قيادة الغرائز
مما لا شك فيه أن الحياة البشرية مدينة إلى الميول والغرائز التي أودعها الله تعالى في مزاج الانسان، ذلك أن الغرائز والرغبات النفسانية هي القوة المحركة العظمى التي تدير دولب الحياة الانسانية، و لا توجد أي قوة في الانسان تبعثه على النشاط والحيوية كالغرائز. ولكن النقطة الجديرة بالملاحظة والانتباه أن هذه الغرائز إذا نفذت واستجيب لها بالصورة الصحيحة وبالشكل المعقول فانها تبعث على الخير والسعادة، أما إذا لم يلتزم العقل قيادتها وكان إرواؤها على غير نظام أو ترتيب، فلا شك في أنها تتضمن مئات المآسي وتؤدي بالانسان إلى عاقبة سيئة.
عشرات الأرياف يمكن أن توجد على ضفاف نهر، ومئات الأسر تستطيع أن تعيش فيها على أتم الرفاه والراحة... إن جميع المزارع والحقول والمراعي وبصورة موجزة جميع مظاهر العمران هناك وجدت من ماء ذلك النهر. وإذا لم يكن ذلك النهر موجوداً، لم يكن أثر للعمران ولم تكن توجد الأرياف، ولكن قد يصادف أن ينحدر السيل من الجبال ويؤدي فيضان النهر إلى أن يتجاوز النهر مجراه، ويهجم على المزارع والمساكن بصورة جنونية، ويؤدي إلى خسائر عظيمة في الأرواح والأموال وتنسف الأتعاب والجهود التي بذلها الريفيون المساكين طيلة سنوات عديدة!!.
إنه لا يمكن الاستغناء عن النهر، لأن النهر يعتبر الشريان الرئيسي لحياة هؤلاء الناس في الأرياف، وإن مظاهر العمران ظهرت بفضل وجود النهر ولأجل أن نستفيد من فوائد النهر، ولا ترد علينا خسارة أو ضرر من جراء الفيضان، علينا أن نبني سداً محكماً عليه، ونمنع من طغيانه ومن الواضح أن بناء السد يجعلنا ننتفع من فوائد النهر باستمرار، ونكون في مأمن من أضراره وخسائره.
مما لا شك فيه أن الحياة البشرية مدينة إلى الميول والغرائز التي أودعها الله تعالى في مزاج الانسان، ذلك أن الغرائز والرغبات النفسانية هي القوة المحركة العظمى التي تدير دولب الحياة الانسانية، و لا توجد أي قوة في الانسان تبعثه على النشاط والحيوية كالغرائز.
طغيان الغرائز
إن الغرائز والميول البشرية تشبه النهر الذي تقوم عليه الحياة الفردية والاجتماعية. فإن كانت الاستجابة لها بصورة معقولة وحسب مقاييس ثابتة فانها تمنح الحياة نشاطاً وحيوية، أما إذا أرضيت بالصورة الفوضوية العارمة ومن دون نظام أو ترتيب فلا شك في أنها تؤدي إلى الشقاء والانهيار. وبعبارة أخرى: فكما أن النهر كان مسخراً لصالح الناس تارة وكان الناس مسخرين لتأثير النهر تارة أخرى، كذلك الغرائز فانها قد تخضع لقيادة العقل، وقد يخضع العقل لقيادة الغرائز. إن السعادة تتحقق متى خضعت الميول جميعها لسيطرة العقل، وكانت منقادة لأوامره ومقرراته.
هذا الكلام مقبول لدى جميع الماديين والمتألهين في العالم، فقد أقر العقلاء والعلماء جميعهم بأن الانقياد للغرائز وإرضاءها بلا قيد أو شرط يتنافى مع التمدن والسعادة البشرية.
"تقضي الحياة، وخصوصاً الحياة الاجتماعية للانسان، أن تهدى الغرائز الأولى منذ البداية، وتوجه نحو الأهداف الاجتماعية، وبصورة أوضح نقول: كما أنه يجب إقامة سد أمام مجرى الماء لادارة محرك من المحركات المعتمدة على قوة الماء فإن التمدن يجب أن يخضع الغرائز لسيطرة دقيقة، وذلك ليبلغ بالانسان إلى الرقي والتكامل"1.
إن أول نكتة يجب أن تسترعي انتباهنا في هذا المقام، هي أن إرضاء جميع الميول النفسانية بصورة حرة وبلا قيد أو شرط أمر مستحيل. ذلك لأن تحقيق بعض الرغبات يتنافى مع إتيان الرغبات الأخرى، وفي الواقع يوجد تناقض واضح بين كثير من ميول الانسان. لقد أوضح الامام علي عليه السلام التناقض القائم بين بعض الميول والرغبات بعبارة قصيرة وحكيمه، إنه يقول:
"ما أعجب أمر الانسان، إن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن سعد نسي التحفظ، وإن ناله خوف حيره الحذر، وإن اتسع له الأمن أسلمته الغيرة، وإن جددت له النعمة أخذته الغرة، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة شمله البلاء، وإن جهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة، فكل تقصير به مضر، وكل إفراط به مفسد، وكل خير معه شر، وكل شيء له آفة"2.
فما أكثر الرغبات النفسية التي تدفع الانسان إلى الافراط في الاستجابة للغريزة الجنسية، أو الطعام في حين أنه يتنافى مع الرغبة في الصحة، وما أكثر اللذائذ التي يتطلبها الانسان من قبيل الخمرة والحشيشة، في حين أنها تتضمن عوارض مختلفة ونتائج وخيمة تهدد حياة الانسان.
-------------------------------------------------------------------
المصادر:
1- أنديشه هاى فرويد ص:51.
2- اداب النفس للعينائي ج 2-111، نقلاً عن إرشاد المفيد ص:142.
الماركسية واللاأخلاق نشأة العرفان و التصوف عند المسلمين
طريقة إثبات الإسلام والشرائع السابقة
علم الكلام و رصد الحركات الإلحادية
ما هو الدّين؟
عقيدتنا في الإسلام
مفهوم الدين