المعرفة الفطرية
مطالعة كتاب الخلقة
يسلك الأنبياء بين الناس بالنسبة إلى المعرفة الالهية دور المذكر لا المعلم فانهم يقومون بإزاحة أستار الغفلة عن الضمير الباطن والفطرة الانسانية، إنهم جاؤوا ليوصلوا المعرفة الفطرية الاجمالية إلى مرحلة الايمان الاستدلالي العقلي التفصيلي عن طريق الارشاد إلى التفكير والتدبر في الآيات، وعن طريق مطالعة كتاب الخلقة، حيث تتجلى مظاهر الدقة والاتقان في كل ذرة من موجودات هذا الكون الفسيح، وبذلك ليؤمن الناس بعظمة خالقهم ويخضعوا له في مقام العبودية ويطيعوا أوامره.
إن المعرفة الفطرية قابلة للتوضيح بأسلوبين:
1- إدراك القدرة اللامتناهية:
يدرك كل فرد من أفراد البشر من أي طبقة كان، وإلى أي عنصر انتمى بوجود قدرة لا متناهية وقوة عظيمة مسيطرة على الكون كله، وذلك بفضل وجدانه الفطري... قدرة عظيمة لا توصف وقوة ثابتة لا تتغير، قدرة فوق جميع القدرات، وقوة يرجع إليها كل فرد عند اليأس من السنن الطبيعية والعادية للأشياء، وفعندما تغلق بوجهه جميع أبواب الأمل والرجاء يجد باب تلك القدرة مفتوحاً ويستعين بتلك القدرة اللامتناهية، يدرك بوجدانه أن تلك الذات المجهولة، تلك الحقيقة المستترة، تلك القدرة اللامتناهية إذا أرادت حلت المشكلة وفتحت جميع الأبواب. هذا الادراك ليس ناشئاً من العقل والبرهان، بل إنه ناشئ من الوجدان والفطرة وهو موجود في باطن كل فرد، ويكون جزءاً أساسياً من كيانه، هذا الادراك الفطري هو الأساس الأول للتدين... ولقد عرف الأنبياء هذه الحقيقة المجهولة باسم (الله).
" قال رجل للصادق عليه السلام: يابن رسول الله، دلني على الله ما هو؟ فقد اكثر علي المجادلون وحيروني... فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟
قال: نعم!
قال: وهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟!
قال: نعم.
قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم!
قال الصادق عليه السلام: "فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث"1.
ولقد أشار علماء العصر الحديث إلى هذه الحقيقة بألفاظ وكلمات مختلفة:
يقول ماكس مولر: "إن الاحساس اللامتناهي يوجب نشوء العقيدة والدين"2.
ويقول انيشتين: "إن عقيدتي هي عبارة عن الحمد المتواضع الضئيل لروح فائقة لا حدية"3.
أما جان جاك روسو فيقول: "ليس طريق الايمان بالله منحصراً في العقل وشكوكه وأوهامه، بل إن الشعور الفطري هو أفضل طريق لا ثبات هذا الموضوع4.
والذين لهم أدنى معرفة بأسلوب تفكير فرويد وأتباعه يعلمون أنهم كانوا مصرين على إنكار الفطريات الايمانية والأخلاقية، وأنهم يعتبرون الدين والمذهب أمراً من صنع البشر. أما في مقام المعرفة الفطرية فقد وقعوا في مأزق حرج واضطروا إلى التراجع قليلاً والتحدث بأسلوب أهدأ وأقل إثارة...
"لا يمكن الانكار أنه يوجد بعض الأشخاص يقولون أنهم يحسون في أنفسهم إحساساً لا يستطيعون وصفه بصورة جيدة. هؤلاء يتحدثون عن إحساس يتصل بالأبدية".
"هذا التصور الذهني ينعكس من إحساس أبدي معروف عند العرفاء الكبار، وفي التفكير الديني الهندي. ويحتمل أن يكون أساس الشعور الديني الذي يظهر بصورة العقائد والمذاهب المختلفة".
"إن فرويد يتردد في هذا الموضوع، ويقر بأنه لم يستطع بتحليلاته النفسية أبداً أن يجد أثراً لمثل هذه الاحساسات في نفسه. ولكنه يضيف رأساً وبصراحة كاملة أن هذا لا يسمح له بإنكار هذا الاحساس بالنسبة إلى الآخرين"5.
2- ربط المعلول بالعلة:
يستطيع كل فرد أن يدرك بواسطة وجدانه الفطري ومن دون حاجة إلى معلم أو مرب، أن كل معلول يحتاج إلى علة، ولا يوجد أثر بلا مؤثر.
المصنوع يحتاج إلى صانع، والبناء يحتاج إلى بناء، ان الوجدان الفطري الذي يربط بين الأثر والمؤثر طبيعي إلى درجة أن الطفل بمجرد أن يصبح قادراً على التكلم يسأل أمه باستمرار عن علل الحوادث المختلفة، هذه الأسئلة ليست ذات صلة بالتفكير ولا ناجمة من المحاسبة العقلية، لأنه لا يدرك المسائل العقلية بعد. وهكذا فان أكثر القبائل البشرية الوحشية تملك هذا الوجدان الفطري. يقول الشريف الرضي رحمه الله عند شرحه لبعض روايات الفطرة:
"وهذا يدلك على أن فطرة إبن آدم ملهمة معلمة من الله بأن الأثر دال دلالة بديهية على مؤثره بغير ارتياب"6.
-------------------------------------------------------------------
المصادر:
1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص 4.
2- إرتباط إنسان وجهان ج 1ص69.
3- إرتباط إنسان وجهان ج 1ص69.
4- إرتباط إنسان وجهان ج 1ص175.
5- أنديشه هاي فرويد ص 89.
6- إثبات الهداة ج 1ص103.
طريقة إثبات الإسلام والشرائع السابقة
علم الكلام و رصد الحركات الإلحادية
ما هو الدّين؟
عقيدتنا في الإسلام
مفهوم الدين