لوازم الاُنس الإلهي - التقرّب - علوّ المقام
التقرّب والوصال :
من أنس بالله فإنّه يحسّ في كلّ وجوده إنّه يتقرّب إلى خالقه وأنيسه ، ويدرك لذّة الوصال في حياته وبعد مماته ، ويخاف على نفسه أن ينقطع منه حبل الوصال ، فيستوحش من اُولئك الذين يحجبونه عن مؤنسه ، فيعاشر من يذكّره الله رؤيته ، ويزيد في علمه منطقه ، ويرغّب في الآخرة عمله ، ويقطع مع الجاهل ومع من لم يحمل هذه الصفات ، إذ قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل ، كما ورد في الخبر الشريف ، فمن أنس بالله تعالى استوحش عن مثل هؤلاء الناس الغافلين الساهين الناسين .
إنّ موسى بن عمران (عليه السلام) لمّـا ناجى ربّه عزّ وجلّ ، قال : يا ربّ أبعيد أنت منّي فأُناديك ، أم قريب فاُناجيك ؟ فأوحى الله جلّ جلاله : أنا جليس من ذكرني .
قال موسى : يا ربّ أقريب أنت فاُناجيك ؟ أم بعيد فاُناديك فإنّي اُحسّ صوتك ولا أراك ، فأين أنت ؟ فقال الله : أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك ، يا موسى أنا جليس عبدي حين يذكرني ، وأنا معه إذا دعاني ، ذاكر الله مجالسه .
فالمستأنس همّه أن يتقرّب إلى ربّه ويصل إلى معبوده ، فلا تراه إلاّ مشتغلا بذكره وعبادته ، حتّى ينبهر بجماله ، وينصهر في كماله ، ويفنى في أسمائه ، ويذوب في صفاته ، وينزعج ويتألّم من كلّ ما يشغله عن ذكره واُنسه بالله ، فكيف لا يستوحش من الناس .
دخل تلميذ على شيخه العارف بالله فقال له : أراك وحيداً ؟ فقال العارف : بدخولك أصبحت وحيداً ، إذ كنت اُناجي ربّي فقطعت مناجاتي ...
علوّ المقام :
ربّنا الله سبحانه وتعالى عالي الشأن عظيم المقام ، تعالى عمّـا يصفون ، فهو اللطيف بعباده ، وهو القادر على كلّ شيء ، وهو الجميل ويحبّ الجمال والعمل الجميل ، فمن عشقه وأحبّه وأنس به ، فإنّه يرفع مقامه ويعلّي شأنه ، وعليّ اشتقّ من العليّ ، ومحمّد من محامده ، ويصل إلى مقام تصافحه الملائكة والأنبياء ، ويتكلّم مع الشهداء ، ويستغفر له كلّ شيء حتّى الحوت في البحر ، ويكون مظهر أسمائه وصفاته ، ويجدّ في خشوعه وعبادته ، والعبادة جوهرة كنهها الربوبيّة ، فمثل هؤلاء الأولياء المقرّبون ، الذين يطيعون الله ورسوله ، قد وعدهم الله في علوّ الدرجات ، قاب قوسين أو أدنى :
قال تعالى : " ومن يطع الله والرسول فاُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً "(1) .
" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اُوتوا العلم درجات"(2) .
و" فضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً "(3) .
فكيف المستأنس بالله المطيع لله و لرسوله المتّقي المؤمن العالم المجاهد لا يستوحش من الناس الجهلاء الفسقة الذين لا همّ لهم سوى بطونهم ، وقيمتهم ما يخرج من بطونهم .
------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) النساء : 69 .
(2) المجادلة : 11 .
(3) النساء : 95 .
قصة واقعية (الايمان بالله عند الرجوع الى الفطرة)
ما هي الخطوات المعتبرة لمعرفة الدين؟
الطريق الثاني لمعرفة الله الطريق من خارج
لماذا نبحث عن وجود الله سبحانه؟
لماذا نبحث ونفكر لمعرفة خالق الكون