زيارة القبور في الكتاب والسنّة
قد عرفت أنّ زيارة الانسان لمن له به صلة روحية أو مادية، ممّا تشتاق إليه النفوس السليمة، بل هي من وحي الفطرة، ولاجل ذلك نرى أنّ الكتابَ والسنّة يدعمان أصلَ الزيارة بوجه خاص.
قد عرفت أنّ زيارة الانسان لمن له به صلة روحية أو مادية، ممّا تشتاق إليه النفوس السليمة، بل هي من وحي الفطرة، ولاجل ذلك نرى أنّ الكتابَ والسنّة يدعمان أصلَ الزيارة بوجه خاص.
أمّا الكتاب فقوله سبحانه: "ولا تُصَلِّ عَلى أحَد مِنْهُمْ ماتَ أبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ ورَسُولهِ وماتُوا وهَم فاسِقُونَ" (التوبة/84).
إنّ الاية تسعى لهدم شخصية المنافق، وهزّ العصا في وجوه حزبه ونظرائه. والنهي عن هذين الامرين بالنسبة إلى المنافق، معناه ومفهومه مطلوبية هذين الامرين (الصلاة والقيام على القبر) بالنسبة لغيره أي للمؤمن.
والان يجب أن ننظر في قوله تعالى: (ولا تَقُم عَلى قَبره) ما معناه؟
هل المعنى هو القيام وقت الدفن فقط، حيث لا يجوز ذلك للمنافق ويستحب للمؤمن، أو المعنى أعم من وقت الدفن وغيره؟
إنّ بعض المفسّرين وإن خصّوا القيامَ نفياً وإثباتاً بوقت الدفن لكن البعض الاخر فسروه في كلا المجالين بالاعم من وقت الدفن وغيره.
قال السيوطي في تفسيره: ولا تَقم على قبره لدفن أو زيارة(1) .
وقال الالوسي البغدادي: ويفهم من كلام بعضهم أنّ «على» بمعنى «عند» والمراد: لاتقف عند قبره للدفن أو للزيارة(2) .
وقال الشيخ إسماعيل حقّي البروسي: (ولاتَقُم على قبره) أي ولا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة والدعاء(3) .
إلى غير ذلك من المفسرين، وقد سبقهم البيضاوي في تفسيره(4) .
والحقّ مع من أخذ بإطلاق الاية وإليك توضيحه:
إنّ الاية; تتشكل من جملتين:
الاُولى:
قوله تعالى: "ولا تصلّ على أحد منهم ماتَ أبداً" .
إنّ لفظة «أحد» بحكم ورودها في سياق النفي تفيد العموم والاستغراق لجميع الافراد، ولفظة «أبداً» تفيد الاستغراق الزمني، فيكون معناها: لا تصل على أحد من المنافقين في أيّ وقت كان.
فمع الانتباه إلى هذين اللَّفظين نعرف ـ بوضوح ـ أنّ المراد من النهي عن الصلاة على الميّت المنافق ليس خصوص الصلاة على الميت عند الدفن فقط، لانّها ليست قابلة للتكرار في أزمنة متعدّدة، ولو أُريد ذلك لم تكن هناك حاجة إلى لفظة «أبداً»، بل المراد من الصلاة في الاية مطلق الدعاء والترحّم سواء أكان عند الدفن أم غيره.
فإن قال قائل: إنّ لفظة «أبداً» تأكيد للاستغراق الافرادي لا الزماني.
فالجواب بوجهين:
1 ـ انّ لفظة «أحد» أفادت الاستغراق والشمول لجميع المنافقين بوضوح فلا حاجة للتأكيد.
2 ـ انّ لفظة «أبداً» تستعمل في اللّغة العربية للاستغراق الزماني، كما في قوله تعالى: "وَلا أنْ تَنكِحُوا أزواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبَداً" (الاحزاب/53).
فالنتيجة أنّ المقصود هو النهي عن الترحّم على المنافق وعن الاستغفار له، سواء أكان بالصلاة عليه عند الدفن أم بغيرها.
الثانية:
(ولاَ تقُمْ عَلى قَبْرِهِ) إنّ مفهوم هذه الجملة ـ مع الانتباه إلى أنّها معطوفة على الجملة السابقة ـ هو: «لا تَقُم على قبر أحد منهم مات أبداً» لانّ كل ما ثبت للمعطوف عليه من القيد ـ أعني «أبداً» ـ يثبت للمعطوف أيضاً، ففي هذه الحالة لا يمكن القول بأنّ المقصود من القيام على القبر هو وقت الدفن فقط، لانّ المفروض عدم إمكان تكرار القيام على القبر وقت الدفن، كما كان بالنسبة للصلاة، ولفظة «أبداً» المقدّرة في هذه الجملة الثانية تفيد إمكانية تكرار هذا العمل، فهذا يدل على أنّ القيام على القبر لايختصّ بوقت الدفن.
وإن قال قائل: إنّ لفظة «أبداً» المقدّرة في الجملة الثانية معناها الاستغراق الافرادي.
قلنا: قد سبق الجواب عليه، وأنّ لفظة «أحد» للاستغراق الافرادي، لا لفظة «أبداً» فهي للاستغراق الزماني.
فيكون معنى الاية الكريمة: أنّ الله تعالى ينهى نبيه (صلى الله عليه وآله) عن مطلق الاستغفار والترحّم على المنافق، سواء كان بالصلاة أو مطلق الدعاء، وينهى عن مطلق القيام على القبر، سواء كان عند الدفن أو بعده.
ومفهوم ذلك هو أنّ هذين الامرين يجوزان للمؤمن.
وبهذا يثبت جواز زيارة قبر المؤمن وجواز قراءة القرآن على روحه، حتى بعد مئات السنين.
هذا بالنسبة إلى المرحلة الاُولى وهي أصل الزيارة من وجهة نظر القرآن، وأمّا بالنسبة إليها من ناحية الاحاديث فإليك بيانها.
-------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) السيوطي، تفسير الجلالين: سورة التوبة في تفسيره الاية.
(2) الالوسي البغدادي، روح المعاني 10 : 155.
(3) البروسي، روح البيان 3 : 378.
(4) البيضاوي، أنوار التنزيل 1 : 416، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.
(12و13و14) علاء الدين، كنز العمال 15 : 248، الاحاديث 42563 و 42564 و 42565.
هل هناك من علاقة بين عقائد الشيعة الإمامية وعقائد الغلاة ؟
أساس الإسلام حب أهل البيت عليهم السلام
مصادر الفكر الوهابي
الوهابية ومؤسسها
الوهابية ومجزرة الحرم الشريف
كلية مذهب الوهابية وخلاصة القول فيه
الدعاء محجوب حتى يُصلّى على محمّد وآل محمّد