنة، والأخرى عبادة الخوف من النار، وأعلى هذه الدرجات هي العبادة لا للجنة ولا للنار. وأُكِّد هذا الأمر في القرآن وأحاديث الرسول والأئمة الأطهار عليه السلام. ويوجد كلام طويل على هذا الأمر. والجملة المشهورة في نهج البلاغة وفي كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصادق عليه السلام وهي جملة ليست جديدة، فيمضي ألف عام عن جمع "نهج البلاغة" من قبل السيد الرضي فكيف بزمن الإمام علي عليه السلام. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن قوماً عبدوا الله طمعاً، فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوا الله خوفاً، فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً "حباً" فتلك عبادة الأحرار"2.
فقوم يعبدون الله لطمعهم بالجنة فهي عبادة التجارة، يعملون هنا لينتفعوا هناك. وقوم يعبدون الله لخوفهم من النار، فهؤلاء كالعبيد يعمل للخوف من سوط سيده. والبعض الآخر يعبد لا للجنة ولا للنار بل للشكر، أي يعرف ربه، وعندما عرفه يرى أن كل شيء منه تعالى، وعندما يرى ذلك يحركه الشعور بالشكر إلى العبادة، وهذه هي عبادة الأحرار.
فالأول عبد لطمعه، والثاني لخوفه، والثالث متحرر عن قيد الطمع والخوف فهو عبد الله فقط.
المصادر:
1-التربية والتعليم في الإسلام
2- نهج البلاغة، الحكمة 229،
معني الايمان لغويا
معني الإيمان اصطلاحاً
ما هي الخطوات المعتبرة لمعرفة الدين؟
الطريق الثاني لمعرفة الله الطريق من خارج
لماذا نبحث عن وجود الله سبحانه؟
لماذا نبحث ونفكر لمعرفة خالق الكون