• عدد المراجعات :
  • 7673
  • 5/29/2011
  • تاريخ :

معني الإيمان اصطلاحاً

الورد

فإذا كان الإيمان بمعنى‏ التصديق: فيقع الكلام في كفاية أيّ قسم منه، فإنّ للتصديق مظاهر مختلفة، فالمحتملات أربعة:

 

1- الإيمان هو الإقرار باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه، وهو قول محمد بن كرّام السجستاني.

2- التصديق القلبي وإن أظهر الكفر بلسانه، وهذا هو المنسوب إلى‏ جهم ابن صفوان.

3- الإيمان هو التصديق القلبي منضمّاً إلى‏ التصديق باللسان، وأمّا العمل فهو من ثمراته غير داخل في صميم الإيمان، وهو المنسوب إلى‏ مشاهير المتكلّمين والفقهاء.

4- الإيمان هو التصديق القلبي منضمّاً إلى‏ الإقرار باللسان والعمل بالجوارح، وهو قول المعتزلة والإباضية، وجمع من القدامى‏.

 

لنأخذ بدراسة هذه الأقوال:

أمّا الأوّل: فقد زعموا أنّ النبيّ وأصحابه ومن بعدهم اتّفقوا على‏ أنّ من‏ أعلن بلسانه شهادة فإنّه عندهم مسلم محكوم له بحكم الإسلام، أضف إليهم قول رسول اللَّه في السوداء: «اعتقها فإنّها مؤمنة» «1».

يلاحظ عليه: أنّ الحكم عليه بالإيمان لأجل كون الإقرار باللسان طريقاً وذريعة إلى‏ فهم باطنه وتصديق قلبه، وأمّا لو علم عدم مطابقة اللسان مع الجنان فيحكم عليه بالنفاق، قال سبحانه: «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ وبِاليَومِ الآخِرِ وما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ» (البقرة- 8). ولمّا كان الرسول وأصحابه مأمورين بالحكم بحسب الظاهر، أُمروا بالقتال إلى‏ أن يشهدوا بتوحيده سبحانه كما قال- صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم-: "أُمِرْت أن أُقاتل الناس حتى‏ يشهدوا أن لا إله إلّااللَّه ويؤمنوا بما أُرسلت به، فإذاً عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّابحقّها وحسابهم على‏ اللَّه "وبذلك يظهر وجه حكمه- صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم- في السوداء «بأنّها مؤمنة» «2» روى‏ ابن حزم عن خالد بن الوليد أنّه قال: رُبّ رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال- صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم- «إنّى لم أُبعث لأشُقّ عن قلوب الناس».

وأمّا الثاني: أي كون الإيمان هو التصديق القلبي وإن أظهر الكفر بلسانه الذي نسب إلى‏ جهم بن صفوان: فقد استدل بما مرّ من الآيات عند البحث في تفسير الإيمان لغة، قال سبحانه: «ومَا أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا» (يوسف- 17) وقوله تعالى‏: «وامنَ لَهُ لُوط» (العنكبوت- 26) مضافاً بأنّ القرآن نزل بلسان عربيّ مبين وخاطبنا اللَّه بلغة العرب وهو في اللغة التصديق والعمل بالجوارح لا يُسمّى‏ إيماناً.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره دليل على‏ خروج العمل عن حقيقة الإيمان، وأمّا كونه نفس التصديق القلبي فلا يثبته، كيف وقد دلّت بعض الآيات على‏ أنّ من جَحَدَ لساناً أو عملًا وإن استيقن قلباً فهو ليس بمؤمن، بل هو من الكافرين، يقول سبحانه: «وجَحَدوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْماً وعُلُوّاً فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عَاقِبةُ المُفْسِدِينَ» (النمل- 14) والآية نازلة في حقّ الفراعنة الذين أذعنوا في ظل معاجز موسى‏ بأنّه مبعوث من اللَّه سبحانه، ولكنّهم جَحَدوا بآيات اللَّه فصاروا من الكافرين.

نعم هناك نكتة، وهي: أنّ الآية لا تقوم بنفي كفاية التصديق القلبي في تحقّق الإيمان إذا لم يقترن مع الجَحْد، وإنّما تثبت عدم كفايته إذا اقترن به، فلا بدّ في إثبات عدم كفاية الأوّل من التماس دليل آخر.

 

ثم إنّ لابن حزم الظاهري (ت 456 ه) كلاماً في المقام استشكل به على‏ المستدل، وذلك بوجهين:

 

الأوّل: انّ الإيمان في اللغة ليس هو التصديق، لأنّه لا يسمى‏ التصديق بالقلب دون التصديق باللسان إيماناً في لغة العرب، وما قال- قطّ- عربىّ إنّ من صدق شيئاً بقلبه فأعلن التكذيب بلسانه أنّه يسمى‏ مصدّقاً به، ولا مؤمناً به، وكذلك ما سُمى- قطّ- التصديق باللسان دون التصديق بالقلب إيماناً بلغة العرب.

 

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره يثبت عدم كفاية التصديق مع التكذيب باللّسان، وأمّا عدم كفاية التصديق مع عدم التكذيب فلا تثبته الآية ولا كلام العرب كما عرفت، ولأجل ذلك قلنا: لابدّ في إثبات عدم كفاية ذلك القسم من التماس دليل آخر.

 

الثاني: لو كان ما قاله صحيحاً لوجب أن يطلق اسم الإيمان لكل من صدق بشى‏ء مؤمناً، ولكان من صدق باطنية الحلّاج والمسيح والأوثان مؤمنين لأنّهم مصدّقون بما صدقوا به «3».

 

يلاحظ عليه: أنّه كلام واهٍ جدّاً، لأنّ موضوع الدراسة هو الإيمان اصطلاحاً فلا يعمّ ما كان على‏ طرف النقيض منه كالتصديق بإلهية الحلّاج والمسيح.

نعم لو كان موضوع الدراسة هو تفسير التصديق لغة، فلا شك أنّه يشمل كل تصديق متعلّق بشي‏ء، قال سبحانه: «وما أنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا» (يوسف- 17).

وكم لابن حزم في كتبه من «الفصل» و «المحلّى‏» كلمات واهية مضافاً إلى‏ ما اتّخذ لنفسه خطّة في الكتابة وهي؛ التحامل على‏ الفرق الإسلامية بالسّباب وبذاءة الكلام، عفا اللَّه عنّا وعنه.

وأمّا القول الثالث والرابع: فمتقاربان، غير أنّ الرابع جعل العمل جزء من الإيمان، والثالث جعله من ثمراته وكماله، لاجزءاً لحقيقته، وهذا هو الموضوع الذي فرّق المسلمين إلى‏ فرق ثلاثة، أعني بهم:

 

أ- الخوارج: الذين كفّروا مرتكب الكبيرة، ومنعوا من إطلاق المؤمن عليه، وبلغوا الغاية في التشديد وجعلوه مخلّداً في النار لخروجه عن ربقة الإيمان.

ب- المعتزلة: وهم الذين جعلوا مرتكب الكبيرة منزلة بين منزلتين فلا هو بمؤمن ولا كافر، ولكنّهم صفّقوا مع الخوارج في جعل مرتكب الكبيرة مخلّداً في النار إذا مات بلا توبة.

ج- جمهرة الفقهاء والمتكلّمين من السنّة والشيعة:

وهم الذين جعلوا الإيمان نفس التصديق مع الإقرار باللسان، وجعلوا العمل كمال الإيمان، وهذا لايعني ما ذهبت إليه المرجئة من عدم الاهتمام بالعمل، بل يهدف إلى‏ أنّ محوّل الإنسان من الكفر إلى‏ الايمان والحكم بحرمة دمه وماله هو التصديق القلبي إذا اقترن بالإقرار باللسان إن أمكن، أو بالإشارة إن لم يمكن كما هو الحال في الأبكم، وأمّا المنقذ من النار والمُدْخِل إلى‏ الجنّة فلا يكفيه ذلك ما لم يقترن بالعمل.

قال الشيخ المفيد: «اتفقت الإمامية على‏ أنّ مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام وأنّه مسلم، وإن كان فاسقاً بما فعله من الكبائر والآثام، ووافقهم على‏ هذا القول المرجئة كافّة، وأصحاب الحديث قاطبة، ونفر من الزيدية وأجمعت المعتزلة وكثير من الخوارج والزيدية على‏ خلاف ذلك، وزعموا انّ مرتكب الكبائر ممّن ذكرناه فاسق ليس بمؤمن ولا مسلم «4».

-----------------------------------------------------------

الهوامش

 (1). ابن حزم: الفصل: 3/ 190.

 (2). ابن حزم: الفصل: 2/ 206، وسيوافيك تخريج الحديث.

(3). ابن حزم الفصل: 3/ 190.

(4). المفيد: أوائل المقالات ص 15


لوازم الاُنس الإلهي – الإخلاص163536

الاُنس بالله163530

دليل النظام - دليل الامكان باسلوب آخر ( 4 )150157

الدليل الفلسفي على وجود الله وموقف المادية ( 3 )148652

دليل النظام - دليل الامكان باسلوب آخر ( 3 )148322

قصة واقعية (الايمان بالله عند الرجوع الى الفطرة)148275

ما هي الخطوات المعتبرة لمعرفة الدين؟148094

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)