الاسلام والأحلام
إن الروايات الاسلامية لا تنظر إلى جميع الأحلام نظرة واحدة، بل إنها تقسم الأحلام إلى ثلاثة أقسام:
قسم منها عبارة عن الأفكار العادية أو الأسرار المخفية للانسان، التي تظهر بنفسها أحياناً. أو تظهر بصورة أخرى أحياناً لعلل خاصة. هذا النوع من الأحلام فقط هي التي لها قيمة علمية عظيمة في نظر التحليل النفسي
وعلماء النفس، وبواسطتها يمكن الوصول إلى الضمير الباطن للأشخاص، وتعيين الجذور الأصلية للأمراض الروحية.
والقسم الثاني من الأحلام، عبارة عن الأفكار المشتتة والمضطربة التي تتطرق إلى ذهن الانسان في اليقظة أحياناً، وخصوصاً في حالات المرض ولا قيمة علمية ونفسية لها، وقد عبر عنها بـ"أضغاث أحلام" أو الأفكار الشيطانية.
والقسم الثالث هو الأحلام التي لها جانب الهامي، والتي ينكشف بواسطتها بعض الحقائق المجهولة من كل جهة.
يقول الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: "الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والذي يحدث به الانسان نفسه فيراه في منامه"1.
يقول الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: "الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والذي يحدث به الانسان نفسه فيراه في منامه"1.
التحليل النفسي قبل فرويد
ليس مقصودنا من هذا البحث، الحديث عن الرؤيا وتفسيرها، بل إن مرادنا هو بيان أن قسماً من الأحلام هي التي تكشف أسرار الانسان وتفضح الضمير الباطن للأفراد، ولنثبت أن هذا الموضوع ليس من اختراعات فرويد، بل إن أولياء الاسلام وبعض علماء المسلمين قد سبقوه إلى ذلك:
ولأجل أن يتنبه القراء الكرام إلى هدف البحث نستشهد بمثال من قصة الفتاة المخدوعة:
لقد أوردت الحادثة المزعجة والمكتومة ضربة قاضية نحو شرف الفتاة وعفتها، فقد أغفلها شاب في (كرج) وأزال بكارتها والفتاة لم تذكر هذا السر لأحد بل احتفظت به في ضميرها الباطن. وفي عالم الرؤيا يريد ذلك السر أن ينكشف ولكن الفتاة لم تكن في حال اليقظة مستعدة لأن تكشف ذلك السر لأحد، وكان ضميرها الظاهر مخضعاً ضميرها الباطن للرقابة الشديدة، فهي في حالة النوم كأنها تدرك تلك الفضيحة، لكن قوة مجهولة لا تسمح بأن تنكشف المخزاة بلا ستار لذلك فان صورة الحقيقة المرة تتبدل، وتظهر بمظهر غير مخز تماماً.
"إن حلم الشخص البالغ مخفي خلف آلاف الأستار من الكذب والتزوير والأخلاق والقوانين والأنظمة الاجتماعية وإن هناك نوعاً من فوق الأنا تراقب أفعال الشخص ولو في عالم الرؤيا. لهذا فان الانسان يرتكب جريمته في الحلم خلف ستار من فوق الأنا فيخفي نفسه عن نفسه، وفي عالم كهذا حيث يتم كل شيء بالنكاية والاستعارة وإخفاء الحقائق وراء أقنعة عديدة فان التعبير الصحيح والبسيط والمجرد عن الأقنعة لا يمكن أن يظهر أصلاً في الضمير الانساني".
"في أحلام الشخص البالغ تريد بعض الأحاسيس أن تخرج إلى الوجود، ولكنها لا تملك الجرأة على الخروج بذلك المظهر بصورة صريحة حرة، بل إنها تراقب فوق الأنا الأخلاقية والاجتماعية، وتضطر إلى أن ترسل التنبؤات المختلفة والصور الخداعة والمتباينة إلى ضميرنا"2.
ولهذا فإن منتزه (كرج) وغرفة الدار، وصورة الشاب الذي خدعها والعمل المنافي للشرف والعفة، وبصورة موجزة فان القصة الحقيقية للجريمة لا تأتي إلى خاطر الفتاة في الحلم. وعلى فرض أنها رأت حلماً كذلك فانها لا تخبر أحداً به، ولكنها ترى في الحلم أنها في بستان كبير متعلقة بغصن شجرة، وتحت قدميها هوة سحيقة ومظلمة مليئة بالوحل والطين، وهي مضطربة لأجل ذلك وتخاف من أن يفلت الغصن من يدها وتسقط في الهوة ولكنها تقع في ما كانت تحذر منه ويفلت الغصن من يدها فجأة وتسقط في تلك الحفرة المظلمة وتتحطم وسط الأوحال!.
تحوير الضمير الباطن
هذا الحلم هو مظهر الضمير الباطن، وانعكاس لتلك القصة الواقعية التي كانت تخشى الفتاة من إظهارها، مع فارق بسيط هو أن القصة نفسها لما كانت مخزية وقبيحة فإن لباسها يتغير، وتتبدل صورة الاتصال الجنسي بشاب أجنبي إلى شكل التعلق بغصن شجرة، ويبدو التردي الاجتماعي الناشىء من ذلك الاتصال فى إطار السقوط في الوحل.
"هناك رابطة العلية والمعلولية بين ظلمة صور الأحلام وحالة الكبت النفسي. والنتيجة أنه إذا كان الحلم مظلماً فذلك لأن طائفة من الأفكار الباطنة والمكبوتة قد منع الوجدان من ظهورها"3.
هذا الحلم يبدو في نظر الأفراد العاديين تافهاً لا قيمة له، ولكن الذي يستطيع تفسير الأحلام وتحليلها يرى في هذا الحلم مفتاحاً لمخزن أسرار الفتاة، وبذلك يتمكن من اكتشاف الضمير الباطن لها.
لقد أعطى فرويد أهمية كبيرة للحلم وتفسيره من حيث الوصول إلى الضمير الباطن، وإن قسماً كبيراً من مدرسته في التحليل النفسي أشغله هذا الفصل. وقد قوبل هذا الموضوع بأهمية بالغة في أنظار طائفة من الغربيين وكتبوا حوله البحوث المطولة، ظانين أن (فرويد) هو أول من تنبه إلى هذا الأمر. واليكم بعض النماذج:
"إن تفسير الأحلام هو الطريق الصحيح للوصول إلى الضمير الباطن في الحياة النفسانية، ويمكن ملاحظة هذه المعادلة الغامضة في أول أثر لفرويد حول الحلم. إنه ربط ظهور الأحلام في إحدى كتاباته التي انتشرت في الشطر الثاني من حياته بالتحليل النفسي. هذا العلم الحديث لم يوجد قاعدة أساسية أو أدق قابلية للقياس مع أصول الأحلام. إنه أرض مجهولة تنشأ من العقائد العمومية والتصرف"4.
هناك رابطة العلية والمعلولية بين ظلمة صور الأحلام وحالة الكبت النفسي. والنتيجة أنه إذا كان الحلم مظلماً فذلك لأن طائفة من الأفكار الباطنة والمكبوتة قد منع الوجدان من ظهورها
"إن الحلم عبارة عن نوع من الاعتراف، لكنه اعتراف مصحوب بلحن مناسب، وعلى هذا يجب تصحيحه. هذه الأفكار المختفية تسلط فور اكتشافها أضواء ساطعة على جميع أجزاء الحلم. وتكمل النقائص الموجودة بين تلك الأجزاء وتجعل المجموعة الاعتيادية منها قابلة للفهم. هذا هو الأسلوب الذي يتبعه فرويد في تفسير الأحلام"5.
"أما الموضوع الأساسي فهو: أنه كيف نستطيع أن نرسو في هذا البحر الخضم المتلاطم؟ كيف نبسط شيئاً لا يرى بصورة واضحة تماماً؟ كيف يستطيع البصيص الضعيف الذي يظهر على صفحة الحلم المظلمة لبضع لحظات أن يكشف عن حقيقة خفية وغامضة تماماً؟ إن اكتشاف هذه الرموز والوصول إلى هذه الأسرار الخفية والمبهمة تحتاج إلى فراسة وذكاء من شخص ساحر ماهر، أو مخبر عن الغيب، فريد في نوعه".
"أما فرويد فبدون أن يتشبث بالسحر أو يعرف نفسه كمطلع على الغيوب، يوجد في أعماله رمز لا يقف في سبيله رادع أو مانع. إن سر نجاح فرويد يكمن في أنه يبدأ في حل أغمض الأسرار من أبسط المقدمات"6.
يستفاد من هذه العبارات مدى اهتمام الغربيين بفرويد وأساليبه في تفسير الأحلام... ومدى تأثرهم بوجهات نظره.
الطفل بين الوراثة والتربية، محمد تقي فلسفي
--------------------------------------------------------
الهوامش:
1- بحار الأنوار ج 14ص441.
2- فرويد ص:43.
3- تفسير الأحلام، تأليف فرويد ص:71.
4- فرويد وفرويديسم ص:58.
5- المصدر السابق ص:61.
6- فرويد ص:41.
الكلمات الأربع
الإعراض عن اللغو
لو زاد اليقين لمشينا على الماء !
الاسلام دين الفطرة
حرمة الغناء في القرآن الكريم
تفسير كلمات الأذان