المرحلة الثانية من الثورة المصرية
تنتظر الولايات المتحدة، التي ستضطر إلى صياغة سياسات جديدة للتعامل مع ما سيحصل في مصر، قرارات صعبة للغاية في المرحلة المقبلة، وستكون على الأرجح أصعب من السياسة التي رحبت بسقوط مبارك.
تنتظر الولايات المتحدة، التي ستضطر إلى صياغة سياسات جديدة للتعامل مع ما سيحصل في مصر، قرارات صعبة للغاية في المرحلة المقبلة، وستكون على الأرجح أصعب من السياسة التي رحبت بسقوط مبارك.
غالباً ما تحتل المرحلة الثانية من أي ثورة الأهمية الأكبر، ففي المرحلة الأولى، يتفكك النظام القائم سابقاً، لكن يكون للمرحلة التالية الأثر الدائم في الوضع، فخلال الثورة الروسية، لم تكن الحكومة المؤقتة برئاسة ألكسندر كيرينسكي هي التي أعادت رسم المسار التاريخي في معظم فترات القرن العشرين، بل البلاشفة، وفي الثورة الإيرانية، لم يكن مهدي بازركان، أول رئيس بعد حقبة الشاه الإيراني. لم تكن نتائج أي من هاتين الثورتين جيدة من وجهة نظر الغرب، لكن لا يعني ذلك بالضرورة أن جميع المراحل الانتقالية بعد الثورات يجب أن تتخذ منحىً مشابهاً. في الثورة الفرنسية، كانت 'أحداث ثيرميدور' وحكم المديرية التنفيذية الفرنسية أفضل بكثير من حكم الإرهاب. باختصار، لا تُعتبر الإطاحة بأي حاكم يتربع على عرش نظام قديم نتيجةً بحد ذاتها، بل نقطة البداية!
اليوم، تدخل مصر في المرحلة الثانية من ثورتها الأخيرة، وقد بدأت علامات الاستياء وانعدام الصبر من أداء الجيش تتنامى، وقد انعكس ذلك في تجدد حركات الاحتجاج في الشوارع، لكن عمد الجيش هذه المرة إلى استعمال القوة للحفاظ على النظام. يجب أن يتنبه المصريون، والجهات الخارجية أيضاً، إلى تداعيات هذه الثورة، على الرغم من الانشغال الراهن بالوضع في ليبيا المجاورة وفي أماكن أخرى من المنطقة. مع أن سقوط حسني مبارك شكل محور اهتمام هائل، وتحديداً في الأسبوعين الأخيرين من وجوده في السلطة (أدى التركيز على مخاطر تغيير القيادة المصرية وموقف الولايات المتحدة من هذا التغيير إلى إثارة قلق حكام المملكة العربية السعودية)، سيتساءل كثيرون عما إذا كان ذلك التغيير يحمل معاني الثورة الحقيقية. صحيح أن مبارك لم يرتدِ بزته العسكرية منذ سنوات طويلة، لكن سيدرك الكثيرون أن هذا الطيار الحربي ورئيس القوات الجوية سابقاً كان آخر رئيس لنظام سياسي مستمر بدأ بانقلاب عسكري في عام 1952. بطريقةٍ ما، يمكن اعتبار سقوطه أقرب إلى تغيير القيادة منه إلى الثورة.
اليوم، تدخل مصر في المرحلة الثانية من ثورتها الأخيرة، وقد بدأت علامات الاستياء وانعدام الصبر من أداء الجيش تتنامى، وقد انعكس ذلك في تجدد حركات الاحتجاج في الشوارع، لكن عمد الجيش هذه المرة إلى استعمال القوة للحفاظ على النظام.
سينشغل السياسيون في مصر بمجموعة من القضايا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، وتشمل تلك المسائل الشؤون الدستورية الأساسية المتعلقة بمعالم إطار الحكم الجديد، كما ستشمل أيضاً تحديد توقيت الانتخابات. في وقت لاحق من المرحلة المقبلة، ستبرز مسائل إعادة بناء الاقتصاد في بلدٍ يلعب فيه الجيش دوراً اقتصادياً هائلاً.
تنتظر الولايات المتحدة، التي ستضطر إلى صياغة سياسات جديدة للتعامل مع ما سيحصل في مصر، قرارات صعبة للغاية في المرحلة المقبلة، وستكون على الأرجح أصعب من السياسة التي رحبت بسقوط مبارك. في حال وقوع اشتباكات إضافية في الشوارع، ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة؟ والأهم من ذلك، ماذا تفضّل الولايات المتحدة بشأن الدور السياسي الذي يضطلع به الجيش المصري؟ هل يجب التفكير بإقامة نموذج مشابه لباكستان أم تركيا؟ ماذا عن النموذج التركي الذي كان يسود منذ عقدين من الزمن؟ هل يجب أن يضطلع الجيش المصري بأي دور سياسي على الإطلاق؟ على المدى البعيد، من الأفضل أن يعود الجيش المصري إلى ثكناته ومسؤولياته العسكرية، لكن سيشعر البعض في مصر بالقلق من العالم السياسي الجديد والجريء الذي سينشأ لاحقاً، وربما يفضل هؤلاء الترحيب بخدمات الجيش لكبح أي تغييرات محتملة من شأنها التأثير فيهم سلباً.
بول بيلار –ذي ناشنال اينترست
مصدر: العالم